دلالات الفيتو الأميركي الجديد والغرق المتزايد لجيش الاحتلال في وحل غزة

حصلت في اليومين الماضيين سلسلة من التطورات اللافتة والتي تعكس دلالات يجب التوقف عندها والاضاءة عليها وهي:

ـ الفيتو الأميركي الجديد في مجلس الأمن الذي عطل صدور قرار يدعو لوقف النار في قطاع غزة…

ـ مقتل ضابط وجندي إسرائيليين على جسر اللنبي من الجهة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال من الحدود مع الأردن، عندما أطلق استشهادي أردني النار على جنود الاحتلال قبل أن يستشهد.

ـ مقتل أربعة ضباط وجرح ثلاثة جنود صهاينة بينهم ضابط في عملية تفجير عبوة ناسفة بقوات الاحتلال في مدينة رفح التي زعم جيش العدو انه فرض سيطرته عليها.

ماذا يعني ذلك؟ هل يعني انّ واشنطن مُصرّة على توفير الغطاء والدعم الكاملين لـ “إسرائيل” كي تواصل حرب الإبادة في غزة بدون قيود…

وهل انّ السياسة الأميركية واستمرار حرب الإبادة، والهوان العربي هو ما دفع جندي أردني متقاعد الى تتفيذ عملية على جسر اللنبي وقتل ضابط وجندي إسرائيليين،

وما هي دلالات كمين المقاومة في مدينة رفح رغم زعم جيش الاحتلال انه بسط سيطرته عليها، في حين يسعى الى محاولة فرض سيطرته على مدينة غزة.. هل يعني هذا انّ جيش الاحتلال يزداد غرقاً في وحول غزة لعجزه نتيجة عجزه في القضاء على المقاومة؟

أولاً، على صعيد تداعيات هذه التطورات:

1 ـ الدعم الأميركي المستمرّ لحرب الإبادة في غزة: الفيتو الأميركي ضدّ قرار وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة إنما هو تأكيد جديد على الدعم الأميركي الكامل لـ “إسرائيل”. هذا الدعم يُترجم بالسماح لـ “إسرائيل” بمواصلة حربها النازية ضدّ الشعب الفلسطيني بدون قيود دولية، بهدف محاولة القضاء على مقاومته وفرض الاستسلام عليه، رغم الانتقادات الواسعة من دول العالم. هذا الموقف الأميركي هو الذي يؤمّن الغطاء السياسي لكيان الاحتلال لمواصلة حربه النازية، ويحميه من عقوبات دولية فعلية تجبره على وقف هذه الحرب.

2 ـ العملية الاستشهادية على جسر اللنبي: ان استهداف جنود صهاينة على الحدود الفلسطينية الاردنية من قبل جندي أردني متقاعد إنما هي العملية الثانية التي ينفذها مواطن أردني على هذا الجسر، وهو مؤشر على الغضب وحالة الغليان في الشارع الأردني إزاء المجازر المروعة في غزة، وامتناع الحكومات العربية عن اتخاذ ايّ خطوات عملية ضدّ كيان الاحتلال، لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وتؤشر هذه العملية الى أنّ تداعيات الحرب لا تقتصر على غزة فقط، بل تمتدّ إلى المنطقة بأكملها. هذه العملية قد تبدو ردّ فعل فردي على ما يجري في غزة، لكنها تعكس عمق الغضب الشعبي المتزايد في الأردن تجاه الأحداث في غزة والسياسة العدوان الأميركية والإسرائيلية.

3 ـ كمين رفح: الإعلان عن مقتل أربعة ضباط وجرح ثلاثة جنود صهاينة في مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، التي زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه سيطر عليها، إنما يحمل دلالات مهمة. فهذا الكمين عبر تفجير عبوة ناسفة بقوة للعدو يُظهر أنّ المقاومة لا تزال قادرة على تنفيذ عمليات نوعية حتى في المناطق التي أُعلن العدو انه قد أحكم السيطرة عليها. مما يشير الى عدم قدرة جيش الاحتلال على الاستقرار في رفح، لأنّ المقاومة تتبنى تكتيك حرب العصابات، حيث تتراجع وتعاود الظهور في المناطق التي دخلها جيش العدو بالفعل، مما يكبّده خسائر مستمرة.. تجعل كلفة بقائه مع الوقت كبيرة جداً.

ثانياً، جيش الاحتلال يزداد غرقاً في وحول غزة:

ما يحدث في رفح يعزز فكرة أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه صعوبة كبيرة في القضاء الكامل على المقاومة. خاصة بعد عامين من الحرب، حيث لا تزال المقاومة قادرة على تنفيذ عمليات في مناطق يُزعم قادة جيش الاحتلال انهم قد سيطَروا عليها، وهذا يعني فشلاً واضحاً في القضاء على المقاومة، وان السعي الى تحقيق هذا الهدف، يحتاج الى سنوات طويلة، حيث كان الرئيس السابق لشعبة الموارد البشرية في جيش العدو مردخاي الموز قد قدّر بأنّ، “القتال في غزة قد يستمرّ لـ 10 سنوات أو أكثر، واصفاً إياه بأنه قتال شرس، في ظلّ استمرار قضية الأسرى، وبقاء شبكة الأنفاق دون حلول تقنية، وعدم وجود ملاذ آمن لسكان القطاع”.. ولذلك لن يكون سهلاً تحقيق العدو لأهدافه التي أعلن عنها، وسيتطلب ذلك، عدا عن الوقت الطويل، تكلفة بشرية ومادية كبيرة جداً قد لا يكون كيان الاحتلال قادراً على تحملها، وتحمّل تداعياتها الداخلية والدولية.

من هنا فإنّ الاستراتيجية الإسرائيلية المتمثلة في الدخول إلى مناطق مختلفة، مثل مدينة غزة ورفح، تؤدي عملياً إلى توسع انتشار قوات الاحتلال على مساحة واسعة، مما يجعلها عرضة أكثر لهجمات وكمائن المقاومة من محاور مختلفة.. وهذا ما يؤدي إلى غرق جيش الاحتلال أكثر فأكثر في وحول غزة ومستنقع من الاستنزاف، ويجعل سعيه لتحقيق اهدافه تصطدم مجدداً بضراوة المقاومة وحجم الخسائر التي توقعها في صفوف جنود العدو، مما يغرق كيان الاحتلال في حرب استنزاف طويلة الأمد.. حيث بدأ الإعلام الإسرائيلي مؤخراً يحذر من تحوّلها إلى “فيتنام إسرائيل”.

باختصار، تُظهر التطورات الاخيرة أنّ الصراع يتجاوز حدود غزة، وأنّ الدعم الأميركي المفتوح لكيان العدو لمواصلة حرب الإبادة النازية يفاقم التوترات في المنطقة، وأنّ استراتيجية جيش الاحتلال الإسرائيلي في محاولة القضاء على المقاومة تواجه مأزقاً كبيراً، مما يفتح الباب أمام، اما اضطراره تحت ضغط داخلي لقبول تسوية توقف الحرب، او التورّط والغرق اكثر في حرب استنزاف طويلة الأمد…