اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تبرز إلى السطح في كلّ عام أزمة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة الأميركية، مترافقة مع اشتداد الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذي بات يطغى على المشهد العام، في حين يسود اعتقاد بأنّ هذا الصراع بين الحزبين المتنافسين على الحكم، إنما يسهم في التغطية على الأسباب العميقة للأزمة المالية التي ترزح تحت وطأتها الولايات المتحدة، والآخذة بالتفاقم، تزيد معها من الأزمة الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل… مما يطرح الأسئلة حول الأسباب العميقة لهذه الأزمة وآفاقها، في ظلّ الارتفاع المستمر في حجم الدين العام الذي تجاوز الـ 37 تريليون دولار.
*أولاً: الإغلاق الحكومي، والتغطية على الأزمة الحقيقية:
انّ الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة الذي بات يتكرّر في كلّ عام إنما هو تعبير عن أزمة سياسية ـ اقتصادية، يغذيها إلى حدّ كبير الصراع الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مسائل التمويل والميزانية، لكنها تحدث على خلفية تحديات اقتصادية ومالية أعمق.
يحدث الإغلاق الحكومي عندما يفشل الكونغرس في تمرير قوانين التمويل اللازمة لاستمرار عمل الوكالات الفيدرالية قبل انتهاء صلاحية التمويل الحالي.
ويطغى الخلاف الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين على هذه الأزمة، حيث يستخدم كلّ طرف الحاجة إلى تمويل الحكومة كورقة مساومة لتحقيق أهداف سياسية أوسع. على سبيل المثال، يطالب أحد الأطراف بتضمين أو استثناء بنود معينة (مثل تمويل مشروع حدودي أو إنفاق اجتماعي) في مشروع الميزانية قبل الموافقة عليه.
ولهذا يمكن النظر إلى هذا الصراع الحزبي الحاد على أنه يساهم في تحويل الانتباه عن المشاكل الهيكلية الأساسية للاقتصاد الأميركي، مثل: ارتفاع التضخم وتبعاته على الأُسر، والتفاوت الاقتصادي المتزايد، والتباطؤ الاقتصادي المحتمل، وأزمة الدين العام المتفاقمة…
وهكذا يصبح الإغلاق الحكومي أزمة سياسية مرئية تستهلك الجدل العام، بينما تتواصل التحديات الاقتصادية الأعمق بعيداً عن الحلول الجذرية.
*ثانيا: أسباب الأزمة العميقة وتداعياتها:
على الرغم من مرونة الاقتصاد الأميركي، تظلّ هناك تحديات عميقة تؤثر على الأميركيين، وأبرزها:
1 ـ التضخم: على الرغم من تباطئه، لا يزال التضخم السنوي أعلى من المستوى المستهدف (2%) للاحتياطي الفيدرالي، مما يقلل من القوة الشرائية للأسر.
2 ـ تكاليف الاقتراض: أدّت جهود مكافحة التضخم إلى رفع أسعار الفائدة، مما زاد من تكلفة الرهون العقارية وقروض السيارات وغيرها، وأثقل كاهل المستهلكين والشركات.
3 ـ التفاوت الاقتصادي: تزايد معدل الفقر الوطني بعد انتهاء الإعفاءات الضريبية المرتبطة بالجائحة، وتفاقمت الفجوة العرقية في الثروة.
*ثالثاً: آفاق الأزمة ومشكلة الدين العام المتفاقمة
تُعدّ مشكلة الدين العام الأكثر قتامة وتفاقماً، حيث تجاوز الدين عتبة 37 تريليون دولار (وفق التقديرات الأحدث)، وهو رقم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (الذي سجل حوالي 29.2 تريليون دولار في عام 2024)… مما يشير الى حجم الفجوة وبالتالي العجز المتزايد في الميزانية في كلّ عام. على أن يتجاوز الدين هذا الرقم في وقت أقصر بكثير من التوقعات ما قبل الجائحة، بسبب حزم التحفيز الهائلة وسياسات الإنفاق الواسعة وتخفيضات الضرائب. وتُشير التقديرات إلى أنّ الولايات المتحدة تضيف تريليون دولار إلى الدين كلّ خمسة أشهر تقريباً، الامر الذي يفسر سرعة ارتفاعه وتعمّق الأزمة الناتجة عنه.
*رابعاً: التداعيات…
زيادة تكاليف الاقتراض الحكومي: تتطلب خدمة هذا الدين المتزايد مبالغ أكبر لمدفوعات الفائدة، مما يقلّل من الأموال المتاحة لبرامج الإنفاق الأساسية والاستثمارات المستقبلية.
الضغط على أسعار الفائدة: يخشى الخبراء من أن يؤدي هذا المسار إلى ضغوط تصاعدية على أسعار الفائدة للمستهلكين والشركات، مما يزيد من تكلفة الرهن العقاري وقروض السيارات ويقلّل من الاستثمار الخاص.
ثقة المستثمرين: استمرار هذا الاتجاه يثير المخاوف بشأن مصداقية المؤسّسات الأميركية وقد يدفع المستثمرين للبحث عن بدائل أخرى للأصول الأميركية.
إنّ الإغلاق الحكومي يمثل صدمة مؤقتة للاقتصاد، حيث يمكن أن يكلف الاقتصاد مليارات الدولارات أسبوعياً ويؤثر بشكل مباشر على رواتب الموظفين الفيدراليين والخدمات الحكومية، ولكنه أيضاً مؤشر على الخلل السياسي الذي يعيق معالجة القنبلة الموقوتة للدين العام والتحديات الاقتصادية الهيكلية الأخرى.











































































