اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١١ شباط ٢٠٢٥
بعد سقوط نظام الأسد وبحسب شهود التقينا بهم لإنجاز هذا التحقيق، لم يتوقف التهريب على رغم التضييق الذي حاولت الإدارة السورية الجديدة فرضه، لكنّ التهريب اتّخذ أشكالاً مختلفة، وهو ما أكّده لنا مهرّبون وأشخاص عاشوا تجربة العبور غير الشرعي، بعد سقوط النظام، أي في الأسابيع الأخيرة.
جبال ووديان وسهول، مساحات شاسعة تمتدّ على طول الحدود اللبنانية – السورية المتعرّجة والمعقّدة، والتي تبدو مراقبتها صعبة المنال، على رغم كل التجاوزات التي تشهدها منذ عشرات السنوات. إنها الحدود التي غيّرت قواعد الحرب السورية، عبر تهريب السلاح والممنوعات، والحدود التي لم تقفل معابرها غير الشرعية أبداً في وجه تهريب البشر والسلع والمحروقات، في السلم والحرب.
هذه الحدود تشهد في أجزاء منها ما يشبه 'ميني' حرب بين القوات التابعة للإدارة السورية الجديدة (الجيش السوري) وعشائر ومجموعات مسلّحة قريبة من 'حزب الله' في البقاع.
وفيما تسعى الإدارة السورية إلى إنهاء سطوة هؤلاء على الحدود، يسعى 'أمراء' المعابر غير الشرعية إلى الحفاظ على مكانتهم وغنائم اكتسبوها على مدى سنوات من التهريب والفلتان الأمني.
وادي خالد… وادي التهريب
'كم عدد المعابر غير الشرعية في وادي خالد على الحدود السورية؟'، كان هذا سؤالاً طرحناه على أحد المهربين، فضحك كثيراً قبل أن يسأل: 'شو عم تعملي تقرير؟'.
حاولنا تغيير وجهة الحديث قبل أن نعود إلى السؤال ذاته، ليتبيّن أن معظم أصحاب الأراضي الحدودية في وادي خالد، شمال لبنان، هم في الواقع أصحاب معابر غير شرعية، يتقاضون أموالاً مقابل تمرير البشر والسلع والمحروقات وغير ذلك.
بعد سقوط النظام السوري عادت عمليات التهريب لتنشط، على رغم محاولات ضبطها على الجانبين السوري واللبناني. وهو ما يؤكده أبو عامر، أحد المهربين الذين التقينا بهم، إذ كرر مراراً خلال المحادثة أن كل شيء تحت السيطرة ولا مشاكل.
بطبيعة الحال، لم نخبر أبا عامر أننا نجري المحادثة في سبيل كتابة تحقيق استقصائي، وكان علينا إيهامه بأن أحد الأصدقاء من الجنسية السورية يريد الذهاب إلى بلاده لزيارة أهله، لكنه لا يملك أي وثيقة قانونية تعرّف عنه سوى إخراج قيد منتهي الصلاحية، فما كان من أبي عامر إلا أن دعانا لعدم القلق، فبحسب قوله إنه عن طريقه يستطيع أي شخص الذهاب إلى سوريا وهو مطمئن، مهما كانت ظروفه.
معظم إجابات الرجل عن الأسئلة التي طرحناها كانت 'اللي بصير عليه بصير عليي'، 'مع أبو عامر ما في خوف'، وكأنه متأكد من أن الرحلة لن يعترضها أي خطر أو تهديد، بخاصة أن أبا عامر يمتهن تهريب البشر والسلع منذ وقت طويل وأصبح ضليعاً في كل خفاياه.
تعود ظاهرة التهريب التي تنشط بين لبنان وسوريا إلى أكثر من خمسين سنة، وهي تمتد على طول الحدود بين البلدين والتي تتجاوز الـ330 كيلومتراً.
وتحظى بعض المناطق التي تغيب عنها سلطة الدولة، وتسيطر عليها الأحزاب السياسية مثل الهرمل وعكار، بغطاء واسع يسمح للمهربين بتهريب كل ما يريدون تهريبه من البشر والمواد الغذائية والمحروقات، وصولاً إلى المخدرات والأسلحة وغير ذلك. وبين هذه المناطق، قرى سورية يعيش فيها لبنانيون، وهي تشهد حالياً الاشتباكات العنيفة بين المجموعات المسلحة والقوات التابعة للإدارة السورية. وهؤلاء يعيشون في الجانب السوري منذ الاستقلال، وأبرز تلك القرى الحاويك والجاماش والفاضلية، والتي كانت رأس حربة في تاريخ التهريب الطويل، وتتركز فيها حالياً الاشتباكات. ووفق بعض المعلومات المتوافرة، فقد أُخليت هذه المناطق كلياً من السكان، الذين هربوا إلى مناطق مجاورة، خوفاً من التصعيد المستمر.
المعابر على طول الحدود 'السائبة'
في البحث في مسألة التهريب والمعابر غير الشرعية، الذي بدأنا به قبل اندلاع الاشتباكات على الحدود في منطقة البقاع، يبدو لافتاً أن أرقاماً عدة تُرمى في وسائل الإعلام حول عدد هذه المعابر، تبيّن عدم دقتها نظراً إلى التفاوت الكبير بين مصدر وآخر.
بحسب تقرير سابق للحكومة اللبنانية، قُدِّر العدد بـ 136 معبراً، فيما تتناقل بعض وسائل الإعلام أنها نحو 16 معبراً أساسياً، لكنّ المؤكد حتى الآن، أن الحدود واسعة وغير مراقَبة بشكل فعّال، وبالتالي أي مساحة فيها يمكن أن تشكّل مَنْفذاً للعبور إلى المقلب الآخَر.
بعد سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، استطاع آلاف السوريين العودة إلى الديار، إماً للزيارة أو للاستقرار، بعد زوال الأخطار الأمنية التي كانت تشكلها العودة. إلا أن ما لم يكن في الحسبان هو أن عدداً كبيراً من السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو إقامات تسمح لهم بزيارة سوريا ثم العودة إلى لبنان. وإذ لم يكن بمقدور كثيرين العيش في الوقت الحالي في سوريا بسبب الدمار وغياب الخدمات وفرص العمل، لم يكن أمام هؤلاء سوى سلوك طريق التهريب للذهاب إلى سوريا وتفقّد الديار والعودة بعدها إلى لبنان.
ووفق مراقبتنا، فإن عمليات التهريب المستمرة لا سيما على الحدود الشمالية أي في عكار ووادي خالد بشكل أساسي، تُنفَّذ إما عبر دراجات نارية، أو مشياً على الأقدام، بخاصة أن المسافة من شمال لبنان إلى سوريا لا تتجاوز الساعتين.