اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٢٩ نيسان ٢٠٢٥
في السنوات الأخيرة، ازداد الإقبال على الأنظمة الغذائية الصارمة التي تعتمد بشكل شبه كامل على البروتين الحيواني مع إقصاء شبه تام للكربوهيدرات، مثل نظام 'آكل اللحوم' الغذائي. وبينما يشهد هذا النظام انتشارًا بين من يسعون لفقدان الوزن السريع أو تحسين مستويات الطاقة، تشير دراسات وأبحاث طبية متزايدة إلى أن تبني مثل هذا النمط الغذائي، خصوصًا لدى النساء، قد تكون له تبعات خطرة على التوازن الهرموني، الدورة الشهرية، والخصوبة.
يقوم نظام 'آكل اللحوم' على استهلاك اللحوم الحمراء، الدواجن، الأسماك، والمنتجات الحيوانية فقط، مع استبعاد الخضراوات، الفواكه، الحبوب، والبقوليات. هذا التقييد الصارم للكربوهيدرات والألياف والعناصر الغذائية النباتية يؤدي إلى تغيرات فسيولوجية كبيرة في الجسم، أبرزها تأثيره المباشر على الهرمونات الأنثوية. فالهرمونات مثل الإستروجين والبروجستيرون تعتمد في تنظيمها على توازن دقيق في مدخول الطاقة والمغذيات، وهو توازن يختل بشدة في ظل غياب التنوع الغذائي.
من أبرز الآثار التي سجلها الخبراء هو اضطراب الدورة الشهرية أو انقطاعها بشكل كامل. إذ تؤدي الكميات العالية من البروتينات والدهون الحيوانية، بالتزامن مع انخفاض مستوى الكربوهيدرات، إلى خفض مستويات الإنسولين واللبتين، وهما هرمونان أساسيان لتنظيم الدورة الشهرية. كما أن قلة تناول الألياف والفيتامينات والمعادن المرتبطة بصحة المبيضين والرحم، مثل الزنك والمغنيسيوم ومجموعة فيتامينات ب، يمكن أن تؤدي إلى مشكلات طويلة الأمد في الخصوبة.
علاوة على ذلك، فإن نقص الكربوهيدرات في النظام الغذائي يضع الجسم في حالة استقلابية تُعرف بالكيتوزية، وهي حالة قد تؤدي إلى زيادة مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر. هذا الارتفاع المزمن في الكورتيزول قد يؤدي بدوره إلى اضطرابات في محور الغدة النخامية الكظرية، الغدة التناسلية، مما ينعكس سلبًا على الإباضة وانتظام الدورة الشهرية.
هذا، وتحذر اختصاصيات التغذية من أن بعض النساء قد يلاحظن في البداية تحسنًا موقتًا في مستويات الطاقة أو فقدانًا سريعًا للوزن عند اتباع نظام 'آكل اللحوم'، مما قد يعطي انطباعًا زائفًا بأن هذا النمط الغذائي مثالي. غير أن هذه الفوائد السطحية لا تلبث أن تتلاشى مع مرور الوقت، لتبدأ التأثيرات السلبية بالتسلل تدريجيًا إلى الجسم.
من بين أبرز هذه التأثيرات: تساقط الشعر، جفاف البشرة، هشاشة العظام، اضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب، واضطراب النوم، وجميعها مؤشرات واضحة على وجود اختلالات غذائية وهرمونية عميقة ناجمة عن نقص مكونات أساسية يحتاج اليها الجسم لاستقرار وظائفه الحيوية.
في المقابل، يؤكد المختصون أن الكربوهيدرات ليست مجرد مصدر سريع للطاقة كما يعتقد البعض، بل تؤدي دورًا جوهريًا في تنظيم مستويات الهرمونات، ودعم صحة الجهاز التناسلي، والحفاظ على انتظام الدورة الشهرية لدى النساء. تقليل الكربوهيدرات بشكل مفرط، ولفترات طويلة، قد يؤدي إلى اضطرابات في إفراز الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والبروجستيرون، ما ينعكس سلبًا على الخصوبة والصحة العامة للمرأة، وقد يسبب أضرارًا يصعب تصحيحها لاحقًا.
ختامًا، رغم أن نظام 'آكل اللحوم' قد يبدو مغريًا للوهلة الأولى بفضل نتائجه السريعة واللافتة، إلا أن تبني هذا النمط الغذائي دون إشراف طبي ودون أخذ الفروقات البيولوجية بين النساء والرجال بعين الاعتبار قد يؤدي إلى أضرار صحية جسيمة. ولهذا، يُنصح النساء اللواتي يفكرن في اعتماد هذا النظام بالتشاور مع اختصاصي تغذية أو طبيب مختص قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، لضمان سلامة صحتهن الهرمونية والإنجابية على المدى الطويل.