اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
في مفارقة قانونية وأخلاقية لافتة، تواجه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني وعدد من وزرائها دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة التواطؤ في جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في غزة، عبر دعمهم العسكري واللوجستي للاحتلال الإسرائيلي، في وقت يذكر فيه العالم بأن روما هي مهد 'نظام روما الأساسي' المؤسس للمحكمة ذاتها.
هذا التطور يكشف عن انهيار أخلاقي عميق في السياسة الإيطالية، حيث باتت الدولة التي طالما تباهت بدورها في إرساء نظام العدالة الدولية، تواجه اتهامات رسمية بالتورط في جرائم ضد الإنسانية. فالدعوى التي قدمتها منظمة 'محامون وقانونيون من أجل فلسطين'، ووقعها أكثر من 50 خبيراً، تعد ضربة قاسية لصورة إيطاليا دوليا، وتفضح تناقضا صارخا بين مبادئها المعلنة وممارسات حكومتها.
تتناقض مع إرثها القانوني
ويرى عصام عاروري، المدير العام لمركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، أن رئيسة الوزراء الإيطالية تواجه وضعا قانونيا وسياسيا صعبا داخل إيطاليا، في ظل موجة التضامن العالمي، وهي تخترق الطلبات الصادرة من محكمة العدل الدولية بعدم إسناد الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب الإبادة.
وأوضح عاروري في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن هناك قضايا مرفوعة أمام القضاء الإيطالي نفسه تؤكد أن الحكومة تخالف القانون الإيطالي. ولفت إلى أن روما هي بلد المنشأ لنظام المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك فإن وضع رئيسة الوزراء الإيطالية حرج جدا أمام هذا التناقض، حيث إن عاصمتها منشأ نظام جنائي دولي، وهي في ذات الوقت تخترق هذا النظام وتؤيد أنظمة إبادة.
وتوقع القانوني الفلسطيني (مؤسسته تشارك مع مؤسسات أخرى في رفع الدعاوى للمحاكم الدولية) أن تمتد هذه الدعاوى لدول أخرى خصوصا في أوروبا لتواطؤ مسؤولين فيها في استمرار التعاون، لا سيما العسكري، مع الاحتلال الإسرائيلي، وهم يعلمون بجرائم الإبادة وواصلوا تزويد (تل أبيب) بالسلاح، خصوصا الأسلحة الهجومية.
وأشار إلى أن ملاحقة مقدمي الدعم لمجرمي الحرب في المحاكم الدولية والوطنية جزء من جهد مهم للحد من الجرائم المقترفة على الأرض، وهذه خطوة مهمة غير مسبوقة، ستكون نتائجها واضحة على كثير من قرارات مسؤولي الاحتلال، وستحد من دعمهم اللامحدود من جهات وشخصيات عدة في العالم.
الملاحقة تطال سياسة لا أفراد فقط
ويقول د. حامد الصراف، الخبير في الشؤون السياسية من هولندا، إن ملاحقة إيطاليا في المحكمة الجنائية الدولية أصبحت واضحة، سواء من قبل المسؤولين أو من الشارع الإيطالي، حيث بات الكل في مرمى العدالة الدولية.
وأوضح الصراف في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن الأسباب الحقيقية لإقامة الدعوى ضد المسؤولين الإيطاليين ثلاثة: أولا، تقديم دعم عسكري أو لوجستي لـ(إسرائيل)، ثانيا، العلم المسبق بجرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، دون وجود رادع للحكومة الإيطالية للتوقف عن هذا الدعم، وثالثا، التواطؤ مع سياسة منهجية، فهناك توجه مقصود وتدخل ضمن إطار سياسة حكومة وليس تصرفا شخصيا من قبل هذا المسؤول أو ذاك.
وأكد أن هذه الاتهامات تمثل إساءة لدولة بأكملها، وليس فقط للحكومة ورئيسها ووزرائها. مشيرا إلى أن هذه القضية ستؤثر على أداء الحكومة بالتأكيد، لأنها تمس سمعة إيطاليا، التي تعرف كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، واحتضنت مؤتمرات ومواثيق دولية، منها 'ميثاق روما' الذي ينظم العلاقات الدولية، والذي يفترض بإيطاليا أن تلتزم به.
وأشار إلى أن الحراك الشعبي الداخلي سيستثمر هذه الأزمة التي تمر بها حكومة روما، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات القادمة، وهناك جهات مختلفة ستستثمر هذه الأخطاء.
ووصف حرب الإبادة في غزة بأنها تُمثل فضيحة للسياسة الخارجية للدول الأوروبية، ولا سيما في ظل المد الشعبي المتصاعد للتضامن مع القضية الفلسطينية، حيث شهدت الشوارع الأوروبية، وخصوصا الإيطالية، مظاهرات واحتجاجات عارمة بعد رفض الحكومة فرض عقوبات أو الاستجابة لمطالب الشارع، بمنع السفن التي تنقل السلاح والعتاد والمؤن إلى الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد الصراف بأن ميثاق روما، الموقع سنة 1998، يلزم الدول الأعضاء بتطبيق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسها إيطاليا، وأكد أن من غير المستبعد أن تشمل الملاحقات دولا مثل بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، ودولا في الناتو، وربما حتى الولايات المتحدة، رغم عدم توقيعها على الميثاق، لأنها تعد الداعم الأساسي للإبادة بالسلاح والسياسة.
وبدعم دول غربية تتقدمهم أميركا وألمانيا وإيطاليا إلى جانب دول أخرى، ارتكبت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولسنتين إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 67 ألفا شهيد، و170 ألف جريح، ومجاعة أزهقت أرواح 460 غزيا.