اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٣ نيسان ٢٠٢٥
أسَّست إيران وأطلقت، منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، جبهات وفصائل عسكرية مسلَّحة، كخطوط دفاع قادرة على الإشغال، لدفع الغرب ومعه إسرائيل نحو منتصف الطريقن عند إطلاق عجلات التفاوض بشروط طهران، وفق المنطق والتركيبة الإيدلولجية الدينية المُصاغة، للتوغُّل في بلدان المنطقة العربية من اليمن الى غزة، منطلقة من حوامل القضية الفلسطينية التي ترجِّح الكسب الدائم والسريع لسياساتها ونفوذها في الإقليم، بغضِّ النظر عن تحقيق الإنتصارات والإنجازات، طالما أنه تمَّ نقل القضية من المشروع القومي المتأسِّسة عليه منذ عام 1948، الى المشروع الديني بحوامله الإسلامية، وهو ما ضرب مشروع التحرير في صُلبه الفقري، وأسَّس لإنقسام عربي وإسلاموي وعالمي، حول دور إيران وإطلاقها عجلة الحكومة الإسلامية العالمية، والمترامية الأطراف التي لا تحدّها حدود الدول ولا الكيانات، فإصطدمت بقوة الدفع الخليجية، وكوابح ما تبقَّى من مفاعيل الأفكار القومية، التي إعتاشت على ضفاف السواقي وحوافي الأنهر الدينية المغلقة، والمغلَّفة بأوراق الفتاوى والتآمر والتخوين، وبضرورة إثبات الوطنية في تقديم الولاء للحياز على صكوك الغفران الممنوحة للنخب والمثقفين العرب والإسلاميين.
تقاطع اميركي إيراني
هذه الخطوط الدفاعية العسكرية المتقدمة، أنشأتها طهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان وصولاً الى غزة، إنتهت مع إنتهاء مفاعيل التقاطع الأميركي_ الإيراني الذي كان قائماً على حساب المنطقة وأبناء شعوبها منذ العام 2001 ، لحظة سقوط البرجين في أميركا، فسَرَحت ومرَحَت الأيادي الإيرانية وتفعّل زخمها في المنطقة وفي لبنان، فأحدثت الإنقسام السياسي في بلد الأرز، وقوَّضت سياسة النظام الأسدي في سوريا، وصولاً الى شلِّه وإنعدام وجوده، وضربت عيش العراق المشترك وصمود أبناء شعبه العروبي المعتز بتاريخه الديني، ودفعت بحركة حماس الى التهلكة، التي شهدنا آخر فصولها في حرب طوفان الأقصى.
هذه الخطوط الدفاعية العسكرية المتقدمة، أنشأتها طهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان وصولاً الى غزة، إنتهت مع إنتهاء مفاعيل التقاطع الأميركي_ الإيراني الذي كان قائماً على حساب المنطقة وأبناء شعوبها منذ العام 2001
كل تلك السياسات التي رُسمت إيرانياً، وتمَّت هندستها أميركياً إنتفت الحاجة إليها، فتمَّ سحق حركة حماس، وهُزم لبنان ومقاومته بقيادة حزب الله، وإُسقِط نظام الأسد الموالي لطهران، ووُضعت اليمن تحت مرمَى الأهداف والقصف الأميركي_الأٍسرائيلي، فذهبت كل خطوط الدفاع المتقدمة التي زرعتها إيران في المنطقة، وصار محور الممانعة أمام إتجاه معاكس، ونظرية سياسية وأمنية مختلفة تماماً عمَّا تمَّت صناعته منذ ثلاثين عاماً، بعد أن فُقدت كل خطوط الدفاع المتقدمة، وصار الإستهداف المباشر لإيران، قاب قوسين أو أدنى لمنشآتها ومفاعيلها النووية، لا بل وأكثر من ذلك صارت الشروط الأميركية بالتنازل مفروضة بقساوة أكبر ليس على الملف النووي فحسب، بل على الصواريخ البالستية التي تعتبرها طهران درَّة تاج صناعاتها الدفاعية، فبدل أن كانت تستخدم إيران خطوط دفاعاتها العسكرية والفصائلية لتفاوض واشنطن على مِلفات موجِعة ومؤلمة لها، صارت واشنطن تفرض عليها نتائج عكسية بسحق كل فصيل عسكري 'مقاوم'، والإستمرار في إطلاق اليد العسكرية الإسرائيلية وآلتها المتوحشة، في التهجير والقتل اليومي المستمر، كورقة تستخدمها واشنطن للضغط على طهران، وإلزامها بالتنازلات المستمرة والمؤلمة، بعد أن أحكمت العقوبات الإقتصادية بشدة عليها هذه المرة.
سقوط الردع الإيراني
لبنان وجنوبه صارا جزءاً كبيراً من عملية المقايضة الأميركية_ الإيرانية، وتحت النار والحديد اليوم، وصارت المواقع الجنوبية ونقاطها الخمس المحتلة إسرائيلياً محط شدٍّ وجذب، ومحطَّ مساومات خطيرة على لبنان وأهل الجنوب، الذين لم يعودوا الى قراهم حتى اليوم، في ظلِّ إستحكام أمني وسيطرة إسرائيلية وعمليات إغتيال مستمرة، وبات من الصعوبة بل والإستحالة الخروج من هذا المازق، الذي تمكَّنت منه تل أبيب وفرضته على لبنان من خارج منطوق القرار 1701، وحتى لو تفكَّك عملياً المحور وفصائله، وتمَّ حلّ الخطزط الدفاعية المتقدمة، فهي صارت من خلال معايير التكلفة والنتائج، وبالاً على الناس والدول والمجتمعات في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن أن يخلق، بل خلَقَ حالات من الإنقسام الداخلي في لبنان وغيره من البلدان، وحال من الجدل البيزنطي الذي لا يؤدي الى أية حلول للمستقبل.
المحور الممانع خلَقَ حالات من الإنقسام الداخلي في لبنان وغيره من البلدان، وحال من الجدل البيزنطي الذي لا يؤدي الى أية حلول للمستقبل
لم يكن يظن أحداً أن هذا هو الحال لخيوط العنكبوت التي زرعتها إيران بتأنٍّ وإحكام في المنطقة، والتي كان يؤمل منها تعزيز سيادة البلدان أمام إسرائيل، وتنمية وتنشيط الإقتصاد البديل عن المشروع الأميركي والغربي، فكل ذلك كان هباء منثوراً، أفقد وكشف لبنان ومعه دول الجوار أكثر أمام العدو الإسرائيلي، وأسقط مقولة الردع وخطوط الإشتباك، في جنوب لبنان، وجنوب سوريا، وعزل حماس عن محطيها الفلسطيني الداخلي والعربي الإسلامي، فصرنا أمام عملية جدلية معقّدة أعادت الصراع على حلبته الى خطوطه ومربَّعاته الأولى، بعد إنكسار المعيار الديني والإيدلولوجي، وسقوط المدّ القومي اليساري بتشويهه وهشاشته، وتحطُّم الصخرة الوطنية التي كان يستند عليها اللبنانيون، طيلة فترات الصراع مع عدو غاشم، لا يفقه معنى الدولة الوطنية، ولا معنى السلام والأمن، ولا معنى الشرعية الدولية والأممية، في تثبيت حقوق الشعوب ولجم العبثية، فلا ينقصنا بعد اليوم أية عبثية بحقوق الشعب والوطن والقضية.
إقرأ أيضا: ما تريده إسرائيل في لبنان وسوريا؟
فلنبحث عن مخارج أخرى وصياغة مشاريع وطنية وقومية حقيقية، تُبْعِد شبح الحروب عن ناسنا، وتحفظ كرامة أبنائنا ومستقبل الأجيال المقبلة.