اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٩ أيار ٢٠٢٥
ما إن تهدأ جبهة في السياسة اللبنانية، حتى تُفتح أخرى على مصراعيها. المعركة هذه المرّة تدور حول السلاح، وتحديداً موقعه في معادلة الحكم، حيث يجد رئيس الحكومة تمام سلام نفسه في مواجهة مباشرة مع 'حزب الله'—وفي العمق، مع توازن هشّ اختلط فيه المحلي بالإقليمي، والتكتيك بالاستراتيجية.
سلام، الذي يدرك جيّداً هشاشة حكومته، يبدو كمن قرّر اختبار حدود الممكن. لا يريد لعب دور المتفرّج. يصرّ على أن تبقى المسلّمات واضحة: لا سلاح خارج الدولة. لا غموض بعد اليوم.
أوساطه تعتبر أن أي محاولة لتدوير الزوايا في هذا الملف تمس بجوهر السيادة، وترفض الخوض بأي تسوية تُبقي السلاح خارج سلطة الدولة. هو موقف مبدئي، نعم، لكنه أيضًا رسالة إلى الخارج، وتحديدًا لأولئك المانحين المتحفّظين الذين ما عادوا يقتنعون بشعارات 'الخصوصية اللبنانية' كذريعة للفوضى.
وفي ظل تصلّب المواقف، لا تبدو العلاقة بين الطرفين متجهة نحو التهدئة، بل أقرب إلى انفجار سياسي ناعم يتأجّل ولا يُلغى.
في المقلب الآخر، 'حزب الله' لا يساوم. بالنسبة له، أي نقاش في سلاحه هو مسّ بجوهر وجوده، ليس فقط بدوره العسكري. أكثر من ذلك، الحزب يعتبر أن التوقيت مشبوه. فالعالم يتغيّر، والمنطقة على كفّ عفريت، والتخلّي عن 'ورقة القوة' الآن يشبه الانتحار الاستراتيجي. ويهمس بعض العارفين أن الحزب ينظر إلى أي محاولة لإعادة تعريف أولوياته كأنها بيان نوايا لأعدائه.
في هذا الاشتباك، يُدخِل رئيس الجمهورية نفسه كوسيط. مهمّته صعبة، وربما مستحيلة. ليس فقط لأن المسألة تتجاوز الأشخاص، بل لأنها ترتبط بميزان قوى أكبر من الدولة نفسها. وهنا المفارقة: رئيس الدولة يحاول التوفيق بين سلطتين—واحدة رسمية، وأخرى أمر واقع.
لكن هل يمتلك الرئيس أدوات تحقيق هذه الحصرية فعلًا؟ أم أن توازن القوى الإقليمي والمحلي يجرّه نحو تسويات رمزية؟
أما المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فيراقب بصمت مدروس. الدعم للجيش مستمر، نعم، لكن بشروط. لا شيك على بياض. في واشنطن، ثمة من يقول: 'ساعدوا أنفسكم، نساعدكم'.
لكن حتى هذا الدعم المرهون بشروط لا يبدو أنه بلا سقف زمني. هناك من يلمّح إلى أن صبر واشنطن بدأ ينفد. والسؤال الذي يهمس في الكواليس: إلى متى تُبقي الولايات المتحدة على فرصتها الأخيرة مفتوحة للبنان؟
في المحصّلة، لبنان مجددًا على عتبة اختبار وجودي. ليس فقط حول موقع السلاح، بل حول سؤال أكبر: من يحكم؟ ومن يملك القرار؟ وهل يمكن لحكومة أن تنجو وهي تتصارع في داخلها على تعريف الدولة ذاتها؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات مؤجلة. تمامًا كما اعتاد اللبنانيون منذ عقود.