اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بدعوة من رئيسه شارل عربيد ولجنة البيئة في المجلس، لقاء تشاركيا، لمناسبة يوم البيئة العالمي، في حضور رئيس لجنة البيئة النائب غياث يزبك وعدد من ممثلي المنظمات والجمعيات البيئية ومجموعة من المختصين والمهتمين وأعضاء من المجلس. في مستهل اللقاء، ألقى عربيد كلمة إفتتاحية أعاد من خلالها التذكير بجوهر التعديل الذي طرأ على قانون المجلس، مؤكدا أن الغاية من هذا التعديل لم تكن فقط تطوير أدوات المجلس وتوسيع دائرة تأثيره، بل إدماج القضايا البيئية في صلب اهتماماته، باعتبار البيئة مكونا بنيويا من مكونات السياسة العامة. وأشار عربيد بـأسف صريح إلى أن القضية البيئية ما زالت، للأسف، غائبة عن وعي شريحة واسعة من اللبنانيين، على الرغم من أن البيئة لا تنفصل عن مفاهيم النمو الاقتصادي، والثقافة المجتمعية والمواطنة المسؤولة. وأضاف: نحن اليوم في مرحلة مفصلية داخل المجلس، نحاول فيها أن نؤسس لوعي جديد بالسياسات العامة، يعيد الاعتبار للبيئة بوصفها أولوية صحية واجتماعية واقتصادية مستدامة. وأكد أن تجديد السلطات المحلية عبر الانتخابات البلدية يستوجب تعزيز دور البلديات في إنتاج سياسات بيئية فعلية، وقال: ما ينقصنا في لبنان ليس السياسة، بل السياسات. هناك فائض في التنازع ونقص فادح في التخطيط. وإعتبر عربيد أن البلديات يمكن أن تشكل مختبرات حيوية للعمل البيئي، حيث تتحول الممارسة اليومية إلى أدوات فعالة في الحوكمة المحلية، وتنتج من خلالها تجارب قاعدية تنبثق من الأرض وتتجه إلى الناس. ورأى أن اللحظة الراهنة تحتم على الدولة والمجتمع أن يتحملا معا مسؤولية البيئة بوصفها قضية وجودية، تستدعي إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان وأرضه.
وأوضح أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقدم نفسه كمنصة حوار دائمة، تدمج صوت الاختصاص بالقرار، وصوت الناس بالمعرفة، من أجل بناء مقاربة بيئية تتجاوز الحلول التقنية إلى رؤية تضع العدالة والسيادة والتنمية في منظومة واحدة. وأكد عربيد أن البيئة لا تنفصل عن مبادئ الحكم الرشيد، مشيرا إلى أن حماية الموارد الطبيعية مرهونة بمستوى الشفافية والكفاءة في إدارتها.
وتحدث عن التحديات المستجدة، فلفت إلى أن النفايات الإلكترونية تعد من أخطر إفرازات العصر الرقمي، وأن التصدي لها يتطلب وعيا معرفيا يضاهي -إن لم يسبق- التشريع. وأضاف: هذا اللقاء ليس مساحة للمجاملة، بل ورشة تفكير مفتوحة، نسعى من خلالها إلى طرح الأسئلة الصحيحة قبل البحث عن الأجوبة الجاهزة، وإلى بلورة مسارات جديدة بديلة عن الانغلاق أو الإنكار. ودعا عربيد إلى تعزيز الشراكات المحلية والمجتمعية وتوسيع دائرة الوعي البيئي، مشددا على أن دور منظمات المجتمع المدني ينبغي أن يفهم بوصفه مكملا للعمل الرسمي، لا بديلا عنه، مؤكدا ضرورة بناء منظومة متكاملة تحقق توازنا مسؤولا بين القطاعين العام والخاص. وختم عربيد: نحن نفتح اليوم بابا للتفكير والالتزام، ونغادر هذه القاعة بإحساس مضاعف بالمسؤولية، لأن التحدي البيئي ليس اختصاصا تقنيا فقط، بل واجب وطني وأخلاقي أيضا. في كلمته، أشار رئيس لجنة البيئة في المجلس الدكتور عصمت عبد الصمد، إلى أن الملف البيئي بات اليوم من أكثر القضايا إلحاحا على مستوى العالم، موضحا أن التطور الصناعي والتكنولوجي غير المنضبط أدى إلى تفاقم الأزمات البيئية، من تلوث المياه والهواء إلى الانحباس الحراري واختلال التوازن المناخي. وأضاف: الطبيعة، بطبيعتها، نظام متكامل ومتوازن، إلا أن الجشع البشري وسوء استغلال الموارد أحدثا خللا عميقا في بنية الحياة على هذا الكوكب، مشيرا إلى أن الحل يبدأ من مقاربة علمية رشيدة، تضمن الاستدامة وتحمي ديمومة النظام البيئي. وأكد أن لبنان، على الرغم من محاولاته منذ التسعينيات لاعتماد خطوات بيئية، لا يزال يفتقر إلى إجراءات جدية توقف التدهور الحاصل، مشيرا إلى أن الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية المتلاحقة أثرت سلبا على هذا المسار. وعدد عبد الصمد أبرز التحديات البيئية في لبنان، ومنها تغير المناخ وتلوث الهواء والمياه وأزمة النفايات والتصحر والجفاف، مشددا على أن غياب الثقافة البيئية لدى المواطن اللبناني يشكل تحديا مضافا. وقال: لمناسبة يوم البيئة العالمي، أردنا أن يكون هذا النشاط المتواضع مساحة لتبادل الخبرات وتسليط الضوء على التجارب الناجحة التي أنجزتها بلديات ومنظمات محلية، علنا نتمكن من المساهمة في نشر ثقافة بيئية أوسع وأكثر تأثيرا. وأعلن أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ورغم محدودية موارده، يعمل على طرح مبادرات عملية، منها اقتراح آلية مستدامة لمعالجة النفايات الصلبة والمنزلية سيتم عرضها في فيلم قصير أمام الحضور.
بدوره، تحدث رئيس لجنة البيئة النيابية النائب غياث يزبك، فأكد أن الأزمة البيئية في لبنان ليست أزمة نقص في الإمكانات أو المعرفة، بل أزمة قرار وإرادة سياسية، لافتا إلى أن لبنان يملك كل ما يلزم للنهوض، لكنه يفتقر إلى آليات التنفيذ الفعلي. وأضاف: ما نعيشه اليوم هو نتيجة غياب رؤية استراتيجية واضحة. لا تنقصنا القوانين، بل تفتقد إرادة التنفيذ، والبيئة اليوم ضحية هذا التراخي المزمن. وأشار إلى أن قانون المقالع والكسارات ومقترحات حماية الأملاك البحرية والنهرية، لم تشق طريقها بعد نحو الإقرار، داعيا إلى تحمل جماعي للمسؤولية. وختم يزبك: نحن في بداية عهد جديد، والأمل موجود، لكنه لا يكفي. المطلوب اليوم هو تفعيل الحس النقدي لدى الرأي العام وتكريس الاختصاص والخبرة في إدارة الملف البيئي، كما أن الانتخابات قد تكون بوابة الإنقاذ إذا أحسنا الاختيار وابتعدنا عن الكيدية.
ثم عقدت ثلاث جلسات متخصصة: تناولت الأولى قضايا البصمة الإلكترونية وإدارة المياه والنفايات، بينما استعرضت الثانية نماذج من تجارب البلديات.
واختتمت الجلسة الثالثة بحلقة نقاشية تمحورت حول دور المنظمات غير الحكومية كشريك تكاملي للقطاعين العام والخاص.