اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٤ حزيران ٢٠٢٥
كتب صلاح سلام في 'اللواء':
تضاعفت حدّة التوترات في المنطقة على وقع الهجوم الصاعق الذي شنته إسرائيل ضد القيادات العسكرية والمنشآت النووية في إيران، ما ينذر بإمكانية اندلاع حرب مباشرة بين الطرفين، خاصة بعد التصريحات الإسرائيلية عن إحتمال إستمرار الهجمات الجوية الراهنة في الأسبوعين المقبلين. الأمر الذي يجد لبنان نفسه أمام خطر الانجرار مجددًا إلى ساحة حرب ليس طرفًا فيها، لكنّه قد يدفع ثمنها الأكبر.
ولعل الهاجس الأكبر لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين سببه استمرار تموضع «حزب الله» ضمن المحور الإيراني، وتزايد التهديدات الإسرائيلية باستهداف الحزب في أي مواجهة شاملة، مما يزيد المخاوف من أن يكون لبنان ساحة ردّ أو انطلاق لردّ، ما من شأنه أن يضع الدولة ومؤسساتها ومجتمعها أمام سيناريو كارثي ومدمّر، في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والانهيار المؤسساتي القائم.
الواقع أن تفادي لبنان لتداعيات هذه الحرب الإقليمية المشتعلة، يبدأ بإعادة تفعيل مبدأ «النأي بالنفس»، ليس كشعار سياسي للإستهلاك المحلي، بل كخيار استراتيجي واضح ومُلزم، تعبّر عنه الدولة بكل مكوناتها، بما في ذلك موقع رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، والحكومة.
وفي موازاة ذلك، يبرز الدور المفصلي للدبلوماسية اللبنانية، التي يُفترض أن تتحرك بشكل عاجل باتجاه العواصم المؤثرة، ولا سيما باريس وواشنطن، وكذلك الرياض والقاهرة، من أجل تأكيد موقف لبنان بعدم رغبته في الانخراط في أي صراع إقليمي، والطلب إلى تلك الدول الضغط لمنع استهدافه، أو استخدام أراضيه في أي ردود عسكرية متبادلة.
أما على المستوى الداخلي، فيجب تمكين الجيش اللبناني من لعب دوره كضامن للاستقرار، وتكون حاجاته أولوية وطنية، من خلال توفير الغطاء السياسي والدعم المالي، لا سيما في الجنوب، حيث يُخشى من أن يؤدي أي تصعيد إلى اندلاع جبهة مفتوحة على الحدود.
كذلك، تقضي التطورات الدرامية المتسارعة في الإقليم، بضرورة فتح نقاش داخلي صريح وجريء ومسؤول، حول موقع لبنان من صراعات المنطقة، وكيفية تحصين قراره الوطني. وفي هذا الإطار، لا يُطرح الأمر كاستهداف لحزب الله أو لأي طرف داخلي، بل كدعوة لتغليب المصلحة الوطنية على أي ارتباطات خارجية قد تجرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه.
وبإختصار، إن الدولة اللبنانية أمام فرصة أخيرة لترتيب أولوياتها، وإحياء إتفاق بعبدا، الذي توافق على توقيعه كل الأطراف السياسية، بمن فيهم حزب الله، قبل أن يسارع إلى التنكر له في اليوم التالي، لأن التمسك بخيار الحياد الإيجابي ضرورة وطنية قصوى لحماية ما تبقّى من مقومات الدولة. فالتجارب السابقة أثبتت أن لبنان كان دائمًا الخاسر الأكبر في حروب الآخرين على أرضه.
القرار السياسي الجريء وحده قادر على حماية لبنان من تداعيات الانفجار الإقليمي الراهن. أما التردد أوالانتظار، فلن يؤديا سوى إلى دفع الثمن الباهظ، مرة أخرى!