اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
في رده على سؤال، قال السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، خلال مأدبة عشاء، إن موقف الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، بمد اليد باتجاه السعودية هو ثمرة التواصل والعلاقة الإيجابية بين إيران والمملكة. غير أن حزب الله يقول إن تحسن هذه العلاقة شكّل عاملاً مساعداً وأعطى قوة دفع أساسية، وأما قرار الانفتاح على الرياض فكان نتاج نقاش داخلي عميق داخل الحزب انتهى إلى ضرورة المبادرة بهذا الاتجاه، ولا سيما في ضوء المستجدات الخطيرة التي تشهدها المنطقة والمقبلة على رسم خرائط جديدة، وسط دعم أميركي معلن للعدوان الإسرائيلي الذي طال حتى دولة قطر.
وبين هذين الرأيين، تجدر الإشارة إلى أن الأمين العام لحزب الله كان قد أصدر تعميماً داخلياً قبل نحو شهر يطلب فيه وقف أي تعرض أو هجوم على السعودية أو التحدث عنها بسلبية. وقد جاءت دعوة الحزب في توقيت بالغ الحساسية لتشكّل نافذة أمل للعهد ورئيسه جوزاف عون، الذي كان أول المستبشرين بكلام قاسم، ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لعب دوراً مساعداً وكان يرى دوماً أن العلاقة مع السعودية هي مفتاح الحل لأزمات لبنان، محذراً من انعكاس سوء هذه العلاقة على الوضع الداخلي. وقد انتهت النقاشات في ذلك الوقت بتفويض إيران العمل على تحسين العلاقة بين حزب الله والمملكة.
وليس معلوماً إن كان من باب المصادفة وصول مستشار وزير الخارجية السعودي الأمير يزيد بن فرحان، بعد ساعات من تصريح قاسم، وتوجهه فور وصوله إلى قصر بعبدا لعقد لقاء مطوّل مع رئيس الجمهورية. وتشير المعلومات إلى أن السعودية تلقفت هذه الدعوة بإيجابية، إلا أن ما قاله قاسم لا يُعد سوى خطوة أولى في مسار طويل له قواعده وشروطه. وتفيد المعطيات بأن المملكة بصدد الانفتاح أكثر على الطائفة الشيعية، لا سيما تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع احتمال دعوته إلى زيارة رسمية في وقت غير بعيد، وهو ما يُعمل عليه بهدوء ورويّة.
وينقل عدد ممن التقوا الموفد السعودي أنه كان حريصاً على الاجتماع بجميع الأفرقاء في لبنان، وقد التقى مجموعة من النواب السنة مؤكداً حرص بلاده على استقرار لبنان وتعزيز العلاقات المتينة معه والانفتاح على الجميع. غير أنه لم يبدِ موقفاً مباشراً حيال ما قاله قاسم، معتبراً أن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتقويم، لكنه توقف أكثر من مرة عند العلاقة مع رئيس مجلس النواب مشيداً بها وبمواقفه الوطنية.
خلفيات دعوة الحزب
يؤكد حزب الله أن دعوة أمينه العام لمد اليد تجاه السعودية جاءت نتيجة نقاشات داخلية برزت خلالها آراء تدفع باتجاه ضرورة التواصل مع المملكة وإعادة ترتيب العلاقة معها، في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة وإعادة رسم خرائط جديدة، واستمرار الحرب التي يقودها بنيامين نتنياهو بدعم أميركي واضح، وكأن إسرائيل تريد رسم وجه المنطقة بمفردها. وقد بدا ذلك جلياً في كلام الموفد الأميركي توم باراك الذي صرّح بأن إسرائيل لم تعد تعترف ب'سايكس ـ بيكو '، وفي حديثه لاحقاً عن بلاد الشام.
والانطباع السائد لدى الحزب أن القرار الأميركي خاضع تماماً للإرادة الإسرائيلية، ويتجلى ذلك في التغطية الأميركية للعدوان على قطر واستخدام الفيتو لمنع وقف الحرب على غزة. هذه التطورات فتحت الباب أمام الحزب لتوجيه دعوته، وفق القواعد السياسية التي حدّدها الشيخ نعيم قاسم.
ولم يكن اختيار توقيت الإعلان عشوائياً، بل جاء من اقتناع لدى الحزب بضرورة تجميع كل أوراق القوة العربية في المواجهة، أمام استمرار الحرب في غزة والاعتداءات على لبنان وسوريا، وصولاً إلى استهداف الوجود العسكري التركي في سوريا رغم أنه جزء من حلف الناتو. والمفارقة أن إسرائيل لم تُعر أي اعتبار للمساعدات التي قدمتها لها تركيا، ما عكس تبايناً كبيراً في المقاربة بين الطرفين: أنقرة التي تريد سوريا موحدة، وتل أبيب التي تسعى إلى تقسيمها. يضاف إلى ذلك الحرب على إيران وثم العدوان على اليمن وقطر أخيراً، ما عزز اقتناع حزب الله بضرورة الدعوة إلى الحوار والتفاهم، وهي الدعوة التي سبق أن طرحها الشيخ قاسم حتى في اتجاه الخصوم.
إيران والسعودية
أما بالنسبة إلى العلاقة الإيرانية ـ السعودية، فقد انطلق مسار التفاهم منذ توقيع اتفاق بكين، وتطوّر رغم التباينات إلى مستوى من التنسيق انعكس في المناورات العسكرية المشتركة والزيارات المتبادلة واللقاءات المتكررة، أبرزها زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان ولقاؤه مع المرشد الأعلى، وزيارة علي لاريجاني، ولقاء الرئيس الإيراني مسعود بوشكيان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ومن هنا يُطرح السؤال: هل انفتاح حزب الله على السعودية وليد هذا التقارب الإيراني ـ السعودي؟ من وجهة نظر الحزب، قد يكون هذا المناخ شكّل إطاراً مساعداً، لكنه لم يكن السبب المباشر. وتقول مصادر مطلعة إن النقاش داخل الحزب حول الانفتاح على المملكة بدأ قبل استئناف العلاقات بين طهران والرياض، وإن كان هذا التقارب شكّل دفعاً إضافياً. الهدف الأساس بالنسبة إلى الحزب هو استقرار العلاقة مع السعودية، ولا سيما أنها إلى جانب تركيا قد تمثل محوراً إسلامياً في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
العمل بنصيحة بري
عامل ثالث ساهم في بلورة موقف حزب الله، هو حرصه على وحدة الموقف مع شريكه في الثنائية، الرئيس نبيه بري، الذي كان ولا يزال يدفع باتجاه تحسين العلاقة مع السعودية. وقد فوض بري علي لاريجاني متابعة هذا الملف ضمن المحادثات الجارية، وطلب من الحزب وقف المواقف السلبية تجاه المملكة.
منذ أن أطلق الحزب موقفه، لم يتلقَّ أي إشارة واضحة من الجانب السعودي يمكن البناء عليها. وهو يدرك أن تحسين العلاقة مسار طويل وشائك. أما المطلعون على أجواء الرياض فيؤكدون أن المملكة لا ترفض عادة أي دعوة للحوار والتلاقي، لكنها في المقابل تتمسك بمنطق الدولة وتبني علاقاتها حصراً على قاعدة 'دولة مع دولة'. وفي تقدير العارفين بموقفها، يبقى ملف سلاح حزب الله العائق الأساسي أمام أي مسار للعلاقة.