اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
كتب جوني منيّر في 'الجمهورية'
أحدثت مبادرة الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم تجاه السعودية مفاجأة من العيار الثقيل. والسبب يعود ليس فقط إلى واقع المواجهة القائمة بينهما، والتي اشتدت إثر نجاح السعودية بتركيز واقع سياسي جديد في لبنان على مستويي السلطة والقوى والشخصيات السياسية على أنقاض المرحلة الماضية، لكن أيضاً بسبب الحملات الإعلامية الشرسة على المملكة، والتي كانت تتولاها ولأيام معدودة خلت، وسائل إعلامية وشخصيات محسوبة على «حزب الله».
والإنطباع الأولي الذي يسود الأوساط السياسية وخصوصا الدوائر الديبلوماسية، هو أنّ مبادرة قاسم جاءت بناءً على طلب إيراني. وبالتالي فإنّ طهران أرادت تعزيز وتدعيم انفتاحها على السعودية عبر منبر أهم حليف لها في المنطقة وهو «حزب الله». ولا شك في أنّ لهذه الإندفاعة الإيرانية أسباباً عدة، على رغم من العداء السياسي، ولا سيما منه العقائدي. لكن السياسة تحكمها الحسابات الواقعية والمصالح الفعلية. وهي الأرضية التي مهّدت لهذا الإنفتاح. وهذا ما ورد في مبادرة قاسم، حين تحدث بصراحة عن البحث عن حوار لإيجاد حلول للمخاوف وتأمين المصالح.
ومن المعروف عن إيران سعيها لأخذ العِبَر والدروس من الأزمات التي تمرّ فيها. ولا حاجة للتكرار بأنّ حرب الـ12 يوماً شكّلت إحدى أهم الأزمات التي مّرت فيها على الإطلاق منذ قيام الثورة الإسلامية. وبخلاف ما كانت تعتقد، وجدت القيادة الدينية الإيرانية نفسها أمام حرب مباشرة كان قد حرّمها الخميني، كما شهدت خللاً داخلياً كبيراً، وهو ما أظهر إرتفاع منسوب المخاطر على استمرارية النظام القائم، إضافة إلى انكشاف دولي فاضح بعد انكفاء روسيا والصين، ما جعلها مكشوفة كلياً. والأهم من كل ذلك استمرار الإندفاعة الأميركية والإسرائيلية لانتزاع مخالبها الإقليمية والنووية بكاملها، عبر إعادة إيران إلى إيران ومن دون قدرات عسكرية واقتصادية. وما رفع من منسوب القلق الإيراني، إنضمام الترويكا الأوروبية الى جبهة المواجهة مع طهران، عبر إمكانية العودة السريعة إلى العقوبات السابقة بعد أسبوع من الآن. ولا شك أنّ النظام الإيراني والمشهود له بأسلوبه السياسي المرن، وجد في استهداف إسرائيل لقطر فرصة ملائمة للنفاذ عبر الثغرة الذي أحدثها في الجدار الخليجي السميك، نتيجة النزاع الكبير الذي حصل، والذي وصل إلى حدّ قصف السعودية والإمارات بالصواريخ والمسيّرات.
وعلى هامش القمة الطارئة، والتي عُقدت في الدوحة، اجتمع الرئيس الإيراني طويلاً بولي العهد السعودي. وتلت ذلك زيارة لعلي لاريجاني إلى الرياض. ووفق التسريبات الديبلوماسية، فإنّ عدداً من الملفات الشائكة تمّ التطرق إليها وفي طليعتها ملفا اليمن ولبنان. ومن هنا معاني المبادرة التي أعلنها الأمين العام لـ«حزب الله».
صحيح أنّ من المبكر جداً لا بل من المبالغ فيه الحديث عن إمكانية التوصل إلى تفاهمات قريبة، لكن لا بدّ من الأخذ في الإعتبار أيضاً تلك «النقزة» التي أحدثها استهداف الدوحة لكل دول الخليج. فلقد بدا أنّ إسرائيل لم تكن تنفّذ هجوماً عسكرياً فقط، بل كانت تختبر أيضاً صلابة ومتانة الواقع الخليجي ككل. لأجل ذلك أسرعت السعودية في إنجاز اتفاقها العسكري مع باكستان، وبهدف عدم ترك ثغرات ردعية لأمنها، عبر الإعتماد المطلق على المظلة الأمنية الأميركية، وذلك بالسعي لبناء ترتيبات دفاعية خارج الإطار الأميركي. وهو ما قد يفتح باب توسيع نطاق الإتفاق مع باكستان ليشمل دولاً خليجية أخرى. ولكن هذا الإتفاق مع باكستان صحيح أنّه موجّه ضدّ إسرائيل وسيزعج واشنطن بعض الشيء، خصوصا أنّه يطاول شريكين استراتيجيين لها، لكن وفي الوقت نفسه لن تكون إيران راضية عنه ضمناً. علماً أنّه لم يصدر أي تعليق من طهران على اتفاق يطاول محيطها الأمني. فهو يمكن وضعه في خانة التحدّي للأمن الإيراني، ولو أنّ الظروف الحالية لإيران لا تسمح بالإعتراض.
ولا بدّ أنّ إيران تتوجس من عودة الإستهداف العسكري لها وسط مؤشرات عدة مقلقة. بدءاً من التحضيرات العسكرية الإسرائيلية ووصولاً الى الدعم الأميركي المفتوح. فالتقديرات أنّ الحرب على غزة قد لا تطول. وما يعزز هذه التقديرات طريقة توظيف حركة «حماس» لورقة الأسرى الإسرائيليين لديها، وهو ما يوحي أنّ قدرة الصمود لم تعد كبيرة. وتدرك طهران أنّ نتنياهو يستعد لتجديد حملته العسكرية على «حزب الله» فور الإنتهاء من غزة. ويُحكى هنا عن البقاع ومواقع تخزين الصواريخ. لذلك لا بدّ من متابعة زيارة وزير الخارجية السوري لواشنطن من كثب، خصوصاً وسط الحديث عن اتفاقات أمنية يتمّ التفاهم حولها. وجاء كلام السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، وهو القريب جداً من ترامب، ليعزز المخاوف حيال تجدّد الحرب على لبنان قريباً. فهو قال بوضوح كامل بأنّ الوقت حان «لإنهاء وجود «حزب الله» كميليشيا مسلحة خارج إطار الدولة». وتابع قائلاً: «إنّ واشنطن لا تزال تفضّل الحل السلمي بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، لكن إذا فشلت الجهود السلمية فإنّ واشنطن وشركاءها مستعدون للإنتقال إلى خيارات أخرى بما فيها استخدام الوسائل العسكرية».
وكلام غراهام يتقاطع في بعض جوانبه مع الجواب السعودي على «مبادرة» الشيخ نعيم قاسم، لناحية التمسك بالدولة وقراراتها، خصوصاً لجهة حصر السلاح بيدها وإجراء الإصلاحات المطلوبة. فيما مبادرة قاسم إرتكزت على طمأنة الجميع إلى أنّ هدف السلاح هو إسرائيل وليس داخلياً أو عربياً. ما يعني أنّ المبادرة لا تعني التخلّي عن السلاح بل التفاهم حول وظيفته.
ولا شك في أنّ منسوب القلق يرتفع مع زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لواشنطن. ذلك أنّ الإتفاقات المطروحة على طاولة البحث طابعها أمني. واللقاء مع الوزير الإسرائيلي الأقرب إلى نتنياهو، أي رون ديرمر، لا بدّ أن يطاول رؤية واستراتيجية نتنياهو في سوريا ولبنان، في وقت يشهد الجنوب السوري توغلات إسرائيلية يومية، مع تمسك إسرائيلي بالبقاء في نقاط استراتيجية في جبل الشيخ، والتي يصل إرتفاعها الى 2800 متر عن سطح البحر، ما يجعلها تشرف على البقاع اللبناني بكامله. وفي هذا الوقت سرّحت الخارجية الأميركية وبنحو مفاجئ، بعضاً من أهم ديبلوماسييها المعنيين بسوريا، والذين كانوا يتابعون عملهم إنطلاقاً من اسطنبول. وبدت إدارة ترامب وكأنّها تريد إبعاد موظفين يحملون ميولاً وتعاطفاً مع الأكراد لمصلحة التقارب أكثر مع نظام الشرع. وطبعاً هنالك أثمان ما في المقابل. وعملت أوساط وزارة الخارجية الأميركية على التسريب، أنّ استقرار سوريا الآن هو عامل مهمّ وأساسي في استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط، خصوصاً في ما يخص مواجهة إيران و«أذرعها» في المنطقة. وهذا الكلام ليس في حاجة لأي تفسير. ووفق كل ما تقدّم، فإنّه لا بدّ من أن تكون طهران قلقة، وكذلك «حزب الله»، وهو ما يفسّر أكثر الإنعطافة الحوارية في اتجاه السعودية. وفي الوقت نفسه يفسّر أيضاً الردّ السعودي البارد والمتمسك بالسلطة اللبنانية القائمة وبالقرارات الصادرة عنها.
من المفترض أن تحتفل السفارة الأميركية في لبنان بعيدها الوطني السنة المقبلة في مقرها الجديد والضخم في عوكر. ويجري العمل منذ فترة على تحضير الطاقم الكبير الذي سيتولّى إدارة هذه السفارة. ويجري كل ذلك تحت عنوان واضح، ويقضي باستعادة الدور الخاص والمميز الذي كانت تتولاه السفارة الأميركية قبل اندلاع الحرب، على مستوى الشرق الأوسط. وجرت محاولة لاستعادة هذا الدور عام 1982، لكنه ما لبث أن فشل. ومنذ نحو 5 سنوات وتحديداً مع إعادة بناء استراتيجية أميركية جديدة تجاه المنطقة، ترتكز على استعادة النفوذ الأميركي الكامل في الشرق الأوسط، بوشر بناء سفارة أميركية ضخمة تحاكي دوراً على مستوى المنطقة ككل أكثر منه لبنان. ويتمّ استقدام أطقم متخصصة بالتدرج لتكوين جسم السفارة. وللمرّة الأولى منذ زمن بعيد، وتحديداً منذ العام 1983، يتمّ استقدام كادرات تُعتبر مميزة وتُصنّف بأنّها من الدرجات العليا، والتي ستتوزع على الأقسام المختلفة للسفارة المميزة، وهو ما يؤشر إلى معانٍ عدة. وحتى السفير ميشال عيسى، والذي سيصل قريباً إلى مركز عمله، فسيعاونه مباشرة فريق متخصص لمواكبة حركته اليومية. وهذه اللمحة السريعة لا بدّ أن تعطي فكرة عن الصورة التي رسمتها واشنطن حول لبنان مستقبلاً، أو البلد الذي يملك شاطئاً مميزاً على الجهة الشرقية للبحر المتوسط، والذي يشكّل أحد المداخل الأساسية في اتجاه الشرق الأوسط، والذي بلغته إيران عام 2018 إثر نتائج الإنتخابات النيابية في عهد الرئيس ميشال عون، وعبر عن ذلك بفرح كثير من تصريحات المسؤولين الإيرانيين الكبار.