اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٤ حزيران ٢٠٢٥
طرأ تطور لافت أخيراً على حلبة الكباش المتواصل بين إسرائيل والمتمردين الحوثيين في اليمن، تمثل في استخدام الدولة العبرية سلاح البحرية للمرة الأولى لقصف ميناء الحُديدة الذي يُعتبر أحد أهم الموانئ الحيوية في البلاد، بحكم أنه يشكل مصدراً أساسياً لإمدادات الوقود والغذاء. والميناء الخاضع لسيطرة الحوثيين المطلقة، تلقى ضربة من بوارج حربية إسرائيلية، وأرادت بذلك تل أبيب بعث رسائل نارية متعددة الأوجه إلى أنصار الله أنفسهم وإلى راعيتهم الرسمية إيران، التي تتمسك بقوّة بـ الورقة الحوثية، في أعقاب إعطاب أذرعها تباعاً في كل من لبنان وسوريا وغزة، وقبل أن تصبح الجمهورية الإسلامية نفسها هدفاً لضربات إسرائيلية قاصمة.
الرسالة الأولى فحواها أن الدولة العبرية ترنو إلى تضييق الخناق أكثر على الحوثيين من خلال فرض حصار بحري خانق يعمّق الضغط الاقتصادي عليهم، ويحدّ من وتيرة عمليات نقل السلاح والأموال من الراعي الإيراني إلى الوكيل الحوثي، خصوصاً في ظل توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس المتمردين الحوثيين بمواجهة حصار بحري وجوي، إن لم يوقفوا هجماتهم على بلاده، وبذلك يكون الجيش الإسرائيلي قرن القول بالفعل وجسّد ميدانياً تهديدات رؤسائه.
خدش كبرياء الدولة العبرية
أما الرسالة الثانية، فتفيد بأن اليمن بات ساحة متقدمة بالنسبة إلى إسرائيل، خصوصاً في ظل استمرار إطلاق الصواريخ الحوثية في اتجاهها، وهذه الصواريخ، وإن كان معظمها يخفق في دخول الأجواء الإسرائيلية، إلا أنها تخلف أضراراً اقتصادية غير مباشرة يُحسب لها حساب، كما أنها تخدش كبرياء الدولة العبرية وقوّة ردعها التي تصدّعت بقوّة إبّان هجمات 7 تشرين الأول عام 2023.
أقل كلفة وأكثر مرونة
من الناحية العسكرية، يرى الخبراء العسكريون أن القصف الجوي مكلف للغاية، إذ إن المقاتلات الإسرائيلية من طراز أف 15 وأف 16 تحتاج إلى التزوّد بالوقود جوّاً بحكم أن المسافة الفاصلة بين إسرائيل واليمن تقارب الـ 2000 كيلومتر وتُعدّ بعيدة نسبياً، مع ما يرافق هذا التزوّد من مخاطر أمنية، حيث أن الطائرات بحسب الخبراء العسكريين، تضطر إلى تخفيف سرعتها لدى تزودها بالوقود جوّاً، وتحتاج بالتالي إلى حماية طائرات أخرى في هذه الفترة لتأمين سلامة عملية التزوّد بالوقود.
لذلك، يُعتبر الخيار البحري في هذه الحال أقل كلفة وأكثر مرونة، خصوصاً وأن القدرات البحرية الإسرائيلية متنوعة وتتألف من سفن وغواصات مزودة بصواريخ بإمكانها حمل رؤوس تقليدية وغير تقليدية، وهو ما يعزز التفوق البحري بطبيعة الحال للدولة العبرية، ويسمح لها بشن عمليات بحرية دقيقة وبعيدة المدى، مستندة إلى قدرات استخباراتية تمكّنها أيضاً من توسيع بنك أهدافها في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويبقى أن المنازلة العسكرية المحتدمة بين الدولة العبرية وأنصار الله، أكانت جوية أم بحرية، لا يمكن فصل مسارها ومصيرها عن الحرب الدائرة في قطاع غزة المنكوب ومآلاتها، كما لا يمكن مقاربتها خارج سياق المفاوضات النووية المترنّحة بين الجمهورية الإسلامية والشيطان الأكبر، خصوصاً في أعقاب الضربة الإسرائيلية الأخيرة المدمرة على إيران، والتي لطالما لوّح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر المتحمسين للخيار العسكري، الذي بات واقعاً أليماً من شأنه إنهاك واستنزاف النظام الإيراني المتداعي أصلاً.