اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٢ نيسان ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
في استطلاع رأي أجريته على قناتي على يوتيوب حول التوقعات باتجاه مفاوضات مسقط بين أميركا وإيران، شارك فيه خلال يوم واحد أكثر من 3100 صاحب رأي، قال 56% إنّهم يرجّحون المراوحة في المكان وبقاء حال اللاسلم واللاحرب، وقال 7% إنهم يتوقعون تنازلات إيرانية ترجّح كفة “إسرائيل” في المنطقة، بينما صوّت 18% لصالح كل من فرضيتي نجاح المفاوضات بصناعة تسوية شاملة أو فشل التفاوض والذهاب إلى الحرب. وربما تكون هذه الحصيلة لعيّنة وازنة من الرأي العام تعبيراً عن اتجاهات فعليّة في الرأي العام العربي وربما العالمي، حيث يتحفّظ أيّ من المتابعين عن التورط في توقع تسوية أو حرب، كما لا يستطيع أحد تخيّل استسلام إيرانيّ.
عندما نسمع المبعوث الرئاسي الأميركي المتعدّد الملفات، ستيف ويتكوف، والذي يمكن أن يتولى في وقت لاحق مهمة التفاوض مع الصين حول الرسوم الجمركيّة المتبادلة، بعدما صار مسؤولاً عن ملفات وقف الحرب في غزة وإنهاء الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، والتوصل مع إيران إلى اتفاق نووي جديد، نظنّ أن الحرب على الأبواب، بعدما قال إنّه يغادر محادثات مطوّلة وصعبة مع الرئيس الروسي لبدء محادثات شاقة مع الإيرانيين، وإنّه سوف يطرح على الإيرانيين تفكيك برنامجهم النوويّ، بينما تقول كل التقارير الأميركية الاستخبارية إن إيران أقرب من أي وقت مضى من امتلاك قنبلة نووية. وعندما نقرأ مقالات كبار الكتاب في الصحف والمجلات الأميركيّة يقولون إن ورقة القوة التفاوضية الرئيسية بيد إيران والتي تحفّز واشنطن لتسريع الحل التفاوضيّ هو القلق من درجة اقتراب إيران من امتلاك سلاح نوويّ من جهة، والخشية من أن تدفعها أيّ مواجهة عسكرية لفعل ذلك بسرعة أكبر، نخشى على المفاوضات من الفشل مع مفاوض يتحدّث بهذه اللغة، حتى عندما نكتشف أنه في سياق الكلام ينسف تهديداً في غير مكانه ويشبه لزوم ما لا يلزم.
الحرب كخيار واقعيّ وفقاً لأي حسابات، سواء كانت حرباً إسرائيلية أو أميركية إسرائيلية، مخاطرة غير محسوبة، سوف يترتّب عليها عدا عن مخاطر إعلان إيران امتلاك سلاح نوويّ وفقاً لمبدأ أعلنه عدة قادة إيرانيّين هو تغيير العقيدة النووية إذا تعرّضت إيران لتهديد وجوديّ، فإن للحرب عدا ذلك تداعيات على اقتصاديّات العالم وخطوط التجارة وسوق الطاقة، كما أن لها مترتّبات عسكرية غير مضمونة بالنسبة للقواعد الأميركيّة والأساطيل الأميركيّة في الخليج، ولكن لها آثار مدمّرة على “إسرائيل” بصورة خاصة.
التسوية بنظر واشنطن، ما لم تتضمّن ملفات الصواريخ والملف الإقليميّ، أي وقف إيران برامجها الصاروخية ودعمها لحركات المقاومة، فإن العائد الأمني الاستراتيجي الذي تريده واشنطن لأمن مشروعها في المنطقة وفي المقدّمة أمن “إسرائيل” سوف يكون هامشياً. ومن المعلوم والواضح والثابت أن هذه العناوين خطوط حمر إيرانية، وشرط دخول التفاوض عند إيران هو حصره بالملف النووي. وفي الملف النووي حصره بضمانات عدم امتلاك إيران لسلاح نوويّ، كما ختم ويتكوف تصريحه الداعي إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بقوله إنّه في النهاية يمكن الوصول إلى حلول أخرى غير تفكيك البرنامج النووي الإيراني، ويبقى الخط الأحمر الأميركي هو عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وهو ما كرّره البيت الأبيض مساء أمس. والسؤال في هذه الحالة، أليس عدم امتلاك إيران لسلاح نوويّ تحصيل حاصل بفعل امتناع إيران عن السير نحو برنامج نوويّ عسكريّ، وإن ما تريده واشنطن هو أمن “إسرائيل” الذي لن تحصل عليه، فهل تقبل بأن ترفع العقوبات عن إيران، وتركها تنعم بعائدات بيع النفط والغاز والدخول إلى الأسواق العالمية واستقطاب الاستثمارات، لقاء هدف محقق تلقائياً ولا طريق للقلق منه إلا تعريض إيران لخطر حرب، ثم أليس هذا ما فعله الاتفاق السابق الذي خرج منه الرئيس دونالد ترامب عام 2018 لأن إيران بقيت تدعم وتموّل حركات المقاومة؟
إذا كانت التسوية الشاملة كما الحرب وقبلهما فرضيّة استسلام إيران، خيارات معقّدة وصعبة وصولاً إلى حد الاستحالة، فهل أخطأ من قال إن الأرجحيّة هي لخيار المراوحة في المكان في حال اللاسلم واللاحرب، وربما الاستفادة من كسر حاجز الجليد وبدء التحدّث لمنع الانزلاق إلى الأسوأ وتبريد جبهات المواجهة المشتعلة؟