اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
مرة جديدة، وجدت الضاحية الجنوبية لبيروت نفسها تحت نيران الغارات الإسرائيلية، لتتعالى معها المخاوف من انهيار وقف إطلاق النار الهشّ الذي وُقِّع في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي. الغارة التي وقعت أمس، وأثارت حالة من الهلع بين المدنيين، جاءت بعد تحذير مباشر من الجيش الإسرائيلي عبر منصات التواصل الاجتماعي لسكان حيّ الجاموس في الحدث، ما دفع مئات العائلات إلى النزوح وسط مشهد يختصر حجم الخطر الذي يهدد لبنان كلما تُرك السلاح خارج إطار الدولة.
صحيفة 'نداء الوطن' تساءلت اليوم ما إذا كان الوضع قد عاد إلى المربع الأول، إلى ما قبل تفاهمات التهدئة، محذرةً من أنّ هذا التصعيد يهدد الآمال الضئيلة أصلاً في تعافي لبنان الاقتصادي، خصوصاً بعد اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتشير المعلومات التي أوردتها 'نداء الوطن' إلى أن لبنان تحرك دبلوماسياً فور وقوع الغارة، عبر اتصالات مع لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، في محاولة لاحتواء التصعيد. وبرز الاستنفار السياسي على أعلى المستويات، إذ دان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ما وصفه بالاعتداء السافر على السيادة اللبنانية، داعياً الولايات المتحدة وفرنسا، كضامنين لتفاهمات وقف الأعمال العدائية، إلى التدخل السريع للجم التصعيد الإسرائيلي.
آراء متضاربة
في المقابل، لا يمكن تجاهل أنّ المشهد الذي تابعناه أمس أعاد التذكير بواحدة من أكبر الأزمات البنيوية في لبنان: وجود سلاح خارج عن سيطرة الدولة. الغارة الإسرائيلية لم تستهدف فقط مبنى مدنياً، بل وفق الرواية الإسرائيلية، كانت البنية المستهدفة مركزاً لتخزين صواريخ دقيقة تابعة لحزب الله، وهو ما اعتبرته إسرائيل تهديداً مباشراً لأمنها، واستخداماً متكرراً للمدنيين كدروع بشرية، حسب ما أوردته إذاعة الجيش الإسرائيلي.
أمّا من ناحية أخرى، أفاد مرجع سياسي بارز لصحيفة “الجمهورية” أنّ الغارة الإسرائيلية التي طالت الضاحية الجنوبية أمس تأتي في سياق سعي تل أبيب إلى تحقيق هدفين أساسيين: الأول، محاولة فرض معادلات جديدة لقواعد الاشتباك في لبنان، وهو ما ترفضه الدولة والمقاومة رفضًا قاطعًا. والثاني، عرقلة مسار المفاوضات الأميركية – الإيرانية، في ظل امتعاض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تقدمها.
وأشار المرجع إلى أنّ إسرائيل تجد نفسها في موقع حرج أمام التطورات الإيجابية التي تشهدها هذه المفاوضات، داعيًا إلى التوقف عند دلالات موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أكد رفضه الانجرار إلى حرب يريدها نتنياهو.
كما أضاف المرجع أنّ الموقع المستهدف في الضاحية الجنوبية هو مركز مدني اجتماعي خالٍ من أي مظاهر مسلحة، مما يدل على أن الغارة الإسرائيلية كانت تهدف إلى توجيه رسائل سياسية وليس تنفيذ ضربة عسكرية نوعية.
إلى متى سيبقى لبنان رهينةً للسلاح غير الشرعي؟ وهل يُعقل أن يتحمّل البلد تبعات أي تصعيد عسكري بسبب وجود منظومات صاروخية مخبأة بين أحياء سكنية؟
في بيانه الرسمي، حذر العماد جوزاف عون من أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية قد يجر لبنان إلى أخطار جسيمة تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، بينما شدد رئيس الحكومة نواف سلام، وفق ما نقلته صحيفة 'الشرق الأوسط'، على أن لبنان ملتزم بالكامل بتطبيق القرار 1701، بما في ذلك بسط سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها وحدها.
غير أنّ هذا الالتزام اللفظي يصطدم بواقع مختلف على الأرض. فالحقيقة المرة أن حزب الله، بسلاحه، يحول دون قيام الدولة بواجباتها الطبيعية في الدفاع عن شعبها وحماية سيادتها. طالما أن السلاح غير الشرعي موجود، ستبقى الضاحية الجنوبية، وكل لبنان، ساحة مفتوحة للردود الإسرائيلية والاعتداءات التي يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء.
وفيما دانت وزارة الخارجية اللبنانية الغارة وناشدت الدول الراعية لترتيبات وقف الأعمال العدائية الضغط على إسرائيل، أعادت الأمم المتحدة عبر المنسقة الخاصة جينين هينيس-بلاسخارت، التأكيد على ضرورة احترام تفاهمات وقف إطلاق النار، محذرةً من مغبة العودة إلى دوامة العنف.
إن استمرار الوضع الحالي لا يعني فقط تهديداً لأمن اللبنانيين بل أيضاً ضرباً لما تبقى من سمعة لبنان الدولية، وإضعافاً لموقعه في أي مفاوضات مع الجهات المانحة أو المؤسسات المالية الدولية. فالجهات الدولية لا يمكن أن تمد يد العون لدولة عاجزة عن بسط سلطتها داخل أراضيها.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الجيش اللبناني، وفق ما نقلته 'نداء الوطن'، نفذ عملية انتشار واسعة بعد الغارة، وحاول منع المدنيين من الاقتراب من موقع القصف، في مشهد يبرز حجم المأزق: جيش بلا قرار سياسي كامل، يُطلب منه الإمساك بأمن بلد تتقاسمه قوى مسلحة غير رسمية.
أما حزب الله، فلم يتأخر في الرد المعنوي، عبر التسريبات التي نقلتها وسائل الإعلام عن استعداده للرد على الغارة، فيما كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تفاصيل عملية 'البيجر'، التي قال إنها شكلت ضربة قوية لقدرات حزب الله، بعد رصد وتدمير منظومات تسليحية أعدّها الحزب منذ عقود.
وسط هذا المشهد الملتهب، يبرز سؤال جوهري: متى يدرك اللبنانيون أن بقاء السلاح خارج سلطة الدولة ليس مقاومة، بل وصفة دائمة للخراب؟ متى نعي أن الطريق إلى السيادة الحقيقية يمر عبر جيش واحد، وقانون واحد، ودولة واحدة؟
إن غارة الأمس ليست مجرد حدث عابر، بل صفارة إنذار صاخبة تدعونا جميعاً، مسؤولين ومواطنين، إلى التفكير جدياً بمستقبل لبنان: دولة تُحكم بالسلاح غير الشرعي، أم دولة تحميها مؤسساتها الشرعية وحدها؟