اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– وظفت واشنطن وتل أبيب حروب التدمير التي خاضها الطرفان بالتكافل والتضامن رداً على طوفان الأقصى وجبهات الإسناد، لإنتاج شرق أوسط جديد، ودأب رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو على الحديث عن تغيير الشرق الأوسط، لكن واشنطن وتل أبيب ومعهما عواصم الغرب وبعض عواصم العرب، وقفت عاجزة عن كسر الحاجز اليمنيّ في البحر الأحمر، وهو عائق استراتيجي كبير أمام نظرية التفوق الإسرائيلي عبر التحدي اليومي للحصار البحري اليمني الذي أدّى إلى إقفال ميناء أم الرشراش الذي يسمّونه إيلات، والحصار على مطار اللد الذي يسمّونه بن غوريون، وهو ما لم تفلح الغارات والتهديدات الإسرائيلية بوضع حد له، بينما اضطرت واشنطن لتفادي التصعيد وتداعياته إلى قبول وقف إطلاق نار كرّس اليد العليا لليمن في البحر الأحمر.
– في الحرب على إيران اضطرت واشنطن وتل أبيب رغم الحديث المتكرّر عن النصر إلى وقف إطلاق النار دون الحصول على وثيقة سياسية تلتزم بموجبها إيران بأي من الشروط الأميركية الإسرائيلية، ولم تؤد الحرب إلى تداعيات تفتح طريق إسقاط النظام بل أدت الحرب إلى مفاعيل عكسية بتدعيم النظام الإسلامي بوحدة وطنية غير مسبوقة، رغم أن الرئيس الأميركي رفع للحرب شعار الاستسلام غير المشروط، بينما لم يتردّد نتنياهو عن المجاهرة بأن الحرب تهدف إلى إسقاط النظام، واليوم تبدو الصورة معقدة، حيث لا العودة إلى الحرب تملك خريطة طريق ولا التفاوض متاحاً دون شروط إيرانية، وإيران تعلن السير بتطوير برنامجها الصاروخيّ وترميم قدراتها الدفاعيّة وتستعدّ لاستئناف برامج تخصيب اليورانيوم، بعدما استهدفت مفاعلاتها النوويّة التي كانت موضع قبول أميركيّ خلال التفاوض، بخلاف التخصيب الذي يشكّل القلب النابض للبرنامج النوويّ الذي تتمسك به إيران وتقلق منه أميركا و«إسرائيل”، ولا ضمان عدم ذهاب إيران إلى تخصيب اليورانيوم في الظل مع تعليق التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
– في غزة تستمرّ الحرب وفق معادلة سرياليّة سوداء مأساوية، حيث الإبادة تتقدّم بسرعة، بينما المقاومة تسيطر على المعادلة العسكرية في غزة، وتجعل الاحتلال ينزف بغزارة وتطوّر وسائلها القتالية، وجيش الاحتلال يصرخ بأنه عاجز عن مواصلة الحرب، وأن هياكله البشريّة باتت دون مستوى الحرب، روح قتالية في الحضيض ونقص في العديد والكوادر خطير، وعجز عن التجنيد وعن استدعاء الاحتياط والتطويع، ومفاوضات تحاول ابتزاز المقاومة بمقايضة الإبادة بالاستسلام، والمقاومة تقول ومعها الشعب في غزة، نموت واقفين ولن نركع.
– تبقى ساحات سورية ولبنان، حيث يعتقد الأميركي والإسرائيلي أن الحرب ساعدت في إنتاج بنيتين للحكم يمكنها تلبية دفتر الشروط الأميركي الإسرائيلي، بإعادة بناء مؤسسات الحكم في لبنان بتسلم السلطة من شخصيات صديقة لواشنطن راغبة بإنهاء سلاح المقاومة، كما قال خطاب القسم لرئيس الجمهورية بحصرية السلاح بيد الدولة وكرّر البيان الوزاري، بينما ساهمت الحرب في إسقاط النظام السابق في سورية، وجلبت إلى السلطة مجموعة مصنفة على لوائح الإرهاب أميركياً، لكنها صاحبة سيرة تعاون مع المخابرات الأميركية والإسرائيلية، وتجاهر بأن إيران وحزب الله عدو مشترك لها وكلاً من “إسرائيل” وأميركا، وأنّها مستعدّة للسلام مع “إسرائيل” وتأجيل البحث بمصير الجولان السوريّ المحتل، وأنها تضع كل بيضها في السلة الأميركية، لقاء فتح الطريق أمامها للإمساك بالحكم ورفع العقوبات عنه، وخلال شهور بدأ اختبار ما يمكن تحقيقه في لبنان وسورية.
– لم يعُد مهماً تحليل الأسباب التي أوصلت المشهد إلى النقطة الراهنة، بمقدار الحاجة لتوصيف هذه النقطة، حيث الفشل الأميركي أكيد وغير قابل للإنكار، حيث السلطة في دمشق قدّمت لأميركا و«إسرائيل” ما لا يمكن في لبنان للحكم الصديق تقديمه، لكن ذلك لم يجنبها ما تزعم واشنطن أن تقديم أقل منه سوف يجنب لبنان اختباره، وهي تقول للبنانيين انظروا إلى سورية، وفي سورية حيث مشروع بناء سلطة صديقة أو موالية يهدده انفجار طائفيّ تجد “إسرائيل” فيه فرصة اللعب بالنسيج الاجتماعي وبناء جغرافيا أمنية مريحة، بحيث لم يعد ممكناً الحديث أمام اللبنانيّين عن امتلاك شجاعة الإقدام في عمليّة نزع السلاح والتحرّر من رهاب الخوف من الحرب الأهليّة، بينما الحرب الأهليّة تدقّ الأبواب، وما يجري في سورية يهزّ استقرار لبنان، ومن لا يصدّق فليستمع إلى كلام النائب نديم بشير الجميل عن تفهّم التمسك بسلاح المقاومة بعد أحداث السويداء، والخوف اللبنانيّ العام من التداعيات، وهو الذي لم يقل يوماً كلمة إيجابيّة عن سلاح المقاومة.
– لم يعُد التخويف بحرب إسرائيلية ينفع في لبنان، ولم يعُد الوعد بتحقيق السلم الأهلي موثوقاً في سورية، ولم يعُد الحديث عن سلاح المقاومة كمصدر ضرر يلقى الترحيب، ولا الحديث عن التخلص من النظام السابق في سورية يلقى التصفيق، فما فتحه كل من فتح ملف سلاح المقاومة من جهة وسقوط النظام السابق في سورية من جهة مقابلة، هو صندوق باندورا الذي تخرج منه الأفاعي ولا يملك أحد تعويذة السحر اللازمة لإعادتها إلى الصندوق، لأن فوالق الديمغرافيا عندما تبدأ تطلق حممها وتتشقق الأرض بفعلها، يكون الخطر بما يجعل مخاطر الحروب الإسرائيلية دعوة للموت المشرّف بالحد الأدنى.