اخبار لبنان
موقع كل يوم -قناة المنار
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
في عيد المقاومة والتحرير وبعد إنجاز استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، بدا جنوب لبنان وكأنه ينبض بالحياة والتجدد رغم كل التحديات. المناطق الحدودية التي شهدت سابقاً دماراً واسعاً بفعل العدوان الإسرائيلي، تحوّلت إلى مساحات تعكس إرادة الشعب الجنوبي في الصمود والتمسك بالأرض.
القرى التي تحررت بفضل تضحيات المقاومة أعادت بناء نفسها تدريجياً، حيث تحوّل المعبر القديم وأماكن الاشتباكات إلى رموز للمقاومة والتصدي، مع عودة السكان وازدهار الأنشطة التجارية.
على الصعيد السياسي، أكد أهالي الجنوب ولاءهم للمقاومة عبر اختيارهم لوائح التنمية والوفاء، ما يعكس استمرار الدعم الشعبي للخيارات الوطنية الراسخة والمقاومة كخيار استراتيجي لتحرير الأرض والحفاظ على السيادة. بهذا المشهد، يجسد جنوب لبنان حالة من الصمود والتجدد تعبر عن قوة الإرادة الوطنية والتزام الجنوبيين بالمقاومة والتنمية، رغم كل محاولات العدو لزرع اليأس والخراب.
وفي الذكرى الخامسة والعشرين لعيد المقاومة والتحرير، جدّد الجنوب اللبناني تمسكه بخيار المقاومة، ترجمةً فعلية عبر صناديق الاقتراع، وورش الإعمار، ومواكب الشهداء.
من القرى الأمامية في قضاء صور، إلى منطقة النبطية مروراً ببنت جبيل، احتشدت مشاهد الصمود الشعبي في وجه العدوان الإسرائيلي المتواصل، لتؤكد أن فعل المقاومة لم يكن محطةً في التاريخ، بل خيارًا متجددًا يتجسد في إعادة بناء ما دمّره الاحتلال، وفي دفن الشهداء في الأرض التي دافعوا عنها، وفي تصويت الجنوبيين مجددًا للوائح الثنائي الوطني، وفاءً لدماء المجاهدين وتأكيدا على التمسك بالأرض والهوية والسيادة.
فعل الحياة مقاومة… والشهداء يُزرَعون في الأرض بدلًا من أن يُنتزعوا منها
عيد المقاومة والتحرير هذا العام يختلف عن سابقيه، لا من حيث الرمزية فحسب، بل من حيث المعنى الفعلي للصمود والعودة والتجذر في الأرض. فقد جاء هذا العام محمولًا على أكتاف الشهداء، وممهورًا بإرادة أبناء الجنوب الذين يواجهون العدوان الإسرائيلي اليومي بالفعل لا بالشعار.
المشهد في جنوب لبنان هذا العام تلخّص بثلاثة أبعاد متكاملة:
أولًا، في المشهد الانتخابي الذي شهدته القرى الجنوبية يوم أمس، حيث جدّد الناس خيارهم بالمقاومة عبر صناديق الاقتراع.
ثانيًا، في مشهد الإعمار الذي تشهده عشرات القرى الحدودية، على الرغم من محاولات التدمير الإسرائيلية.
أما ثالث هذه الأبعاد، فهو الأوضح والأبلغ: إرادة التمسك بالأرض، كما تتجلى في قرى التماس المباشر مع فلسطين المحتلة.
من بلدة محيبيب، البلدة التي دمرها العدو الإسرائيلي بالكامل – منازلها، بناها التحتية، وحتى مقامها الديني – يرتفع المشهد الأوضح دلالةً على هذه الإرادة. فاليوم، ورغم كل الدمار، تحتضن البلدة مراسم تشييع شهيدين من شهداء أولي البأس الذين ارتقوا خلال المواجهات الأخيرة في المنطقة الحدودية.
روضة الشهداء في محيبيب، البلدة التي هجّرها العدوان، باتت مأهولة بأرواح مقاوميها. هي التي لم تبقَ فيها حياة بالمعنى العمراني، لكنها تحيا اليوم بشهدائها، وتنبض من جديد بدمائهم. هنا، يصبح التشييع فعلًا من أفعال المقاومة، وزرع الشهداء في الأرض تجسيدًا حرفيًا لمعنى التمسك بها، في وجه عدو أراد أن يقتل الحياة ويزرع الرعب والفراغ.
من يشاهد جنازات الشهداء في القرى الحدودية، ودفنهم في تراب بلداتهم المدمّرة، يدرك أن التحرير ليس فقط حدثًا وقع قبل 25 عامًا، بل هو فعل يومي يتجدد في الوعي والميدان.
العدو، الذي يمعن اليوم في استهداف القرى الأمامية – عبر قصف الغرف الجاهزة، والاعتداءات المتكررة، ومحاولات السيطرة على الأراضي كما في جل الدير – يحاول طمس ملامح الحياة على الحدود. لكن أبناء الجنوب يقابلون ذلك بإرادة معاكسة: بناءٌ، وانتخابٌ، وتشييعٌ للشهداء، وحضور دائم في الأرض، يجعل من كل تفصيل حياتي فعل مقاومة، ومن كل خطوة يومية فعل تحرير.
إنه عيد المقاومة والتحرير، نعم. لكنه في هذا العام بالتحديد، هو عيد الحياة التي تنتصر على آلة القتل، وعيد الأرض التي ترفض أن تُفرغ من أصحابها، بل تحتضن شهداءها وتزهر بهم.
تزكية لوائح الثنائي وتجديد الثقة بمن حرر الأرض وبناها
في الذكرى الخامسة والعشرين لعيد المقاومة والتحرير، ومن المكان الذي يُشرف على القرى الحدودية في قضاء (صور)، تلك القرى التي سقطت في يد المقاومين في الخامس والعشرين من أيار عام 2000، أعادت هذه المناطق الجنوبية اليوم التأكيد على تمسكها بخيارات المقاومة، لا سيما عبر نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في الساعات الماضية.
في ذاك اليوم المفصلي، أسقط المقاومون سطوة جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه في المنطقة، بدءًا من معبر الحمرا مرورًا بالبياضة وشمع، وصولًا إلى القرى الحدودية كعلما الشعب، والناقورة، ومروحين، ويارين. جميعها عادت إلى حضن الوطن بفضل تضحيات المقاومة، وبدماء شهدائها، وجهود مجاهديها الذين صنعوا هذا 'الفتح العظيم' كما وصفه أبناء الجنوب.
وبعد مرور ربع قرن على التحرير، لا تزال هذه القرى تعبر عن وفائها للمقاومة، وتجدد تمسكها بخياراتها، وقد تجلى ذلك من خلال المشهد السياسي والانتخابي الذي شهدته الأيام الماضية، لا سيما مع تزكية لوائح المقاومة والثنائي الوطني، واختيار مرشحيهما في صناديق الاقتراع، في مشهد انتخابي امتد حتى ساعات متأخرة من الليل. وقد جاءت النتائج متوافقة مع التوقعات، ومعبّرة عن الإرادة الراسخة لشعب المقاومة الذي ثبّت مرة أخرى خياره الواضح في التمسك بخيار المقاومة، حتى في الاستحقاقات المحلية.
وفي هذا السياق، برز البعد الاستراتيجي لهذا الخيار، إذ لا يزال شعب الجنوب يعتبر أن تحرير الأرض لم يكن ولن يكون إلا عبر نهج المقاومة، وأن لا بديل عنها في مواجهة الاحتلال وحماية السيادة. كما أن هذا الشعب الذي احتضن المقاومة وساهم في صنع النصر، لم ينسَ دورها في إعادة إعمار هذه المنطقة بعد التحرير، في ظل غياب الدولة وتخلي المجتمع الدولي، اللذين كانا يعتبران هذه المنطقة غير قابلة للحياة.
ويُستعاد هنا ما قاله سماحة السيد حسن نصر الله، في بنت جبيل بعد التحرير: 'سنعيد إعمار هذه المنطقة من خبز المجاهدين'. وقد أوفت المقاومة بوعدها، فبنت ما دمره العدو، وأعادت الحياة إلى الجنوب، الذي بات يُعد من أكثر المناطق أمانًا في البلاد.
اليوم، ومع تجدد الاعتداءات الإسرائيلية ومحاولات تدمير البنى التحتية وقتل الحياة في هذه القرى، يعيد الناس التأكيد من جديد، في أجواء عيد المقاومة والتحرير، على تمسكهم بهذه الأرض والمقاومة. وقد عبّروا عن هذا التمسك من خلال خياراتهم الانتخابية، التي اعتبروها جزءًا من الوفاء للمقاومة التي وعدت بإعادة الإعمار، وهم على يقين بأنها ستفي بوعدها مجددًا.
ما يميز عيد المقاومة والتحرير هذا العام، هو تزامنه مع تضحيات جسيمة قدمتها المقاومة في معارك الإسناد، وفي 'أولي البأس'، وفي مختلف ميادين المواجهة، دفاعًا عن فلسطين ولبنان والمنطقة. وقد جاء رد شعب المقاومة في هذه المناسبة من خلال استحقاق وطني، عبّر فيه الناس عن امتنانهم وثباتهم، وأعادوا تأكيد أنهم شعب لم يبخل يومًا بالتضحيات من أجل كرامة الوطن وحريته وسيادته.
إننا اليوم، في هذا العيد الوطني الجامع، أمام مناسبتين متكاملتين: ذكرى التحرير التي تؤكد على النصر الاستراتيجي في الصراع مع الاحتلال، والمشهدية الشعبية التي أعادت صياغة صورة الجنوب كحاضنة للمقاومة، عبر تجديد الثقة بممثليها في البلديات والمخاتير.
الجنوب اليوم، كما في كل محطات التحدي، هو قلب الوطن النابض، ودرع المقاومة الصلب، ومركز الثبات على الخيارات التاريخية التي حفظت لبنان من الاحتلال والانهيار، وجعلت من قرى الجنوب عنوانًا للعزة والسيادة.
عيد التحرير يتجدد عهدًا ووفاءً للمقاومة ودماء الشهداء
وفي أجواء الذكرى الخامسة والعشرين لعيد المقاومة والتحرير، احتشد أبناء منطقة كفر تبنيت – إحدى البلدات الجنوبية التي شكّلت ممرًا أساسيًا للعودة إلى القرى المحررة عام 2000 – لإحياء المناسبة واستعادة مشهد النصر والكرامة.
من معبر كفر تبنيت، الذي كان يومًا بوابة عبور المجاهدين والأهالي إلى القرى الحدودية المحررة، عاد أبناء هذه الأرض ليستذكروا التضحيات الجسام التي أثمرت هذا النصر التاريخي، ويجددوا العهد للمقاومة وخياراتها.
وفي حديث مع 'الحاج محمود حمد'، أحد أوائل العابرين يوم 25 أيار 2000، أكد أن 'هذا اليوم لا يُنسى، هو يوم النصر الكبير على العدو الإسرائيلي، الذي كان يملك أعتى آلة عسكرية، لكن المجاهدين دحروه بسواعدهم ودمائهم'.
وأضاف: 'كنّا من أوائل الزاحفين، من المجاهدين الذين قاتلوا الاحتلال على مدى سنوات طويلة. اليوم نرى هذه الأرض عامرة بالحياة، بالمحال التجارية، بالسكّان، بالأمان، وكل ذلك بفضل المقاومة'.
من جانبه، اعتبر رئيس بلدية كفر تبنيت السابق، الحاج فؤاد ياسين، أن 'هذا اليوم هو انتصار العرب والعروبة الوحيد على إسرائيل من دون مفاوضات أو تنازلات'، مشيرًا إلى أن المجلس البلدي خلال توليه المسؤولية عمل على تحويل الموقع من معبر عسكري إلى بوابة رمزية للعبور نحو الحرية، وقال: 'نفضّل تسميته بوابة العبور لا المعبر، لأنها بوابة إلى المناطق التي رُويت بدماء الشهداء'. وكشف عن إنشاء 'حديقة التحرير' تخليدًا لذكرى الشهداء الذين سقطوا على هذه الأرض الطاهرة.
في هذا السياق، شكّلت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة محطة جديدة لتجديد العهد مع المقاومة، إذ فازت لوائح 'التنمية والوفاء' في منطقة جبل عامل الثانية، ما اعتُبر رسالة سياسية وشعبية تؤكد استمرار أبناء الجنوب في التمسك بخيار المقاومة نهجًا وحماية، ووفاءً لدماء الشهداء وتضحيات المجاهدين.
وبين مشهد الاستحقاق البلدي، وأجواء الاحتفال بذكرى التحرير، يبرز المعنى العميق لهذا العيد الوطني، الذي قال فيه سيد شهداء محور المقاومة: 'جاء زمن الانتصارات وولّى زمن الهزائم'.
وهو ما يجسده اليوم أبناء النبطية، الذين جدّدوا بالأمس عهد الوفاء للمقاومة، ولأمينها العام سماحة الشيخ نعيم قاسم، مؤكدين أن الجنوب لا يزال قلعة صامدة وحاضنة للمقاومة، وأن الانتصار لم يكن مجرد لحظة، بل مسار مستمر يُكتب بالدم والصبر والولاء.
المصدر: موقع المنار