هل تعود بيروت "أم الشرائع"؟

منذ 15 قرناً عرفت بيروت بـ'أم الشرائع' نظراً إلى دورها في إنشاء أعرق مدارس الحقوق في الإمبراطورية الرومانية، ورغم التشرذم السياسي بقي القضاء الخلاص الوحيد للبنان، حيث يعد النظام القضائي في لبنان من أعرق المؤسسات الحقوقية في الشرق، ويشكل امتداداً لشكل النظام السياسي في البلاد، واليوم بعد وصول العماد جوزاف عون الى سدة الرئاسة تفاءل أهل القانون خيراً، واعتبروا وجوده وكلامه عن تفعيل مؤسسات الدولة وتحديداً السلطة القضائية فرصة نادرة يجب استثمارها، وهذا ما أكدته المحامية فريال الأسمر نائب رئيس لجنة شؤون السجون في نقابة المحامين في حديثها الى جريدة 'اللواء'، مشددة على انه 'ان كان القضاء نزيهاً وعادلاً فإن حقوق الناس تُصان وتقل الفوضى والظلم ويستقر حال الأمة'.

وهذا نص المقابلة:

ـ ما هي أبرز الثغرات البنيوية التي يعاني منها القضاء اللبناني اليوم؟

الحقيقة لقد مر القضاء اللبناني بمراحل صعبة أثرت بداية على العمل القضائي من الثورة الى الكورونا الى الإضرابات (الموظفين المحامين ، القضاة وآخرها هي الحرب) أدت هذه العوامل جميعها الى تكدس الملفات في المحاكم بشكل يعجز القضاة على بتها في فترة زمنية قصيرة مما اضطرهم الى تحديد جلسات للمحاكمة الى السنة القادمة أي سنة 2026 وهذا أمر طبيعي.

كما أدت هذه العوامل الى زيادة الموقوفين في السجون، مع الإشارة هنا أن هذه الزيادة لا تتوقف على أداء القضاة فقط في المحاكم، بل عدم قدرة القوى الأمنية من سوق الموقوفين الى الجلسات في وقتها المحدد، فالجميع يعلم أن فرق العملة أدى الى تقليص عدد الأفراد في مديرية قوى الأمن الداخلي وقلة الآليات العسكرية.

كما وأنه لا ينبغي أن ننسى قلة عدد الموظفين وعدم قدرتهم المادية على الدوام كامل الأسبوع فهذه الأسباب مجتمعة أدت الى تراكم الملفات وعدم القدرة على البت بها بوقت قصير فأرهقت المحاكم كلها.

ولكن هناك ثغرة أساسية وخطيرة هي غياب الإستقلالية، القضاء في لبنان لا يتمتع بالحماية من التدخلات السياسية بل هو مخترق من الداخل عبر المحاصصة والتعيينات والتبعات.

إضافة الى ذلك نقص الإمكانات البشرية والتقنية ولا يخفى على أحد غياب الرقابة الفعلية أي هيئة التفتيش القضائي التي كانت شبه معطلة لعدم وجود رئيس تفتيش وعدد كافٍ من القضاة في هذا المركز المهم.

ـ هل ترين أن الإصلاح القضائي ممكن ضمن النظام السياسي الحالي؟

إن وجود رئيس نظيف ومؤسساتي مثل جوزف عون قد يكون فرصة نادرة يجب استثمارها. مع الإشارة الى أنه إذا كان القضاء بخير فالبلد بخير لأنه الصرح الذي يحفظ العدل ويضمن استقرار المجتمع.

فإذا كان القضاء نزيهاً وعادلاً فإن حقوق الناس تُصان وتقل الفوضى والظلم ويستقر حال الأمة.

واليوم نقول أننا لدينا قضاة ترفع لهم القبعة في العمل والمثابرة والنزاهة بالرغم من الظروف المادية الصعبة التي مرً معظمهم بها ولكن ينبغي أن يتم اختيار القاضي في المركز المناسب بحسب جودة عمله وليس بعلاقاته السياسية.

ولكن للأسف الواقع اللبناني محكوم بالمحاصصة الطائفية يؤثر أحياناً في تعيين القضاة ولكن اليوم نلمس من خلال هذا العهد الجديد أن التعيينات القضائية في مجلس القضاء تمت على أسس ومعايير الكفاءة والنزاهة بلا شك وهذا أمر يثير الراحة والطمأنينة لدى جميع الناس.

ولذلك فإننا نستبشر اليوم خيراً ونتمنى أن تكون التشكيلات القضائية على ذات المستوى.

ـ كيف تقيمين تعاطي الرئيس جوزف عون مع ملف القضاء؟

لقد استوقفني كلام فخامة الرئيس مع كل من تولى مركزاً بأنه يجب أن يكون هذا المركز لخدمة الناس وتطبيق القانون، كما وطالب أعضاء مجلس القضاء الأعلى بالإسراع في التشكيلات القضائية وتطبيق القانون وينبغي أن لا ننسى أن الرئيس جوزف عون هو رجل مؤسسات بكل ما للكلمة من معنى، لم يعرف عنه أي تورط في فساد وتمكن طيلة فترة توليه قيادة الجيش من الحفاظ على هيبة الدولة رغم إلإنهيار الشامل لذلك فإن الرهان عليه في ملف القضاء مشروع تماماً لأنه لم يأتِ من داخل طبقة الفساد السياسي بل من مؤسسة خدمت البلاد بهدوء وفعالية. إنه رئيس لكل الشعب اللبناني ويتعامل مع كل الطوائف على ذات المستوى.

ـ هل تعتقدين أنه قادراً فعلاً على حماية القضاء من التدخلات؟

لديه القدرة بلا شك وأكيد سيحارب ولكن إذا نظرنا لتعيينات أعضاء مجلس القضاء الأعلى سنلمس رياح التغيير. ولكن كل الأمور تحتاج الى الوقت بالرغم من ذلك فهذا العهد يعمل بسرعة كبيرة لم نتوقعها نحن لذلك ينبغي أن لا نتركه لوحده، الإصلاح يحتاج الى دعم شعبي ونقابي ومدني لا نستطيع ومن غير المقبول أن نحمل شخص واحد مسؤولية تطهير مؤسسة عميقة بالفساد.

ـ كنا دائماً نقول أن الإصلاح يبدأ من الهرم ومن ثم نزولاً وعليه إذا كان رأس الهرم نظيفاً فسينعكس ذلك على الأفراد.

إن المؤسسات الحكومية بكاملها تغلغل فيها الفساد ولذلك فإن التعيينات التي تجري بها اليوم تشكل بارقة أمل على أن العمل اليوم سيكون مختلف.

إن بلدنا من أجمل البلاد وفيه عقول بشرية مهمة، نحن نصدر هذه العقول للخارج ولكن ينبغي اليوم أن تبقى هذه العقول البشرية هنا ونستفيد منها.

ـ المحاكم تعاني الإهمال... والإصلاح يحتاج المال والعقول، ما الذي تحتاجه السلطة القضائية لتعمل بفعالية؟

أولاً: استقلال مالي كامل للقضاة، فليس من المعقول والمقبول أن لا يتم توفير دخل مالي للقاضي يجعله يسدد احتياجاته الرئيسية، أن يكون معاشه قادراً على أن يعيش حياة كريمة، ولا ننسى أن راتب القضاة تدنى كثيراً بعد الأزمة المالية، وبعض القضاة يسكنون في مناطق بعيدة عن المحاكم التي يعملون بها.

إنه أمر ينبغي على الدولة أن تعطيه حيز كبير من الاهتمام.

ثانياً: المكننة، تحديث إداري ورقمي واسع.

ثالثاً: تعيين قضاة في التفتيش القضائي لمواكبة عمل القضاة في كل أنحاء البلاد ومحاسبة القضاة الذين يتراخون أو يسيئون استخدام سلطاتهم.

رابعاً: تحديد الدخول الى مباراة معهد القضاء لوجود نقص في عدد القضاة وهذا يؤدي الى البطء في المحاكم.

خامساً: إصلاح وترميم المحاكم وإنشاء محاكم جديدة، محكمة بعبدا مثلاً نموذج صعب في المحاكم، فبعض القضاة لا يجدون قوس محكمة لإدارة جلساتهم.

ـ ما تقييمك لمشروع إستقلالية القضاء؟

أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي، ولكن المشكلة ان المشروع بصيغته الحالية لا يتضمن آليات فعلية لحماية القضاة من النفوذ السياسي، بل يضع خطوطاً عامة تحتاج الى ضمانات تطبيق دقيقة ومراقبة مستقلة.

وهنا لا بد من القول أن استقلالية القاضي تنبع من ذاته، من عدم انحيازه لأي سياسي، من إيمانه أنه هو القائل بحكمه باسم الشعب اللبناني، أي أنه يدافع عن هذا الشعب ويحميه، عليه هو إحقاق الحق، عليه أن يقول لا حين تكون للظلم، وأعود وأكرر لدينا قضاة كثر من هذا النوع.

ـ كيف يمكن الحد من تدخل القوى السياسية في عمل النيابات العامة؟

إن النيابات العامة في لبنان يترأسها مدعي عام تمييزي الرئيس جمال الحجار يشهد له لمناقبيته ونزاهته ومصداقيته، وإن رسالته اليوم ستكون التشكيلات القضائية. فهو عضو في مجلس القضاء الأعلى وسيستطيع مع المجلس أن يعين قضاة يستحقون المركز لخدمة الشعب.

كما أن رئيس هيئة التفتيش القضائي الرئيس أيمن عويدات والكل يعلم أيضاً نزاهته وعلمه وأخلاقه سيضع أمام المجلس أسماء القضاة ذوي الكفاءة والعمل الجدي والغير ملاحقين من قبل التفتيش بأي شكوى جزائية.

إن هذا المجلس اليوم برئاسة القاضي سهيل عبود وأعضاءه المحترمين وللمرة الأولى هم من سيختارون القضاة في كل المراكز وليست السلطة السياسية كما جرت العادة. وهذه ستكون ترجمة حقيقة لإستقلالية القضاة.

إن هذا العهد الجديد يحمل بذور الإصلاح ونتمنى أن يستمر لذلك.

ـ ما الرسالة التي توجهينها اليوم للبنانينن؟

لقد مرً هذا الشعب بظروف سيئة جداً من كورونا الى ثورة الى سرقة أموالهم في البنوك الى حرب، ومع ذلك تجده قوياً يحارب من أجل البقاء، من أجل العائلة.

اليوم أقول لهم يجب أن تكون وطنياً فولائك يجب أن يكون للوطن لا للزعيم،اليوم يجب أن نكون جميعاً تحت سقف الدولة والقانون، أن نسعى الى الأفضل، كل تربية سليمة ولو كفرد واحد هي تربية لمجتمع كامل. دعونا نتحد تحت مسمى واحد هو لبنان، ونقف خلف دولتنا نحميها ونحترم جيشنا ونفتخر به فهو القادر على حمايتنا جميعاً.

وللسياسيين؟

اليوم ينبغي عليكم أن تفكروا بنا، أن تعملوا لأجلنا أن تتكاتفوا من أجل بناء الوطن. كلكم أخطأتم وكلكم أخوة في هذا الوطن وأثبتت التجارب أن لا طائفة تستطيع أن تطغى على طائفة. دعونا نلملم جراحنا ونسعى الى الخلاص من الطائفية ونتشارك هذا الوطن وأن يكون شعارنا 'كلنا فداءً للوطن'.