اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٤ تموز ٢٠٢٥
كتب غاصب المختار في 'اللواء'
بعد المعلومات التي تسرّبت من مصادر أميركية عبر الإعلام اللبناني عن مضمون مقترحات الموفد الأميركي الى لبنان وسوريا السفير لدى تركيا طوماس برّاك، حول «المطلوب» من السلطات اللبنانية تحقيقه للخروج من المراوحة الأمنية والسياسية المستمرة منذ تشرين الثاني من العام الماضي في جنوب لبنان، نتيجة عدم تقيّد كيان الاحتلال بآلية تنفيذ وقف إطلاق النار، تبيّن ان المطلوب ليس اتخاذ مجرد قرارات وإجراءات تقنية وخطوات أمنية وعسكرية كأنها انتشار للجيش اللبناني لمعالجة اشتباك محلي حزبي أو عشائري في أحد زواريب لبنان، بل هي ورقة عمل تتطلب قرارات استراتيجية خطيرة سياسية – عسكرية – أمنية – واجتماعية – حياتية أيضاً، لأنها مرتبطة بإعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي وبمسار الإصلاحات البنيوية للاقتصاد والإدارة، وبترتيب العلاقات مع السلطة السورية الجديدة، التي لم يمتحنها لبنان فعليا وجدّياً بعد في كثير من الملفات المطروحة للبحث أو العالقة، ما يعني ارتباط كل هذه المسائل بمستقبل لبنان السياسي وتركيبته السياسية، والذي بدأ تحديد معالمه بعد عملية طوفان الأقصى في غزة وحرب الإسناد اللبنانية واليمنية، ومن ثم المواجهة العسكرية الكبرى المباشرة بين إيران من جهة وبين أميركا وإسرائيل من جهة أخرى والنتائج التي ترتبت على ذلك.
لذلك يبدو التعامل بخفّة واستعجال وربما بخضوع كلّي مع مضامين هذه الورقة الأميركية، وردّ لبنان الرسمي وردّ حزب الله المطلوب عليها، أمراً غير واقعي، بل هو يستلزم قراءات متأنّية وعميقة سياسية وعسكرية واقتصادية لخلفيات وأهداف الورقة الأميركية والنتائج التي يمكن أن تسفر عنها، والتي تؤثر على مستقبل لبنان بعد نزع أحد عناصر القوة من يده بوجه الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة التلازم بين ما يتم تسريبه من متطلبات لإنهاء الأعمال العدائية في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني وحصرية السلاح بيد الدولة، وبين ما يتم تسريبه بالتوازي عن توجهات أميركية وإقليمية لتحقيق اتفاقات سلام مع الكيان الإسرائيلي، وعن بدء تفاوض سوري – إسرائيلي مباشر في هذا الإطار، يفترض أن يلتحق به لبنان لاحقا اسوة بسوريا، بعدما صرح الموفد الأميركي براك ومسؤولين أميركيين آخرين انه على لبنان أن يحذو حذو سوريا، وأن يبدأ ترسيم وتثبيت الحدود معها وفق الرؤية الأميركية – الإسرائيلية، التي تعتبر ان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة ليست لبنانية بل سورية محتلة بعد حرب العام 1967. وهو أمر مستغرب ومستهجن وينسف كل التأكيدات القانونية والشرعية بالوثائق على لبنانية قسم كبير من المزارع، لكن يبدو ان استخدام عدم الاعتراف بلبنانيتها الآن وتبنّي بعض القوى السياسية اللبنانية لهذه المقولة هو من باب الضغط السياسي على لبنان.
ويرى البعض انه في ظل الضغوط الأميركية الأحادية الجانب على لبنان، وفي ظل التفلّت الإسرائيلي من أي ضوابط في اعتداءاته على لبنان وعدم الالتزام بالانسحاب من النقاط المحتلة، وعدم وجود أي ضمانات أميركية حقيقية لضمان أمن لبنان إذا نفذ كل المطلوب منه، كان من الطبيعي أن يصدر عن حزب الله خلال اليومين الماضيين موقف متصلب من تسليم السلاح، ولا سيما أن الورقة الأميركية تتضمن الكثير من التفاصيل والعناوين المهمة والخطيرة التي تطال وضع لبنان بكامله ودوره في المنطقة، سواء لجهة الوضع في الجنوب، أو الحدود السورية ووضع ومصير مزارع شبعا عدا موضوع السلاح، وبالتالي تحتاج الورقة الأميركية إلى مقاربة بعناية شديدة تضمن تحقيق ما يردده الحكم والحكومة عن بسط السيادة وتحرير الأرض وتحقيق الاستقرار المستدام تمهيداً لإعادة الإعمار لا التسليم بما يمليه الإسرائيلي عبر الأميركي.
وبغض النظر عن تفاصيل ما تضمّنه رد الحزب على ورقة الموفد برّاك، فإن لبنان الرسمي والشعبي لا يمكن أن يتهاون في مسائل خطيرة وكبيرة كالتي يطرحها الأميركي والإسرائيلي، وطالما ان الضغوط السياسية والعسكرية مستمرة على لبنان، والحصار قائم على الدعم المالي والكهربائي والخدماتي والإعماري، فإن موقف الحزب المتشدّد لن يغيّر في واقع الأمر السيئ شيئاً، سوى ربما مزيداً من التصعيد السياسي والعسكري، الذي لن يؤدي الى نتيجة فعلية سوى تأخير الحلول للمشكلة بدل تسهيلها. فهل هذا ما يريده الأميركي؟ وهل يستطيع فعلاً المضي في حلوله للمنطقة من دون حل مشكلة لبنان مع الاحتلال الإسرائيلي؟