اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٣ كانون الأول ٢٠٢٥
اليوم الثالث والأخير للبابا لاوون الرابع عشر من زيارته لبنان اختتمه، بترؤسه القداس الذي أقيم صباح أمس على الواجهة البحرية لبيروت، وسط حضور عشرات الآلاف الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية ومن دول الجوار، لرفع الصلاة من أجل السلام والاستقرار.
وشارك في القداس رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى نعمت عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته رندا، رئيس الحكومة نواف سلام وعقيلته سحر بعاصيري، البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، الرئيس ميشال سليمان وعقيلته وفاء، السفير البابوي باولو بورجيا، الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وعقيلته نورا، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، ووزراء ونواب حاليون وسابقون وشخصيات رسمية وروحية ووفد من الفاتيكان وفاعليات دينية وسياسية واجتماعية والآلاف من المؤمنين. وكان لافتاً غياب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وذلك لأسباب أمنية كما أشارت النائب ستريدا جعجع التي كانت من بين الحضور ردّاً على سؤال.
وفي ختام القداس، دعا البابا «مسيحيي لبنان إلى أن يضعوا مستقبلهم أمام الله». وأضاف: «ولكم يا مسيحيي المشرق، أبناء هذه الأرض بكل ما للكلمة من معنى، تحلوا بالشجاعة، فالكنيسة كلها تنظر اليكم بمحبة وإعجاب».
وطلب من «المجتمع الدولي دعم لبنان، اسمعوا صوت الشعب الذي يطالب بالسلام».
وأكد أن «الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة لرفض عقلية الانتقام والعنف، وللتغلب على الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، ولفتح فصول جديدة باسم المصالحة والسلام».
وقال البابا لاوون في عظته: في الواقع، الحمد والشكر لا يَجِدُ دائماً مكاناً في نفوسنا. إننا نرزَح أحياناً تحت ثقل تعب الحياة، ونهتم ونقلق بسبب المشاكل التي تحيط بنا، ونقف مشلولين بسبب عجزنا وعدم مقدرتنا أمام الشر، إذ تثقلنا أوضاع كثيرة صعبة، فتميل إلى الاستسلام والتشكي وننسى اندهاش القلب والشكر الواجب الله.
هذه الدعوة لتنمية مشاعر الحمد وعرفان الجميل أوجهها إليكم أنتم أيها الشعب اللبناني العزيز. أنتم الذين منحكم الله جمالا نادرا زيّن به أرضكم، وفي الوقت نفسه أنتم شهود وضحايا لقوى الشر، بأشكاله المتعددة، الذي يُشوّه هذا الجمال والبهاء.
من هذا المكان الرحب المطلّ على البحر، أستطيع أنا أيضا أن أشاهد جمال لبنان الذي تغنّى به الكتاب المقدس... وفي الوقت نفسه، هذا الجمال يغشاه فقر وآلام، وجراح أثرت في تاريخكم، فقد كنتُ قبل قليل أصلّي في موقع الانفجار في المرفأ، وتغشاه أيضاً مشاكل كثيرة تعانون منها، وسياق سياسي مهلهل وغير مستقر، غالباً، وأزمة اقتصادية خانقة ترزحون تحت عبئها، وعنف وصراعات أعادت إحياء مخاوف قديمة.
في مثل هذا المشهد، يتحوّل الشكر بسهولة إلى خيبة أمل، ولا يَجِدُ نشيد الحمد مكاناً في قلب كئيب، ويجف ينبوع الرجاء بسبب الشك والارتباك.
لكن كلمة الله تدعونا إلى أن نرى الأنوار الصغيرة المضيئة في وسط ليل حالك، لكي نفتح أنفسنا على الشكر، ونتشجع على الالتزام معا من أجل هذه الأرض.
أضاف: أفكر في إيمانكم البسيط الأصيل، المتجذّر في عائلاتكم والذي تغذّيه مدارسكم المسيحية. وأفكر في العمل الدؤوب في الرعايا والرهبانيات والحركات الرسولية لتلبية حاجات الناس وأسئلتهم. وأفكر في الكهنة والرهبان الكثيرين الذين يبذلون أنفسهم في رسالتهم وسط الصعاب المتعددة. وأفكر في العلمانيين الذين يلتزمون في خدمة المحبة ونشر الإنجيل في المجتمع من أجل هذه الأنوار التي تسعى جاهدة لإضاءة ظلمة الليل، ومن أجل هذه البراعم الصغيرة وغير المرئية التي تفتح باب الرجاء للمستقبل.
وقال: في الوقت نفسه، ينبغي لهذا الشكر ألا يبقى عزاء داخليا ووهما. بل يجب أن يقودنا إلى تحوّل في القلب، وإلى توبة وارتداد في الحياة. يجب أن ندرك أن الله أراد أن تكون حياتنا في ضوء الإيمان، ووعد الرجاء، وفرح المحبة. ولهذا، نحن جميعاً مدعوون إلى أن نُنَمِّي هذه البراعم، وألا نصاب بالإحباط، وألا نرضخ لمنطق العنف ولا لعبادة صنم المال، وألا تستسلم أمام الشر الذي ينتشر.
ودعا الى أن يقوم كل واحد بدوره، وعلينا جميعًا أن نوجد جهودنا كي تستعيد هذه الأرض بهائها. وليس أمامنا إلّا طريق واحد لتحقيق ذلك أن ننزع السلاح من قلوبنا، وتسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، ونُوقِظ في داخلنا حُلْمَ لبنان الموحّد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف بعضُهم ببعض إخوة وأخوات.
وختم بالقول: هذا هو الحلم الموكول إليكم، وهذا ما يضعه إله السلام بين أيديكم يا لبنان، قم وانهض كن بيتاً للعدل والأخوة! كُن نبوءة سلام لكل المشرق
الراعي
وفي ختام القداس، توجه البطريرك الراعي بالقول: «نشكر لكم اهتمامكم بشعبنا ومحبتكم تجاهنا».
أضاف: نشكر لكم عنايتكم بمؤمنينا، وتشجيعكم للشباب وللعائلات، ووجودكم المواسي إلى جانب أولئك الذين يحملون أثقال المعاناة والابتلاء. إن رسالتكم عن الأخوة والشراكة بين المسيحيين والمسلمين، وعلى نطاق أوسع بين جميع مكونات مجتمعنا اللبناني، تشكل منارة تنير دربنا للخروج من المحن وتهدي قلوبنا نحو الحياة الكاملة.
وبعد انتهاء الراعي من كلمته، قدّم له البابا، هدية عبارة عن كأس القربان.
البابا
وردَّ البابا بكلمة، دعا فيها «مسيحيي لبنان إلى أن يضعوا مستقبلهم أمام الله». وأكد أن «الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة من أجل تخطي الانقسامات ولفتح صفحات جديدة باسم السلام».
وطلب من «المجتمع الدولي دعم لبنان»، وقال: «اسمعوا صوت الشعب الذي يطالب بالسلام».
أضاف: «ان الشرق الأوسط يحتاج مقاربات جديدة بهدف رفض أفكار الانتقام والرفض من أجل تخطّي الانقسامات السياسية والدينية ومن أجل فتح صفحة جديدة من المصالحة والسلام».
وقال: «مرَّ زمن طويل على طريق mutual العدائية والتدمير ورعب الحرب. نحن بحاجة الى تغيير المسار. علينا أن نعلم قلبنا طريق السلام. من هنا أصلي من أجل الشرق الأوسط وكل الأشخاص الذين عانوا من الحرب، وأصلي من أجل حلول سليمة للمشاكل السياسية. ولا أنسى الضحايا وعائلاتهم. وأصلي خاصة لأجل لبنان واسأل المجتمع الدولي ألا يوفر أي فرصة من أجل من تعزيز فرص الحوار والمصالحة. اسمعوا لصوت شعبكم الذي يطلب السلام».
العبسي
وكان بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، ألقى قبل ترؤس البابا القداس، كلمة ترحيبيّة، قال فيها: هذه الجموع التي تشاهدونها قد أتت من هذا البلد، لبنان، الذي يُعرف ببلد السلام، لتردّ عليكم السلام الذي أطلقْتَموه للعالم أجمع عقب انتخابكم بإعلانكم: «السلام لجميعكم». أتت هذه الجموع لتقول لكم «ولروحك أيضاً»، و«أهلاً وسهلاً» بقداستك في لبنان، مرحّبة، مفترشة من قلوبها أغصاناً للزينة وصارخة نظير تلك الجماهير في يوم الشعانين «مباركٌ الآتي باسم الربّ».
أضاف: «إنّ حضوركم في هذا التوقيت الحرج يحمل في جوهره رسالة رجاء بليغة، تعبّر عن قرب الكرسيّ الرسوليّ الروماني من اللبنانيّين بشكل خاصّ ومن شعوب المنطقة بشكل عامّ».
ومنذ الصباح الباكر، تقاطر المواطنون من مختلف المناطق اللبنانية إلى الواجهة البحرية في بيروت للمشاركة في القداس.
دير الصليب
وكان البابا لاوون الرابع عشر استهل يومه الثالث والأخير من زيارته للبنان، من مستشفى دير الصليب الذي وصل إليه عند الساعة التاسعة إلّا ثلثا، حيث تجمع الآلاف من مؤسسات الجمعية التربوية والكشفية والصحية في باحة الدير لاستقبال البابا، رافعين الأعلام البابوية واللبنانية على وقع الهتافات والأناشيد المرحبة به.
وكانت في استقبال البابا عند مدخل الدير الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب الأم ماري مخلوف والراهبات، لينتقل بعدها على وقع نشيد خصص للمناسبة أنشدته «جوقة ذخائر أبونا يعقوب» المؤلفة من مرضى المستشفى بعنوان «أملنا»، من كلمات الشاعر نزار فرنسيس، ألحان وتوزيع المايسترو إيلي العليا، ميكساج وماسترينغ إيلي فقيه.
وشارك في اللقاء اللبنانية الأولى نعمت عون وعدد من المرضى والراهبات والطاقم الطبي والإداري في المستشفى.
وألقت الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب الأم ماري مخلوف، كلمة رحّبت فيها بالبابا لاوون الرابع عشر وقالت: «أهلا وسهلا بكم، في مستشفى الصليب للأمراض العقلية، والنفسية، المستشفى الذي لا يختار مرضاه، بل يحتضن بحب، من لم يخترهم أحد. هنا، أشخاص منسيون، تؤلمهم وحدتهم. هم وجوه لا تطلّ عبر وسائل الإعلام، ولا فوق المنابر. وها أنتم، بزيارتكم، تؤكدون لإخوة يسوع الصغار، أفقر الفقراء، وأكثرهم بؤسا، أنهم محبوبون من الله، وأن لهم مكانة عزيزة في قلبه، وفي قلبكم».
وتوجهت الى البابا بالقول: «نصلي معكم، كي تأتي الساعة التي يفرح فيها لبنان، والمؤمنون في العالم، وبنات أبونا يعقوب، بعرس إعلانه قديسا على مذابح الكنيسة، ليكون نموذجا مشرقا في محبة الفقراء، وشفيعا لهم، ووجها أصيلا للعيش المشترك، هو الذي استقبل المتألمين، وأنشأ لأجلهم المؤسسات، فكان، بحق، دولة في رجل، وأيقونة حية لإنسانية الإنسان، حينما قال: «طائفتي لبنان والمتألمون».
ثم ألقى البابا لاوون كلمة أكد فيها أن «ما نشهده في هذا المكان هو عبرة للجميع ولأرضكم، لا بل وللبشرية جمعاء، لا يمكن أن ننسى الضعفاء ولا يمكننا أن نتصور مجتمعا يركض بأقصى سرعة وهو متشبّث بأوهام الرفاهية الزائدة، متجاهلا حالات كثيرة من الفقر والهشاشة».
وقال: «نحن المسيحيين مدعوون بصورة خاصة إلى الاهتمام بالفقراء، الأنجيل نفسه يطلب منا ذلك، ولا ننسى أن صرخة الفقراء التي نسمع صداها أيضا في الكتاب المقدس تخاطبنا، على وجه الفقراء المتألم نرى مطبوعة آلام الأبرياء، ومن صم آلام المسيح نفسه».
وبعد الكلمة أقام البابا صلاة قصيرة، بعدها تسلّم من الأم مخلوف أيقونة مار يعقوب وهدايا تذكارية أخرى، وغادر بعدها مستشفى دير الصليب متوجها الى جناح السيدة حيث التقى الأطفال في مبنى «سان دومينيك» بعيدا من الإعلام، ومن هناك توجه الى المرفأ. على وقع النشيد الخاص بالمناسبة.
وكان توافد المواطنين بدأ باكرا من مختلف القرى والبلدات المتنية إلى الأوتوستراد الساحلي وصولا الى ساحة جل الديب ومنها صعودا الى بقنايا في انتظار مرور موكب البابا لاوون الرابع وهو في طريقه إلى مستشفى دير الصليب للأمراض النفسية والعقلية ، وسط تدابير أمنية وقطع الطرق التي سيسلكها الموكب.
وعلى طول الطريق ارتفعت الأعلام اللبنانية والبابوية واللافتات المرحبة بـ«بابا السلام».
وكان رئيس بلدية جل الديب - بقنايا جورج زرد أبو جودة أعلن إطلاق اسم «جادة لاوون الرابع عشر» على الشارع الممتد من ساحة جل الديب إلى ساحة سان جورج، تخليداً لزيارة البابا إلى المنطقة.
... ويزور موقع انفجار 4 آب وصلاة صامتة مع أهالي الضحايا
شكّلت المحطّة الثانية للبابا لاوون الرابع عشر في اليوم الثالث والأخير من زيارته للبنان، محطة وجدانية وإنسانية بامتياز، إذ توجّه صباح أمس إلى موقع الانفجار في مرفأ بيروت حيث وقف في صلاة صامتة إجلالاً لأرواح شهداء الرابع من آب.
وكان رئيس الحكومة نواف سلام في استقبال البابا، واعتبر في مداخلة متلفزة ان «زيارة البابا إلى المرفأ تمثل وقفة للعدالة لأهالي الضحايا وهي عدالة لبيروت ولكل لبنان».
وتلا البابا لاوون الصلاة الصامتة أمام اللوحة التذكارية التي تحمل أسماء 245 شهيداً وضحية في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، حيث رفع صلاة صامتة امتدت لعدة دقائق، ساد خلالها صمتٌ تام خيّم على المكان.
كما وضع إكليلاً من الزهر وأضاء شمعة لراحة أنفس الضحايا. بعدها، صافح البابا أفراد عائلات الضحايا، واستمع مطوّلاً إلى شهاداتهم ومعاناتهم، كما قدّم هدايا رمزية للأطفال الذين حضروا برفقة ذويهم.











































































