اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٤ تموز ٢٠٢٥
ندى عبد الرزاق
في عالم الجلد، ليس كل ما يلمع شمسًا، وليس كل ما يُرى خطرا واضحا. سرطان الجلد ليس حكراً على كبار السن أو متعددي التعرض للشمس، بل هو وحش خفي يتسلل عبر عوامل لا نراها ولا نتوقعها، تغزو خلايانا بهدوء، وتفتك بنا بصمت. الضوء الذي نعتقد أنه ضروري، والأجهزة التي تعانقها أيدينا يوميا، وحتى ممارسات جمالية تبدو بريئة، قد تكون سيوفا مسمومة تخترق الحماية الطبيعية لجلدنا. في هذا الصراع الخفي، يتحول الجلد إلى ساحة حرب بين الحياة والموت، حيث كل تفصيلة قد تحمل مفتاح الخطر.
خطر حي!
بالاستناد الى ما تقدم، تقول الاختصاصية في الأمراض الجلدية والطب التجميلي، الدكتورة غادة قصير، لـ «اللواء»: «من المهم أن نتحدث اليوم عن موضوع السرطانات الجلدية، بل نتطرق إليه بطريقة غير اعتيادية. فنحن معتادون على اعتبار أن الشمس، ولا سيما الأشعة فوق البنفسجية (UV)، هي العامل الأساسي للإصابة بالسرطانات الجلدية. إلا أن المفاجأة تكمن في ظهور أسباب أخرى، لا سيما في لبنان، تؤدي إلى الإصابة بهذه السرطانات الجلدية من النوع القاعدي والقشري. وهنا نتحدث عن مادة «الزرنيخ»، حيث كشفت الدراسة الأخيرة داخل لبنان أن المياه والآبار ملوثة بها بنسبة تفوق المعدل المسموح به من قِبل منظمة الصحة العالمية. وبالتالي، عندما نغسل الخضراوات، وخصوصا الأرز الذي يمتص الزرنيخ غير العضوي القائم في المياه العادية، قد نزيد من احتمالات الإصابة بالسرطانات بشكل عام، ومن بينها السرطانات الجلدية. لذلك، يُنصح بالاعتماد على المياه المكررة لغسل الخضراوات والأرز لتجنّب ذلك».
الداء والدواء في البيئة!
وتحذّر من: «التدهور البيئي، إذ إن التلوث يتجاوز كل السقوف العالية، ويؤدي إلى الإصابة بالسرطانات عموما، سواء من مولدات الكهرباء أو مصانع الإسمنت أو حتى المبيدات التي تُرشّ على المزروعات بطرق عشوائية وغير منظمة. وهذه العوامل مجتمعة تُضاعف من احتمالات الإصابة بهذه الأمراض».
علامات غير نمطية
وتشير: «الأمر غير الاعتيادي الثاني يكمن في اعتقادنا بأن السرطان الجلدي غير مميت، إلا أن الحقيقة على العكس تماما، إذ قد يكون مميتا، وبخاصة «الميلانوما». فقد باتت نسب الإصابة والوفيات بهذا النوع في ارتفاع عالمي، فبعد أن كنا نتحدث عن حالة واحدة من بين كل 70، ها هي المعدلات تتصاعد بشكل مخيف. «فالميلانوما»، كما يدلّ اسمها، تتركّز على مادة الميلانين الموجودة في الجلد. وتُعتبر الوحمات الجلدية التي نولد بها، أو ما يُعرف بـ (Congenital)، وكذلك الوحمات الوراثية، وخصوصا نوع (Atypical) الذي تظهر فيه الوحمة بألوان متعددة وهي من أبرز العوامل المرتبطة بهذا النوع من السرطان. لذا، يُضاف إلى هذين النوعين موقع الوحمة؛ فإذا كانت الاخيرة في العين، أو داخل الفم، أو على كفّي اليدين أو القدمين، فإن هذه الأمور قد تُشكل سببا في ارتفاع معدل الإصابة بـ الميلانوما».
وتؤكد ان: «طرق الكشف عن هذا الأمر قد تحوّلت؛ فبعد أن كنا نتحدث عن (A, B, C, D)، أصبحنا اليوم نتحدث عن (A, B, C, D, E) باعتبارها المعيار الأساسي لفحص هذا السرطان، مما يتيح لنا الكشف المبكر عن هذا المرض».
وتشدد على أن: «الكشف المبكر يساهم في رفع نسبة الشفاء إلى نحو 95%. إلا أن المفاجأة الكبرى تتجلى في أن هذه السرطانات لا تُشبه الانواع الأخرى، إذ قد يُصاب بها الأطفال والمراهقون أيضا. لذا، يُعد الفحص الدوري امرا بالغ الاهمية، في ظل توفّر العلاجات المتطوّرة كالجراحات وغيرها، التي تساهم في معالجة الوضع قبل تفاقمة. إلا أن انتشار هذا المرض بشكل سريع في الجسم، وامتداده إلى خارج الجلد، يُعدّ الأمر الأخطر؛ ولذلك فإن الكشف الدوري والدائم يُمكننا من الوقاية من الموت».
تقييم الوحمات الجلدية
وتفصّل: «A - Asymmetry: إذا كان نصف الوحمة لا يشبه النصف الآخر.
B - Border: الحدود، إذا كانت غير منتظمة، غير واضحة أو خشنة الحواف.
C - Color: إذا كانت تحتوي على أكثر من لون، وبالتالي توجد ألوان متعددة في هذه الوحمة.
D - Diameter: أي القطر، إذا كان أكبر من 6 ملم.
E - Evolving: ويُقصد به أي تغيّر مفاجئ، سواء في الحجم أو اللون أو الشكل، أو الإحساس بالحكّة في هذه الوحمة».
وتُركّز على أمر ثالث غير مألوف، يتمثّل في: «أن الجميع يتصوّر أن الوحمة السوداء قد تكون عاملًا مسبباً للسرطان الجلدي، لكن المفاجأة الكبرى تكمن عند الحديث عن السرطانات غير الميلانومية، أي عن السرطانات القشرية والقاعدية، والتي تظهر على شكل ندبة جلدية عادية، أو على هيئة جرح مزمن يتفاقم دون تحسّن، أو يتغيّر مكانه، حيث تصبح العروق حمراء فنظنها دوالي (فاريز)، أو يُلاحظ تصلّب في الجلد في منطقة معينة، ويتبدّل مظهر الجلد مقارنةً بباقي مناطق الجسم.
وتفسّر: «ان هذه العوارض تعد شائعة لدى الأشخاص فوق سنّ الخمسين، وأولئك الذين يملكون بشرة فاتحة وعيونا ملوّنة. لبنان من البلدان التي ينتشر فيها هذا النوع من السرطانات، اضافة إلى الأشخاص الذين يتعرّضون لأشعة الشمس بشكل دائم من خلال طبيعة أعمالهم، كالمزارعين. وهنا نتحدث عن التعرّض لساعات طويلة، وبخاصة ما بين الساعة التاسعة صباحا والثالثة بعد الظهر».
فيروسات «قاتلة»!
وتوضح: «السرطان الجلدي غير معدٍ، ولكن الصدمة الكبرى تكمن في أن بعض أنواع الفيروسات، التي تظهر على شكل ثآليل جلدية، ويكون أصلها فيروسا معديًا، من الممكن أن تتحوّل إلى سرطانات، لا سيما تلك التي تظهر في المناطق التناسلية، حيث يكون الخطر مضاعفًا. لذلك، يجب أن نحمي أنفسنا من هذه الفيروسات حتى لا نُصاب بالسرطانات، وذلك من خلال المعالجة، ومتابعة حالة الشريك، وأيضا عبر اللقاحات التي تُساهم في الحدّ من الإصابة بالسرطانات».
Sunscreen «اجباري»
وتؤكد قصير لـ «اللواء» انه: «يمكن تفادي السرطانات الجلدية من خلال تجنّب التعرّض لأشعة الشمس، التي نعتبرها عاملًا أساسيا في الحياة البشرية، لكنها تحوّلت إلى عامل سام بفعل أشعة الـ (UV) ما فوق البنفسجية. فاستخدام الواقي الشمسي أمرٌ أساسي، وبعامل وقاية لا يقلّ عن 30. وتكشف أن بعض أنواع الواقيات الشمسية قد تحتوي على مواد علاجية فعّالة ضد بعض حالات التقرّنات الشمسية، مثل (Actinic Keratosis) و (Seborrheic Keratosis)، والتي قد تتحوّل إلى سرطانات جلدية بنسبة تتراوح أحيانا بين 7% و20%. من هنا، أنصح المواطنين بأن يسألوا عن أنواع الواقيات الشمسية العلاجية المتوفرة، لأنها تساعد كثيرًا في الوقاية من الإصابة».
وتتابع: «هناك مصدر آخر غير الشمس، وهو موجود بين أيدينا يومياً، كالحواسيب والهواتف والأضواء المنزلية التي تصدر الضوء الأزرق (Blue Light)، والذي يُعتبر من أكثر العوامل فتكًا بالبشرة، وقد يزيد من مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان الجلدي».
وتنصح: «لا ينبغي أن تقتصر الحماية من الشمس على فترات الخروج من المنزل، بل يجب استخدامها من ساعة الاستيقاظ، وتجديدها كل أربع ساعات، حتى نحصل على الفائدة المرجوة، وذلك بأخذ مقدار يُعادل إصبعا من كف اليد، يُوزَّع بشكل متوازٍ على الوجه واليدين والرقبة، دون إغفال أي مكان يتعرّض لأشعة الشمس».
واقيات «حبوب»!
وتنوّه في ختام حديثها إلى «أهمية بعض المكملات الغذائية، وخصوصا تلك التي تحتوي على مادة البيتاكاروتين، لما لها من دور في حماية الجلد. فهذه الحبوب تعد واقيا داخليا من أشعة الشمس، وبالتالي تُعتبر واقيًا من خلال الحبوب. وتفيد الأشخاص من ذوي البشرة الحساسة او الذين لديهم استعدادات وراثية، ويتم تناولها قبل شهر الى شهرين من بدء موسم البحر».
وتضيف: «جلسات الاسمرار المنتشرة على نطاق واسع في الصالونات قد تكون من الأسباب الرئيسية للسرطانات الجلدية، اذ تعادل كل جلسة نحو 80% من التعرض المباشر لأشعة الشمس في نفس الوقت».