اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٨ نيسان ٢٠٢٥
في كلّ مرّة تُستدعى فيها البلديات إلى اختيار سلطاتها المحليّة، تَجلُبُ معها أعراف وأدوات معاركها العائلية والحزبية. غير أنّ لعاصمة الدولة المركزية، الثقيلة إداريّاً وسياسيّاً، هاجساً محوريّاً، يرافقها كل ستّ سنوات أو أكثر، حسب هبوب لعنة التأجيل أو التمديد. ولتبديد هذا القلق المزمن، تُصاغ مجالس بلديتها عند 'جوهرجي' يُعرف بـ'التوافق' لضمان المناصفة، التي أرساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حفاظاً على التوازن الطائفي والمناطقي بين أحيائها الشرقية المسيحية والغربية الإسلامية.
لكن هذا العرف السياسي المُتبع منذ عقودٍ، لم يُحَصَّن حتى الآن بقانون صادرٍ عن مجلس النواب، يحميه من سيف الديموغرافيا الذي تُلوّح به بعض القوى كل فترة من باب 'الزكزكة السلطوية' وترداد زجلية 'إلغاء الطائفية السياسية'.
أمام هذه المعضلة، طُرح أكثر من مخرج، منها: اعتماد قانون اللائحة المقفلة أو تقسيم بيروت إلى دوائر ضمن بلدية واحدة، أو تأجيل الانتخابات ريثما يتمّ التوصل إلى اتفاق قانوني - سياسي. بيد أن هذه الحلول اصطدمت بحائط الرئيس نبيه برّي، بحجّة 'ضيق الوقت'، واضعاً الجرّة عند المسيحيين والسنّة على أساس 'فخّار يكسّر بعضه'. بالتوازي، أفادت معلومات بأن الرئيس برّي الذي دعا هيئة مكتب المجلس إلى اجتماع الثلثاء المقبل، لمناقشة قانون تعديل السرية المصرفية، بعد إقراره في اللجان المشتركة، قد يناقش المكتب المشاريع الإصلاحية ومنها اقتراح اللوائح المقفلة. فهل تَسْلَم جرّة بيروت البلدية هذه المرّة أيضاً، ويجبل 'الخزّافون' خابية التوافق مجدّداً؟
'شرقية وغربية'
استطراداً، ومن باب الإحاطة التاريخية، ذكر المؤرّخ عبد اللطيف فاخوري، استناداً إلى مذكّرات سليم علي سلام، أنّ تسمية 'شرقية / غربية' (قبل أن تُشاع خلال الحرب الأهلية اللبنانية)، تعود إلى عام 1909/1910، إذ كانت بيروت خاضعة للسلطنة العثمانية، وقُسّمت وقتها إلى دائرتين: شرقية، تَرَأسها مسيحي أرثوذكسي هو بطرس 'أفندي' داغر، وغربية تسلّمها مُسلم سنّي وهو منيح 'أفندي' رمضان. إلّا أنّ مجلس الإدارة، قرّر في تشرين الثاني 1910 توحيد الدائرتين واقترع لرمضان رئيساً الذي أُعيد انتخابه سنة 1913. أما أسباب التقسيم وإلغائه، فهي بحاجة إلى دراسة وتبيان ما إذا كان إلغاء رئاسة داغر قد عُوّضَ عنه في ما بعد، بتخصيص مركز محافظ بيروت للأرثوذكس. وتفيد المراجع بأنّ موقع كاتدرائية مار جرجس كان الفاصل بين المحلّتين أو الدائرتين'. (انتهى الاقتباس)
إذاً، نستنتج من هذه اللمحة التاريخية، أنه منذ ما قبل نشأة دولة لبنان الكبير واعتماد بيروت عاصمة لها، أُحيطت المدينة بتدبير بلديّ وإداري خاص يحترم التعددية الطائفية والمناطقية إلى حدّ ما.
الانتخابات الأشهر في تاريخ العاصمة
عام 1998، أرسى رفيق الحريري، مدماك المناصفة والتوازن الطائفي في بيروت، حيث سُجّل أيضاً أول حضور سياسي رسمي للقوات اللبنانية المنحلّة والمضطهدة آنذاك. في هذا السياق، يتحدّث الوزير السابق وعضو مجلسها البلدي جو سركيس، عن كيفية تشكيل اللائحة البيروتية الأشهر، التي هندسها الحريري الذي تولّى 'الكوتا' الإسلامية، والوزير السابق فؤاد بطرس القسم المسيحي، حيث عُقدت سلسلة اجتماعات في منزل سركيس، رغم أنف وعيون الأجهزة الأمنية ومعارضة الاحتلال السوري للائحة تضمّ 'القوات'. وكان ردّ الحريري: 'المسيحيون يريدون هذا التمثيل'. كما عمل بجهدٍ على محاربة 'التشطيب' (الأمر الذي يتخوّف منه سركيس في هذه الدورة - 2025). وبعد فوز اللائحة بكل أعضائها، كلّف الحريري مكتباً لتحليل نتائج 3 رابحين، هم: جو سركيس عن 'القوات اللبنانية'، رلى العجوز (أول امرأة تدخل المجلس البلدي)، وأمين شرّي (نائب حالي) عن 'حزب الله'. وتبيّن وفق الإحصاء، أن مرشّح 'القوات' نال في أقلام المسيحيين 20% زيادة عن معدّل الأصوات التي أخذتها اللائحة.
يشير سركيس، إلى أنّ رفيق الحريري شكّل ضمانة سياسية ومعنوية وشعبية للتوازن الطائفي في بيروت، وكان يحرص على أن تتخذ القرارات داخل المجلس البلدي بالتوافق. وهنا، يتذكّر القرار المهم الذي أقره المجلس البلدي بالإجماع، بناء على اقتراح سركيس، بإطلاق اسم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني على الحديقة العامة التي تقع في الوسط التجاري التي خُصصت لاحتفال البابا بالذبيحة الإلهية بمشاركة أكثر من مليون لبناني خلال زيارته التاريخية إلى لبنان في 10 و11 أيّار 1997. تجدر الإشارة إلى أن موقع الحديقة بحسب التصميم المُنتظر تنفيذه ضمن مخطط زمني، هو ما يعرف اليوم بواجهة بيروت البحرية.
'فزّيعة' المناصفة اختراع 'أزرق'؟
في هذا السياق، يشير أحد الأقطاب (السنّة) البيروتيين، إلى أن المسألة المطروحة ليست في اعتماد المناصفة، فالكتل المُنافسة ستُحافظ في تشكيل لوائحها على العرف، بل تكمن المشكلة في صحّة التمثيل، وفرضيات التشطيب، وبأي أصوات سيفوز المسيحيون على سبيل المثال؟ ويرى أن التلويح بسقوط المناصفة أو طرحها حالياً، هو 'فزّيعة' اخترعها 'تيار المستقبل'، لتوجيه رسائل إلى القوى المحلية كما الإقليمية، بأنه حجر الزاوية لبيروت، وأن 'استبعاده' أو استبعاد نفسه من الحياة السياسية، سينعكس سلباً على التوازنات البلدية الطائفية.
واعتبر المرجع أن المسيحيين سقطوا إلى حدّ ما في هذا الفخّ 'الأزرق'. لذا، يرى أنّ الحلّ الجذري، هو تقسيم بيروت إلى 12 دائرة، تُمثّل كلّ واحدة بعضوين. أما الإصلاح الثاني الذي يجب أن يسلك طريقه ضمن باقة الحلول، فهو مراجعة صلاحيات المحافظ الاستثنائية والتي تتخطّى رئيس البلدية. هذه النقطة تُشكّل هاجساً لدى المسلمين، إذ يرون أن المحافظ (الحاكم الفعلي للبلدية) المُعيّن من السلطة التنفيذية، قلّل من مكانة ودور رئيس البلدية المُنتخب من الشعب.
على خطّ آخر، تُفيد بعض الأوساط بأنّ الرئيس نبيه برّي استغلّ هذا التصدّع بين شرقِ بيروت وغربها، للدخول كلاعب أساسي في صياغة التحالفات والتوازنات، مستفيداً من تنامي الصوت الشيعي بيروتيّاً، علماً أن اللائحة المقفلة، تضمن المكوّن الشيعي وتحفظ تمثيله في المجلس البلدي.
يبلغ عدد الناخبين في بيروت لهذه الدورة (18 أيار 2025) 511 ألف ناخبٍ، يتوزّعون بين 66.5 % مسلمين (50 % سنّة، و15% شيعة)، و33.5 % مسيحيين. وفي الانتخابات الأخيرة (2016)، بلغت نسبة الاقتراع 20 %، إذ اقترع نحو 97 ألف شخص: 72 ألفاً من المسلمين و25 ألفاً من المسيحيين (وفق الدولية للمعلومات).
الانتخابات الأكثر غموضاً والأقل حرارة
رغم الغموض الذي يلف المشهد الانتخابي، تشير المعلومات إلى أن الاتصالات تتسارع بين القوى المسيحية المتّفقة معاً أي 'القوات اللبنانية'، 'الكتائب'، 'التيار الوطني'، 'الهنشاك'، 'الطاشناق' وغيرها من ناحية، والنائب فؤاد المخزومي و'جمعية المشاريع الإسلامية' وبعض النواب المستقلّين أو 'التغييريين' وعائلات بيروتية من ناحية أخرى، لنسج لائحة توافقية متينة تضمن المناصفة وتتجنّب 'خنجر' التشطيب. وتؤكّد المعطيات، رغم عزوف 'تيار المستقبل' عن خوض المعركة ترشيحاً واقتراعاً، إلا أنّ المتأثّرين بالمدرسة الحريرية من غير الملتزمين بـ'المستقبل' سيحترمون العُرف الذي أرساه الرئيس رفيق الحريري، للحفاظ على وحدة العاصمة، لأن سقوطها، سيدفع المكوّن المسيحي للمطالبة بتقسيم بيروت، وهذه الرغبة لا يمكن الاستخفاف بها، خصوصاً أنها تحظى بـ'نَفَسْ' مسيحيّ عارم. في المقابل، مع إعلان الرئيس سعد الحريري عدم تدخّله في المعارك البلدية، ستسقط بعض الأوراق الرئاسية التي كانت مطروحة 'همساً' والمقرّبة منه أو المحسوبة عليه بشكل أو بآخر.