اخبار لبنان
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
لم تحدث أكبر سرقة مصرفية في العالم في ظروف استثنائية فحسب، بل وبقيت غامضة في كل شيء حتى في قيمة ما نُهب، واتهم بها الجميع بما في ذلك اثنان من أجهزة الاستخبارات الكبرى.
أقل ما يمكن أن يقال عن هذه السرقة الكبرى التي جرت مطلع عام 1976 أنها مشبوهة تماما، ولا تبدو سرقة عادية، وهي أقرب ما تكون من عملية عسكرية سرية.
مكان العملية قد لا يخطر على بال الكثيرين. سرقة البنك وقعت في عاصمة عربية هي بيروت فيما كانت الحرب الأهلية حينها على أشدها، أما الهدف فكان بنك الشرق الأوسط البريطاني 'BBME'، فما الذي جرى؟
كان مبنى هذا البنك البريطاني يقع في شارع البنوك في بيروت على مقربة من مبنى البرلمان والساحة الرئيسة وساعة المدينة، وكانت هذه المنطقة خط تماس بين فرقاء الحرب الأهلية.
في تلك الأثناء كان البنك خاويا. تم إجلاء العاملين فيه إثر تعرضه والمباني المجاورة لقصف بقذائف الهاون.
بدأت هذه السرقة الكبرى في 20 يناير 1976، حين اقتحم مسلحون مدججون ببنادق إم 16 وقذائف القنابل اليدوية وقذائف هاون قيل إنها إسرائيلية ردهة البنك. بعدها أمضى هؤلاء أربعة أيام للوصول إلى خزنة البنك شديدة التحصين. للوصول إليها استخدموا متفجرات لتحطيم جدار مجاور تابع لكاتدرائية سانت لويس.
جرى الحديث لاحقا عن استعانة مدبري السرقة بأشخاص محترفين من مافيا كورسيكا استقدموا خصيصا لفتح الخزنة، وقد يكون ذلك من باب التمويه وإبعاد الأنظار عن الجهة الحقيقية.
أمضى أفراد المجموعة المجهولة في المكان حوالي ستة أيام، فيما اكتملت عملية 'النهب' ذاتها في أربعة أيام. حمّل اللصوص عرباتهم بالمسروقات وكانت عبارة عن أموال معظمها بالجنيه الإسترليني إضافة إلى الدولار وسبائك ذهبية ومجوهرات، وأسهم وسندات. بعد ذلك مضى اللصوص بغنائمهم إلى حال سبيلهم دون أن يعترضهم أحد، كما لو كانوا يرتدون 'طاقية الإخفاء'!
حتى الآن بعد مرور ما يقرب من نصف قرن، لا أحد يعرف قيمة المسروقات. توجد تقديرات مختلفة، وهي تتراوح بين 250 إلى 600 مليون دولار، بحسب بقيمتها لعام 2024.
تضاربت الأنباء حول قيمة المسروقات، وقللت السجلات الرسمية لبنك الشرق الاوسط البريطاني من شأنها، في حين لا تزال موسوعة 'غينيس' للأرقام القياسية تصنفها، أكبر سرقة مصرفية في التاريخ.
الأمر الذي يزيد القضية غموضا أن 'اللصوص' سرقوا أيضا من البنك وثائق سرية بريطانية تكشف حجم تمويل المليشيات في تلك الفترة.
أصابع الاتهام في هذه السرقة 'المُحكمة' و'الجريئة' توجهت إلى فرقاء الحرب الأهلية الرئيسيين، وأشارت أيضا إلى المافيا الصقلية، وتوجهت إلى الموساد الإسرائيلي وحتى إلى 'قوة خاصة بريطانية' قيل إن هدفها الرئيس، كان استعادة وثائق حساسة للغاية، إلا أن هذه الاتهامات بقيت على حالها غامضة لا تستند على شيء مثل قيمة المسوقات ذاتها!
على أي حال، لم يتم استرداد أي من هذه المسروقات، ولم يتم القبض على أحد. ما بقي في اليد إلا الظنون والتخمينات التي رجحت أن تكون المستندات والمجوهرات التي سُرقت قد بيعت في السوق السوداء أو أعيدت إلى أصحابها مقابل فدية، وأن تكون الأموال المنهوبة قد هُربت وأودعت في بنوك سويسرا أو أعيدت إلى بريطانيا!
في هذا السياق، وضعت إحدى الروايات سيناريو مختلف تماما، تحولت فيه عملية السرقة الغامضة إلى واجهة للتمويه عن عملية بريطانية سرية تم خلالها نقل اصول البنك المالية من بيروت إلى لندن.
بكل المعايير تظل هذه الجريمة لغزا عصيا على الحل، ما يبعدها بقدر كاف عن 'السرقات التقليدية'. الخبراء يعتقدون ان سر هذه السرقة لن يُكشف أبدا لأسباب عديدة ليس أقلها إن العديد من المتورطين فيها قد توفوا على الأرجح منذ زمن طويل، ومن بقي منهم على قيد الحياة توجد لديه أسباب وجيهة و'قوية' تجعله يصمت.
المصدر: RT