اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
تضمّن مشروع الموازنة الذي ستقدّمه الحكومة اللبنانية الى البرلمان، طلب وزارة المالية في المادة 31 «الإجازة لإدارة الجمارك استيفاء مبلغ نسبته 3% من قيمة كلّ عملية استيراد، كأمانة على حساب ضريبة الدخل، على أن يدخل هذا المبلغ في حساب المكلّف الضريبي، ويُحسم من الضريبة السنوية المتوجّبة على أرباحه وفقاً للتصاريح المقدمة من قبله”.
والأسئلة التي تطرح في ضوء ذلك هي:
ما أثر هذه الضريبة غير المباشرة على القدرة الشرائية لعامة المواطنين، وعلى القطاعات الاقتصادية، والحركة الاقتصادية، واستطراداً هل ستسهم في معالجة الأزمة المالية، وما السبيل الفعلي الذي يحقق هذا الهدف ويحول دون تفاقم الأزمة الاجتماعية واندلاع موجة احتجاجات اجتماعية على مثل هذه السياسات؟
إنّ طلب وزارة المالية اللبنانية في مشروع الموازنة بفرض رسم يبلغ 3% من قيمة كلّ عملية استيراد كأمانة على حساب ضريبة الدخل (على أن يُحسم لاحقاً من الضريبة السنوية على الأرباح)، هو إجراء ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية واسعة، خاصةً في ظل الأزمة الحالية…
أولا، أثره على القدرة الشرائية:
يُعتبر هذا الرسم، رغم اعتباره كأمانة على ضريبة الدخل، بمثابة ضريبة غير مباشرة في المرحلة الأولى من التطبيق، وسيكون أثره سلبياً ومباشراً على القدرة الشرائية لعامة المواطنين للأسباب التالية:
السبب الأول، يؤدي الى ارتفاع الأسعار: بما أنّ لبنان يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاته الأساسية (غذاء، دواء، مواد أولية، محروقات)، فإنّ فرض هذا الرسم سيؤدي إلى زيادة كلفة الاستيراد على التجار والمستوردين.
السبب الثاني، تحميل الكلفة على المستهلك: سيعمل التجار والمستوردون على تحميل هذه الكلفة الإضافية (الـ 3%) على سعر البيع النهائي للمنتجات للمستهلك، مضافاً إليها هامش ربح على هذه الكلفة، يتراوح بين 4 و5 بالمائة.
السبب الثالث، تفاقم التضخم: ستزيد هذه الزيادة في الأسعار من معدلات التضخم وتؤدي إلى تآكل أكبر لقيمة الدخل الحقيقي للمواطنين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود والفقراء، مما يقلل بشكل كبير من قدرتهم على شراء السلع الأساسية.
ثانياً، أثره على قطاعات الانتاج والحركة الاقتصادية:
1 ـ زيادة كلفة الإنتاج: بالنسبة للقطاعات التي تعتمد على استيراد المواد الأولية والآلات والمعدات (مثل الصناعة والزراعة)، سيزيد هذا الرسم من كلفة إنتاجها، مما يضعف قدرتها التنافسية في السوق المحلية والخارجية.
2 ـ تضييق هامش ربح المستوردين: رغم أنّ الرسم يُستردّ لاحقاً كـ أمانة على ضريبة الدخل، إلا أنه يمثّل تجميداً لرأس مال المستورد لفترة من الزمن، مما يؤثر على سيولته وقدرته على إعادة التخزين والتشغيل.
3 ـ تباطؤ الحركة التجارية: قد يدفع هذا الرسم بعض التجار إلى تقليص عمليات الاستيراد أو التركيز على السلع الأقلّ أهمية للتقليل من الكلفة التشغيلية، مما يقلل من حجم الحركة التجارية العامة.
4 ـ تحفيز التهريب: قد يساهم ارتفاع كلفة الاستيراد القانونية في تحفيز ظاهرة التهريب عبر الحدود، مما يزيد من خسائر الخزينة من الرسوم الجمركية ويهدّد سلامة السوق والمنتجات.
ثالثاً، حلّ قاصر لمعالجة الأزمة وغير مستدام على حساب المواطنين:
1 ـ تحصيل فوري للإيرادات: الهدف المباشر من الإجراء هو تأمين سيولة نقدية فورية للخزينة، خاصة أنّ مبلغ الـ 3% يُجبى فوراً عند الاستيراد. هذا يمكن أن يُسهم في سدّ جزء من الفجوة المالية مؤقتاً.
2 ـ إشكالية الاسترداد: بما أنّ المبلغ هو أمانة تُحسم من الضريبة السنوية على الأرباح، فإنّ هذا الإجراء قد يواجه تحديات، خاصةً مع العدد الكبير من الشركات التي لا تحقق أرباحاً أو التي تعمل في “الاقتصاد النقدي” وغير المُصرّح به بشكل كامل. قد يؤدي ذلك إلى مطالبات بالاسترداد تشكّل عبئاً على الخزينة لاحقاً.
3 ـ حلّ قاصر غير مستدام على حساب المواطن: الإيرادات الناتجة عن الضرائب على الاستهلاك والاستيراد (الضرائب غير المباشرة) هي حلول قاصرة وغير مستدامة لمعالجة الأزمة الهيكلية. هي تزيد من إيرادات الدولة على حساب المواطنين دون معالجة جذور المشكلة، (الاصلاح الإداري، مكافحة الهدر والفساد، إعادة هيكلة الدين).
4 ـ رابعاً السبيل لمعالجة الأزمة:
إنّ تحقيق هدف المعالجة للأزمة المالية، والحيلولة دون تفاقم الأزمة الاجتماعية وتفادي الاحتجاجات يكمن في اعتماد سياسات متوازنة تركز على العدالة الضريبية والإصلاحات الهيكلية، بدلاً من الاعتماد المفرط على الضرائب غير المباشرة، عبر:
*التحوّل إلى الضرائب المباشرة التصاعدية من خلال:
ـ زيادة العبء الضريبي على الثروة والأرباح الكبيرة: فرض ضرائب تصاعدية وعادلة على الدخل المرتفع والأملاك الكبرى (مثل ضريبة على الأملاك غير المستغلة، أو تعديل الشرائح الضريبية على الأرباح الفاحشة). هذا يحقق إيرادات أكبر وأكثر عدالة.
ـ مكافحة التهرّب الضريبي: تفعيل الرقابة الضريبية ومكافحة التهرّب عبر تحديث الإدارة الضريبية والجمارك ومكننتها.
الإصلاحات الهيكلية والجذرية:
ـ إصلاح القطاع العام: وضع حدّ للهدر والفساد المستشري، وإجراء إصلاحات هيكلية في قطاع الكهرباء والاتصالات وغيرها من القطاعات المنتجة للهدر المزمن.. وحلّ مشكلة انقطاع التيار لساعات طويلة، من خلال تلزيم إنشاء معامل حديثة للإنتاج بنظام B.O.T
ـ إعادة هيكلة المصارف وإدارة الدين العام، وإعادة أموال المودعين: وهي خطوات أساسية لإعادة الثقة للنظام المالي والمصرفي وجذب الاستثمارات.
ـ الحماية الاجتماعية الفعّالة:
ـ توفير شبكة أمان اجتماعي: توسيع وتفعيل برامج الدعم الاجتماعي المباشر والشفاف (مثل البطاقة التمويلية أو غيرها) تستهدف الفئات الأكثر فقراً بشكل مباشر لتعويضهم عن أي ارتفاع حتمي في الأسعار.
ـ دعم الإنتاج الوطني: تقديم حوافز للقطاعات الإنتاجية (صناعة، زراعة) لتقليل الاعتماد على الاستيراد على المدى الطويل وخلق فرص عمل.
باختصار، مقترح الـ 3% هو إجراء لجني الإيرادات السريعة ولكنه يقع على عاتق المستهلكين ويُفاقم الأزمة المعيشية. ولهذا فإنّ الحلّ الفعلي يكمن في اعتماد نظام ضريبي يقوم على عدالة الإيرادات (ضرائب على الثروة والأرباح) وتقشّف في النفقات غير الضرورية (مكافحة الهدر) والإصلاحات الهيكلية التي تحقق استدامة في الإيرادات المالية من دون التسبّب بتوترات اجتماعية واندلاع الاحتجاجات في الشارع.