اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
كتب مايز عبيد في 'نداء الوطن':
رغم أنها ثاني أكبر مدينة في لبنان، لا تزال طرابلس خارج تغطية الدولة. لا حكومة أنصفتها، ولا وزير من داخلها أو من خارجها أعطاها حقها. الأمن فيها هشّ، والفوضى متجذّرة، والتعدّيات صارت جزءًا من المشهد اليومي، بينما السلطة تتفرّج.
في الحكومة ما قبل الحالية، كان الوزير السابق بسام مولوي وزيرًا للداخلية، وهو ابن المدينة، ولم تَرَ منه طرابلس سوى تحصين شارعه في منطقة المئتين، وتحويله إلى منطقة أمنية مشدّدة. أما باقي المدينة؟ ففوضى أرصفة محتلة، مواقف عشوائية وبعضها يديرها شبيحة. مفارز غائبة، ومحارق عشوائية تحرق صدور الناس كلّ يوم.
وليس مولوي وحده. نجيب ميقاتي، ابن طرابلس، ترأّس حكومة في الـ 2011 ضمّت خمسة وزراء من المدينة، لكنّ النتيجة كانت نفسها: لا مشاريع، لا إنماء، لا عدالة. تمثيل طرابلس في الحكومة كان شكليًا، والصوت الطرابلسي في الحكم بقي خافتًا، وكأنّ المدينة نفسها صارت عبئًا على ممثليها.
ثمّ جاءت حكومة نواف سلام، وفيها وزيرة من طرابلس هي ريما كرامي، وسط وعود بالعهد الجديد، والعدالة، وعودة الحقوق إلى أصحابها. لكنّ شيئًا لم يتغيّر. ففي طرابلس أكثر نسبة مدارس بحاجة إلى ترميم وصيانة، وأكبر نسبة تسرّب مدرسي.
وفي العودة إلى تجارب طرابلس مع وزراء الداخلية، فالوزير الحالي أحمد الحجار، وهو من خارج المدينة، وبعد ستة أشهر في وزارة الداخلية، لم يختلف كثيرًا عمّن سبقوه. فالمشهد حرق يوميّ للإطارات والنفايات في مناطق مختلفة من طرابلس وجوارها، من دون أيّ تدخّل جديّ منه.
أما القوى الأمنية، فعندما تنصبّ حواجزها، لا تُمسك إلّا بالفقراء. المواطن العادي هو الحلقة الأضعف. وفي حادثة حصلت أمس، تعرّض رجل للضرب أمام أعين طفله الصغير، فقط لأنه هرب من حاجز بسبب مخالفة في سيارته. الطفل أجهش بالبكاء، والرجل أُهين، والعنصر الأمني تابع حياته كأنّ شيئًا لم يكن.
في المقابل، الزعران وتجّار السلاح والمسلّحون يسرحون ويمرحون في شوارع طرابلس بحرية كاملة، يرفعون المسدّسات والبنادق على عين الدولة… ولا من يُحاسب.
بالإضافة إلى الإهمالين الأمني والبيئي، تعاني طرابلس من أزمة سير خانقة بسبب غياب خطة مرورية واضحة. لا توجد تنظيمات حقيقية تخفف من الزحمة التي تستنزف يوميًا وقت الناس وأعصابهم، وسط شوارع ضيّقة غير معدّة لهذا الضغط.
إشارات المرور غير مشغّلة، ما يزيد الفوضى ويؤدي إلى حوادث متكرّرة. كل هذا يحدث في ظلّ غياب التدخل الحكومي الجدي لوضع حلول دائمة، وكأنّ مدينة بأكملها مُهدّدة بالشلل المروري المستمرّ.
ومن جهة أخرى، تعكس وزارة الداخلية غيابًا مؤسّسيًا واضحًا عن مهامها الاجتماعية والتوعوية. لم تُنظم الوزارة أي مؤتمرات أو حملات توعية في طرابلس حول مخاطر الإدمان، وسبل مكافحة التطرّف، وسبل حماية الشباب من الآفات الاجتماعية، بعدما باتت المدينة بيئة حاضنة لهذه التحدّيات. هذه الفعاليات، لو نُظّمت، كانت لتكون خطوة مهمة في دعم المجتمع وتعزيز الأمن الاجتماعي، لكن الصمت الرسمي أضاع الكثير من الفرص.
طرابلس لم تكن يومًا على جدول وزراء الداخلية. من خارجها تجاهلوها، ومن داخلها خذلوها. لكنّ الأخطر من ذلك، أنّ الإهمال لم يعد مجرّد تقصير. الإهمال هو سياسة رسمية، معتمدة ومتعمّدة. سياسة تقوم على إبقاء المدينة غارقة في مشاكلها، مستنزفة في فقرها، ومشلولة في حركتها.
المشكلة لم تعد في الأسماء، بل في النهج. عقلية تحكم طرابلس وكأنها غريبة، أو خطر يجب تطويقه. لكنّ هذه المدينة التي تحمّلت الحروب والحرمان، والصراعات والمزايدات لا تزال تنتظر فقط من يعاملها كمدينة، لا كمسرح أمني أو ورقة انتخابية.