اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
خاص الهديل….
لم تنتظر أولى زخّات المطر هذا العام طويلاً قبل أن تكشف هشاشة البنية التحتية وغياب الاستعدادات الحقيقية لموسم الشتاء. فالطرقات التي غرقت خلال دقائق ليست وليدة اللحظة، ولا نتيجة مفاجِئة، بل انعكاس واضح لتراكمات سنين طويلة من الإهمال وضعف التخطيط. ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً لدى اللبنانيين: ماذا فعلت وزارة الأشغال منذ تسلّم الوزير مهامه وحتى هطول أول مطر؟
قدّم الوزير مجموعة من التفسيرات ترتكز على تراكمات الماضي وصعوبة الملفات التي ورثها، وهذا واقع لا يمكن تجاهله. فالمشاريع المتعثرة والأزمات التقنية والإدارية المزمنة ليست جديدة على القطاع، والبنية التحتية تعاني منذ عقود من نقص الصيانة وتآكل الأنظمة. لكن بالرغم من ذلك، تبقى مسؤولية الوزير اليوم متصلة بما يمكن فعله ضمن الإمكانات المتاحة، وليس بما لم يُنجز في السنوات السابقة. فالمواطن لا يحاسِب على التاريخ، بل على الأداء الفعلي في اللحظة التي يتولى فيها المسؤول إدارة الملف.
فالفيضان الذي ضرب الطرقات لم يكن مفاجئاً، والإنذارات تكررت لأسابيع قبل الشتاء بشأن انسداد المجاري وضرورة تنظيفها، ومع ذلك غابت الخطط الاستباقية الواضحة، كما غابت فرق التدخل السريع التي كان من الممكن أن تخفف من حجم الأضرار. لم تُعرض خطة عمل، ولم يصدر تقرير يوضح ما تم إنجازه وما لم يتم، ما جعل المواطن يتساءل بحق: كيف تغرق الطرقات بهذه السرعة إذا كانت الوزارة قد قامت بالتحضيرات اللازمة؟
إن الحديث عن الأزمات السابقة لا يعفي أحداً من مسؤولية الحاضر. فمن الطبيعي أن يواجه أي وزير تحديات متراكمة، وأن يعمل ضمن ظروف صعبة، لكن القيادة تُقاس بقدرة صاحبها على اتخاذ خطوات عملية، ولو في أصعب الظروف. فالحد الأدنى من الصيانة، والمتابعة الميدانية، وتحديد الأولويات، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً، حتى مع محدودية الموارد. والمسؤولية هنا ليست سياسية فقط، بل تنفيذية أيضاً، لأن الوزير هو صاحب القرار، وصاحب التوقيع، وصاحب القدرة على تحديد أين تبدأ إجراءات الوقاية وكيف يجب أن تُطبق.
اللبنانيون اليوم لا يبحثون عن تبريرات ولا ينتظرون إعادة سرد تاريخ الأزمة، فهم يعرفون تفاصيلها جيداً. ما يريدونه حقيقة واحدة: خطة واضحة للمستقبل. يريدون كشفاً شفافاً عمّا تم فعله قبل الشتاء، ومحاسبة داخلية لأي تقصير حصل، وتحضيراً جدياً لأي موجة أمطار مقبلة، إضافة إلى إعلان صريح عن أي عقبات تواجه الوزارة—إن كانت موجودة—بدلاً من الاكتفاء بالإشارة إليها من بعيد. فالمصارحة هي أول أبواب الإصلاح.
وفي النهاية، لا شك أن البلد يعاني من بنية تحتية متهالكة وتراكمات هائلة، وهذا أمر لا جدال فيه. لكن أول شتوة كانت اختباراً مباشراً لقدرة وزارة الأشغال على التعامل مع الواقع، لا مع التاريخ. فالأعذار تُسمع دائماً، أما النتائج فهي التي تحدد مستوى المسؤولية. وما ينتظره اللبنانيون اليوم ليس خطاباً جديداً، بل أداءً فعلياً يثبت أن الحاضر يمكن إصلاحه، ولو بخطوات بسيطة، إذا توافرت الإرادة والإدارة.











































































