اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
ذهب المبعوث الأميركي بعد زيارته الأخيرة وترك في اثره سؤالاً واحداً يعول عليه سلباً أو إيجاباً، وهو ماذا دار بينه وبين الرئيس نبيه بري؟؟. ثم بعد ذهاب براك قصد سيد المختارة وليد جنبلاط الرئيس بري وخاضا معاً في نقاش لم يخرج عنه شيئاً للإعلام؛ ولذلك يصبح مهماً طرح سؤال ثان وهو بماذا تحادث الرجلين اللذين وصفا خلال نهايات الحرب الأهلية بأنهما 'الأصدقاء'؟!
يقال أن بري عرض على براك 'صفقة' – حسب مصطلحات الترامبيين – وهي أعطني ضمانة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية وأنا من جهتي أعطيك ضمانة بتنفيذ بنود الورقة الأميركية.
.. لكن براك رفض الصفقة.
إذا صحت هذه 'الخبرية' فهذا يعني أن بري حاول العودة إلى المربع الأول في استراتيجيته التفاوضية مع هوكشتاين ومع أورتاغوس ومع براك وهي أنه يرمي الكرة في ملعب إسرائيل وذلك عن طريق القول للمفاوض الأميركي إذهب وأقنع نتنياهو بشروط لبنان وأنا أضمن لك أنه لن يكون هناك مشكلة لدى بيروت في تنفيذ ما تريده واشنطن..
بري عبر هذه الاستراتيجية يضرب ألف عصفور بحجر واحد: فهو يشتري مساحة لإدارة حوار داخلي حول مستقبل سلاح الحزب وحول علاقته بالحرب وحول العلاقة الثلاثية بينه وبين الحزب وبين الرئيس جوزاف عون. وأيضاً تؤمن هذه الاستراتيجية جعل نتنياهو داخل صورة أنه هو من يعطل الحل مع لبنان وليس موقف حزب الله أو ضعف الحكومة اللبنانية، الخ..
المهم أن براك خرج من لعبة شراء استراتيجية بري لوضع الحمل على كتف واشنطن وتل أبيب؛ والأخير – أي بري – ربما تقصد نهاية الأسبوع الفائت تسريب معلومة أن براك أبلغه بأن الخطوة الأولى مطلوبة من لبنان وليس من عند ترامب أو نتنياهو.
في هذه الأثناء سرب رئيس الجمهورية أنه دخل على خط الاتصال الشخصي مع حزب الله ليفاوضه على ملف سلاحه. وتم تفسير هذه المعلومة بأن الدولة لا تريد إيصال فكرة لواشنطن بأن الحوار الداخلي لسحب سلاح حزب الله توقف أو وصل لطريق مسدود؛ وعليه فإن رئيس الجمهورية قال أنا أتواصل وأحاور في نفس اللحظة التي سرب فيها بري أن استراتيجيته لحل ملف السلاح توقفت لأن براك رفضها؛ ولكن ما لم يكن منتظراً حصل وهو أن براك الذي لم يشتر بضاعة بري سارع عبر تغريدة إلى التشكيك بالبضاعة التي عرضها الرئيس عون وذلك حينما قال بما معناه أنه لم يعد يعول على تصريحات المسؤولين اللبنانيين وبات يريد أفعال بموضوع سلاح حزب الله.
هذا النقاش غير المباشر بين بري وبراك وجوزاف عون حصل خلال الساعات الـ٤٨ الأخيرة وختمه النائب عن حزب الله حسن عز الدين حينما قال أن الحزب لن يتخلى عن قدراته أي عن سلاحه.
في الظاهر يمكن رسم الصورة التالية:
الرئيس بري خسر استراتيجية شراء وقت للداخل حتى يرى ماذا سيفعل بملف سلاح حزب الله.
الرئيس جوزاف عون حاول أن يعبء فراغ موقع بري بموضوع حل سلاح حزب الله ولكن براك سارع للتشكيك بجدوى هذه المحاولة.
من جهته براك أعلن أن التصريحات اللبنانية لم تعد هي المقياس بالنسبة لأميركا بل المقياس هو رؤية الدولة تقوم بسحب سلاح الحزب.
النائب حسن عز الدين يكرر الحزب لن يسلم سلاحه.
.. إسرائيل منشغلة بغزة ولذلك لم يصدر عنها خلال الساعات الـ٧٢ الأخيرة ما يوحي بأنها تركز حالياً على لبنان وسلاح حزب الله فيه. أضف أن ترامب أيضاً منشغل بغزة والتركيز على أن حماس خربت سعيه لوقف الوضع اللاإنساني هناك.
بالإجمال هو كيف يمكن ربط كل هذه التطورات بعضها مع بعض وماذا يمكن أن نستنتج منها:
لعل أبرز استنتاج هو أن براك يمنح فرصة جديدة للبنان؛ ولكن هذه المرة فرصة ليست مشروطة بعمل مادي محدد ستقوم به واشنطن؛ بل هي فرصة من نوع آخر ولها ملامح ينطبق عليها وصف براك نفسه عندما قال: 'إذا لم يطبق لبنان الورقة الأميركية فإن رد فعل أميركا لن يكون إرسال أساطيل بل سيكون الشعور بخيبة الأمل من لبنان'!!
.. في لبنان قد يكون المطلوب وعلى عجل أن يتم دعوة المجلس الأعلى للدفاع ليناقش بنداً عاجلاً يدرجه على جدول أعماله، وهو ما هي الترجمة العملية لمصطلح خيبة الأمل الأميركية وذلك على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي، الخ..
ربما هذه أول مرة تعلن فيها الولايات المتحدة الأميركية أنها ستنتقل لمرحلة ممارسة دبلوماسية خيبة الأمل ضد البلد الذي تفشل فيها دبلوماسيتها الساعية لإنتاج حل لملف خلافي.
وبانتظار أن يدرك لبنان بالملموس ما تداعيات دبلوماسية خيبة الأمل الأميركية عليه؛ يمكن في هذه الساعة المبكرة إدراج تفسيرين إثنين لمعنى انعكاسات خيبة أمل أميركا على لبنان: الأول أن تهمل الولايات المتحدة الأميركية لبنان؛ والثاني أن تتركه يواجه مصيره وحيداً مع التغول الإسرائيلي..