اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١ أيلول ٢٠٢٥
خاص الهديل….
مع كل أسف اعتاد لبنان أن يدفن فضائحه تحت ركام الصمت، برزت فضيحة 'داعش الأدوية' كجرس إنذار مرعب. فجأةً اكتشف اللبنانيون أنّ الدواء الذي بحثوا عنه في الصيدليات، والذي كان مرضى السرطان والكلى والسكري يتوسّلون للحصول عليه، كان مكدّساً في مستودعات بعض 'التجّار'، بانتظار لحظة بيعه في السوق السوداء أو تهريبه عبر الحدود.
قبل سنوات قليلة، هزّت لبنان فضيحة ما سُمّي بـ 'داعش الأدوية'. يومها، كان اللبنانيون يكتشفون كيف تحولت صحة الناس وحياة المرضى إلى تجارة مربحة بيد بعض النافذين؛ فمن بين هؤلاء برزت اسماء عدة في قلب العاصفة.
الاسم الأول الذي خرج إلى العلن كان إيلي شاوول.. المداهمات التي صُوّرت في منطقة الفياضية كشفت مستودعاً يفيض بالأدوية المدعومة، فيما المواطنون كانوا يقفون في طوابير أمام الصيدليات. لم يكن مجرد خطأ إداري أو تقصير مهني؛ بل عملية منظمة تُشبه العصابة: إخفاء الدواء من السوق وبيعه بأضعاف سعره؛ ومن هنا أصبح شاوول رمزاً لوجه الفساد الذي يبتسم فيما المرضى يموتون.
بعدها جاء دور عصام خليفة.. اسمه لمع في تحقيقات العاقبية، حيث ظهرت شبكة احتكار منظّمة تسيطر على خطوط توزيع الدواء. لم يكن وحده، لكن وجوده كان علامة على أن اللعبة أكبر من مجرد صيدلي يكدّس علباً في مخزن. خلفه تقف مصالح، غطاءات، وحماية سياسية؛ فالعاقبية لم تكشف فقط أدوية مخبّأة، بل كشفت ذهنية: أن حياة الناس مجرد تفصيل أمام أرباح ملايين الدولارات.
ثم كان هناك حسين مشموشي.. اسمه تردد في الكواليس، ظهر في التحقيقات ثم اختفى سريعاً. وكأن هناك من تعمد أن يبقيه في الظل. لم نعرف تماماً حجم تورطه، لكن ما نعرفه أنّ الغموض في لبنان ليس بريئاً. حين يُطمر اسم في ملفات من هذا النوع، فالمعنى واضح: هناك يد خفية تحميه، أو على الأقل تدفن الحقيقة قبل أن تصل إلى الضوء.
لكن، وسط كل هذه الأسماء، كان هناك اسم واحد صدم اللبنانيين أكثر من أي آخر. ربيع حسونة، نقيب الصيادلة السابق، الرجل الذي كان يُفترض أن يكون حامي الدواء وصوت الصيادلة والمدافع الأول عن المرضى، تحول في فضيحة 'داعش الأدوية' إلى المتهم الأول. ففي الوقت الذي كان يطل فيه على الشاشات ليتحدث عن مكافحة الاحتكار وحماية الدواء، كانت التحقيقات والمداهمات تكشف مستودعات مرتبطة باسمه وعائلته مليئة بأدوية مدعومة ومفقودة من السوق، وأخرى مخصصة لمرضى السرطان مكدسة بانتظار بيعها في السوق السوداء أو تهريبها.
حسونة لم يكن مجرد صيدلي ضمن شبكة تجار، بل 'النقيب'، أي الرمز، الموقع الذي يُفترض أن يكون فوق الشبهات، ما جعل سقوطه أشد وقعاً على الناس؛ ولأن الفضيحة كانت بهذا الحجم، صدّق اللبنانيون أن القضاء سيتحرّك والعدالة ستأخذ مجراها، لكن النتيجة كانت العكس: الملف اختفى كما اختفت الأدوية، لا حكم قضائي واضح، لا إدانة ولا تبرئة، فقط صمت مريب لفّ كل شيء.
وهنا يطرح السؤال الكبير: من حمى ربيع حسونة؟ وكيف يمكن لنقيب ارتبط اسمه مباشرة بجريمة بهذا الحجم أن يخرج من القضية كأن شيئاً لم يكن؟ وعليه فإن ما فعله حسونة لم يكن مجرد مخالفة أو خطأ إداري، بل خيانة مضاعفة: خيانة للمرضى الذين مات بعضهم بلا علاج، خيانة للمهنة التي كان يقودها، وخيانة للعدالة التي لُفلفت قضيتها. وهكذا بقي اسم ربيع حسونة مرادفاً لملف فُتح على صرخة المرضى وأُقفل على صمت الفاسدين.
ويبقى السؤال الأهم أيضاً: من أخفى ملف 'دواعش الأدوية'؟ وكيف يمكن أن ينام المتورطون مطمئنين فيما آلاف العائلات دفعت الثمن من صحتها وحياة أحبائها؟
فحتى اليوم ما زال المرضى الذين حُرموا من الدواء يدفعون الثمن. الناس كانت تنتظر أن تُسحب التراخيص من حسونة وغيره، وأن يُحاسب أقرباؤهم المتورطون معهم، ليكونوا عبرةً لمن لا يعتبر. وهذه المهمة لم تعد ترفاً ولا خياراً سياسياً، بل أصبحت في صلب واجبات القضاء، خصوصاً بعد التشكيلات القضائية الجديدة، حيث يعلّق اللبنانيون أملاً أخيراً على أن تأتي العدالة متأخرة، لكنها تأتي.'