هل أخطأ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في تضخيم مسألة الاختراقات الإسرائيلية الأمنية من خلال الهواتف الخليوية؟ وهل هذا التضخيم كان وراء طلب الحزب شراء أجهزة البيجر؟ هل حمّل نفسه المسؤولية نتيجة دعوته بلغة التهديد في 13 شباط 2024 للتخلّص من الهواتف الخليوية؟ هل لأنّ هذا الإلحاح كان وراء طلب استبدال هذه الهواتف بأجهزة البيجر لم يتمّ التدقيق بها واستُقدِمت على عجل حتى توضع في الخدمة لتحسين ظروف سير المعارك ولتلافي عمليات الاغتيال؟ وهل كانت إسرائيل اعتمدت على خداع نصرالله في هذه المسألة لدفعه إلى طلب هذه الأجهزة؟ هل نجحت في خداعه إلى هذا الحدّ؟ وكيف أوحت له بأنها تخترقه من خلال هذه الهواتف بينما كانت تحضّر لاختراقه بواسطة البيجر؟

السؤال الذي صار طرحه مُلحًّا بعد تفجيرات البيجر التي اعتبرها نصرالله ضربة كبرى تلقّاها الحزب كان هل استورد الحزب هذه الأجهزة بعد شباط 2024؟ وهل كانت إسرائيل زوّدته بأجهزة مفخّخة قبل هذا التاريخ منذ عام 2015 أو 2017 مثلًا لترسم له طريقًا آمنًا لعمليات استيراد أجهزة من هذا النوع؟ وهل كانت عمليات التوريد تشمل تجهيزات مكتبية وتقنية مختلفة؟

من خلال تسارع التطورات ومن خلال تضخيم الحزب آثار ضربة البيجر والتأخّر في كشف نتائج التحقيق يمكن أن تكون إسرائيل استطاعت أن تخترق الحزب ببيعه مستلزمات كثيرة ومعدات وتجهيزات منذ ما قبل صفقة البيجر. لم تكن تلك الصفقة التي شملت الأجهزة التي انفجرت الأولى ولم تكن الأخيرة. حتى أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تم تفجيرها في 18 أيلول لم يظهر في التحقيق متى تم استيرادها.

مطار اسطنبول بين تايوان والضاحية

من ضمن هذه الافتراضية كانت مفاجئة عملية إعلان وسائل إعلام تركية في 6 أيار 2025 أن جهاز الاستخبارات صادر في 20 أيلول 2024 حمولة طائرة تتكوّن من 1300 جهاز بيجر من النوع ذاته الذي انفجر في لبنان. وأضافت وسائل الإعلام أنّ الأجهزة كانت على متن طائرة آتية من تايوان ومتجهة إلى لبنان مرورًا بمطار اسطنبول، وأن عملية المخابرات جرت في أرض مطار اسطنبول بعد رفع مستوى الأمن للحالة القصوى، لتمكين أطقم أمنية متخصصة بالمتفجرات من تفكيك أجهزة البيجر. وبعد التفكيك، تبين أنها تحتوي على متفجرات تم حقنها في بطارياتها، وأنها قابلة للتفجير عن طريق إرسال إشارات عالية الكثافة.

المعلومات التي كُشِف عنها في تركيا أشارت إلى أنّ العملية جاءت بعد تلقّي بلاغ استخباراتي بشأن شحنة مشبوهة ستُنقل من اسطنبول إلى بيروت. وقالت إن الشحنة كانت قد وصلت من هونغ كونغ بتاريخ 16 أيلول عبر شركة (SMT Global Logistics Limited) التايوانية، وصُرّح بأنها تتضمّن فرّامات طعام، فيما كان مخطّطًا نقلها إلى لبنان في 27 أيلول. وخلال تفتيش دقيق، اكتشفت الأجهزة الأمنية التركية أن الشحنة مكوّنة من 61 صندوقًا بوزن إجمالي 850 كيلوغرامًا، وتحتوي على 1300 جهاز نداء من طراز Gold Apollo 924 R3 GP، و710 أجهزة شحن مكتبية، إلى جانب معدات إلكترونية إضافية، مثل خلاطات يدوية وأجهزة تسجيل ومحولات شبكات.

وبعد التفكيك، تبين أن أجهزه البيجر، كانت تحتوي على متفجرات يمكن تفعيلها عبر إشارات إلكترونية أو عند حدوث قصر كهربائي، ما يجعلها وسيلة محتملة في عمليات تفجير عن بُعد. ولفتت وسائل الإعلام التركية إلى أنّه تمّ ربط الأجهزة المُستخدمة بشركة Gold Apollo التايوانية، المرتبطة بشركة مجرية تُدعى Bac Consulting KFT، يُشتبه في أنّها تعمل كواجهة لأنشطة استخباراتية.

ميقاتي بين نصرالله وأردوغان

كشف هذه الصفقة لم يكن إنجازًا للإستخبارات التركية. يظهر من خلال ذلك أنّ الحزب كان يعتمد تركيا طريقًا أساسيًا لاستيراد ما يريده من تجهيزات. ويظهر أيضًا أنّ سكة التوصيل كانت ميسّرة من دون مشاكل. ويظهر أنّ أجهزة البيجر كان يمكن أن تمرّ عبر المطار التركي وغيره من المطارات، ومن بينها مطار بيروت، من دون أن تكتشف أجهزة الأمن أنّها تحوي متفجرات. ويظهر أيضًا أنّ الأجهزة التي انفجرت قد تكون وصلت بهذه الطريقة. ويظهر أنّ الحزب لم يكن قد تنبّه، أو شكّ، في أن أجهزة البيجر قد تكون مفخّخة وحاول أن يفتحها أو أن يرسل عددًا منها إلى إيران للكشف عليها. وما يمكن استنتاجه في هذا المجال أنّه لو كان هناك مثل هذا الشك لكان الحزب طلب عدم استخدام هذه الأجهزة حتى يتم التحقق من سلامتها ولكان كشف عن شحنة تركيا قبل التفجير.

بعد عملية التفجير أيقن أنّها كانت اختراقًا أمنيًا إسرائيليًا كامل المواصفات وتنبّه بحكم من بقي من قادته المسؤولين عن استيراد مثل هذه التجهيزات إلى الصفقة الآتية عن طريق تركيا وحصل، بطلب من السيد نصرالله، تواصل مع رئيس الحكومة وقتها نجيب ميقاتي وتمّ إطلاعه على المعلومات عن الصفقة وعلى أي طائرة هي آتية وأين أصبحت في اسطنبول وطلب منه إبلاغ السلطات التركية بالأمر. فاتصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعطى التعليمات لأجهزة استخباراته التي ضبطت الشحنة وتأكّدت من أنّ الأجهزة مفخّخة فتمّ تفجيرها.

سلاسل التوريد قبل التفجير وبعده

السؤال الذي طرح بعد هذا الكشف كان يتعلّق بالسبب الذي دفع السلطات التركية إلى تسريب هذه المعلومات بعد ثمانية أشهر. ويتعلّق بسبب التعتيم عليها كل هذا الوقت من جانب تركيا وحزب الله والسلطة اللبنانية ممثّلة بالرئيس نجيب ميقاتي. خصوصا أن تسريبات صحافية كانت نسبت إلى مصدر أمني لبناني، في أيلول 2024 بعد عملية التفجير، أن الحزب طلب 5 آلاف جهاز اتصال من إنتاج شركة غولد أبولو التايوانية، وصلت إلى لبنان في ربيع 2024. بينما كانت وسائل إعلام إسرائيلية كشفت أنّ أجهزة الأمن عملت سنوات للوصول إلى سلاسل التوريد وتفخيخ الأجهزة، وأن الهدف كان شلّ قدرات الحزب القتالية في وقت متزامن. ورجّح خبراء إسرائيليون في ذلك الوقت احتمالات أن تكون هذه الأجهزة قد استخدمت أيضًا للتجسس على اتصالات حزب الله قبل أن تُستخدم كمتفجرات، بهدف رصد شبكة الاتصالات الداخلية لـ الحزب وتعطيلها. وتباهت إسرائيل بهذه العملية عندما كرّمت في أول أيار 2025 ثلاثة عملاء من الموساد أشرفوا عليها.

السؤال الذي يطرح أيضا هو عن هدف إسرائيل من هذه العملية. طالما أنّها كانت مستمرّة في إرسال الأجهزة المفخّخة فلماذا اختارت هذا التوقيت لعملية التفجير في 17 أيلول 2024 ولم تنتظر أن تكون الكمية الجديدة قد وصلت؟ ربّما كان الأمر يتعلّق بالمواعيد التي حدّدتها للحرب فكانت خطة العمليات المتدحرجة تمرّ حكمًا عبر هذه العملية من اغتيال القادة إلى تفجير البيجر إلى استهداف المقرات والمخازن والصواريخ والمسيّرات واغتيال نصرالله.

نوّاف الموسوي والحاج عماد

قد تكون إسرائيل استفادت من العقوبات الدولية المفروضة على حزب الله الذي كان عليه أن يسلك طرقًا غير شرعية وقانونية لاستيراد ما يحتاجه من معدات وتجهيزات يستخدمها في بنيته العسكرية والأمينة وصناعات الأسلحة. ولذلك قد تكون إسرائيل مهّدت لاختراق الحزب عبر شركات أو أشخاص شكّلوا واجهة لـ الموساد وأمّنوا بهذه الطرق غير الشرعية تجهيزات لـ الحزب جعلته يطمئن إلى سلامة هذه العمليات التي كانت ذروتها في صفقة البيجر التي أجريت على عجل تحت ضغط الحرب ولتلافي عمليات الاختراق فكان مقدرًا لـ الحزب أن يقع ضحية هذا الاختراق الكبير.

على رغم مرور أكثر من عام على هذه العملية لم يكشف الحزب بعد عن التحقيق الداخلي الذي أجراه فربّما يريد أن يبقى هذا التحقيق سرّيًا، وربّما لم يكتشف بعد أسرار وغوامض هذه الاختراقات، بدليل أن التفوق الإسرائيلي كان قبلها واستمرّ بعدها. وهذا الأمر يطرح علامات استفهام حول مدى قدرة إسرائيل على اختراق الحزب أمنيًا، وحول الطرق التي تساعدها على ذلك.

من دون أدنى شك كانت ضربة البيجر قاسية على الحزب. وعلى ضوء العجز الظاهر عن فهمها فقد تركت تداعيات على تركيبته الداخلية لجهة تحديد من يتحمّل مسؤولية هذا الخرق. وقد كان لافتًا ما قاله النائب السابق في الحزب نوّاف الموسوي في 3 آذار 2025 حول التقصير الأمني الذي يتجاوز مسألة البيجر إلى اغتيال السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين ومعتبرًا أنّه لو كان الحاج عماد مغنية حيًّا لما كان حصل كل ذلك.

اعتقد الحزب أنّه يخدع إسرائيل

في 19 أيلول 2024 عندما تحدث السيد حسن نصرالله عن هذا الاختراق الكبير قال إنّ تحقيقًا داخليًا يحصل لمعرفة كيف وصلت هذه الأجهزة وكيف حصل الخرق. ولكن قبل أن تظهر أي نتيجة اغتالته إسرائيل في 27 أيلول.

بعد عشرة أشهر، في 8 تموز 2025، تحدّث الشيخ نعيم قاسم، أمين عام الحزب، على قناة الميادين عن التحقيق. قال: نحن شكّلنا لجنة تحقيق مركزية ما زالت تشتغل إلى الآن ولم تنتهِ بشكل نهائي، ومع لجنة التحقيق المركزية أنشأنا لجان تحقيق فرعية في كل موضوع من الموضوعات، يعني بيجر، مكان شهادة سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه، مكان السيد الهاشمي رضوان الله تعالى عليه، وهكذا، يعني أنشأنا محطات متفرقة وأيضًا لجنة مركزية، اللجنة المركزية ما زالت تعمل. لكن أنا أستطيع أن أقول لك بعض القواعد العامة التي قد وصلنا إليها وهي واضحة تمامًا بالتحقيق بما حصل.

موضوع البيجر هو موضوع يبدأ من ثغرة كبيرة كانت موجودة عندنا بعملية الشراء، لأن الشراء كان يحصل بطريقة كان يعتقد الإخوة أنه مموّه، غير معروف، له آليات معينة عبر عدة دول، بحيث لا يُعرَف أنها قادمة الى الحزب، تبيّن أنه لا، كانوا مكشوفين الذين يشترون، أو الشركات التي تتابع هذا الموضوع إلى الشركة الأم التي أنشأت علاقة مع الاسرائيليين أو أن الاسرائيليين تابعوها بطريقة معينة، وأخذوا خطوات للتصنيع، إلى أن أرسلوها لنا....