اخبار سوريا
موقع كل يوم -قناة حلب اليوم
نشر بتاريخ: ٣ تموز ٢٠٢٥
يتواصل الجدل في أوساط السوريين عموما، والحلبيين خصوصا، حول فكرة إزالة 'تمثال الشهداء' الموجود في ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب، خاصة بعد تحطّم جزء منه أثناء محاولة نقله، فيما تؤكد المحافظة حرصها على سلامته ومحاسبة من تسبب بذلك.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي، مساء أمس الأربعاء، مقطعا مصورا تظهر فيه آلية تحاول نقل التمثال عبر شدّه بأكبال، وهو ما نجم عنه تحطم الجزء العلوي منه.
ولم تقتصر الانتقادات على طريقة النقل، لكن الاعتراضات كانت على الفكرة بحد ذاتها، حيث اعتبرها البعض انتقاصا من رمزية مهمة تمس سكان المدينة، فيما أكد آخرون أن التمثال لا يحمل أية قيمة معنوية، وقال البعض الآخر إنه يرمز لقتلى النظام البائد.
ما الحقيقة في دلالة التمثال؟
قال المفكر السوري يوسف العوض الصويري، لحلب اليوم، إن التمثال بخلاف ما يعتقده كثير من الناس حول كونه رمزا وطنيا، معتبرا أنه يمثل 'شهداء البعث'، أي قتلى النظام البائد وأعوانه من حزب البعث في أحداث الثمانينيات الدامية التي شهدتها المدينة.
وبناء على ما سبق؛ يرى الصويري أنه لا معنى لوجود التمثال 'لأن مابني على باطل فهو باطل'، مضيفا أن 'هذا الحزب جلب لنا الويلات من خيانة الوطن وقتل البشر وتهديم المجتمع قبل تهديم الحجر ومن ثم نهب ثروات البلد'.
وحول المصادر التي اعتمد عليها في رأيه، قال المفكر السوري، لحلب اليوم إنه متأكد من أن الوثائق التي تثبت ذلك محفوظة، مضيفا بالقول: 'لم يتم تدشين أي شيئ في زمان الحكم البائد إلا ما يخص البعث والنظام، وتجاهلوا كل تضحيات الغير'، و'إذا كان في هذا التمثال ٠٠١٪ مما يخص البعث فلا قيمة له'.
وأكد أنه 'تخليد لتضحيات عناصر حزب البعث خلال المواجهات مع الإخوان المسلمين بحلب، وتُقدم اليوم على أنها “انتصار للبعث” وقتها.. بالتالي، التمثال يمثّل سردية السلطة وليس الشعب، ووجوده بهيئة “نصب وطني جامع” هو تزوير للذاكرة الجمعية، ومحاولة لفرض رموز الاستبداد على ساحات عامة لا تمثّل كل السوريين'.
والتمثال من صُنع النحّات السوري عبد الرحمن مؤقت في العام 1985 في ساحة سعد الله الجابري وهو مصنوع من حجارة المدينة الصفراء، ويعتبره البعض من رموز المدينة.
ويرى العديد من النشطاء والمثقفين أن هذا الاعتقاد السائد غير دقيق، حيث يقول أحمد مصري إنه ليس من الآثار التاريخية فهو يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين، منوها بأنه 'لم يجد – حتى الآن – مرجعًا موثقًا يوضح من هم “الشهداء” الذين يُفترض أن التمثال يخلدهم: هل هم شهداء النضال ضد الاحتلال الفرنسي (بعد مايقارب ال ٤٠ عاما)؟ أم شهداء في سياق آخر؟'.
أما من الناحية الرمزية، فيرى مصري أن التمثال 'لم يكن واضح الحضور في الوعي البصري لجمهور المدينة، وأنا – ومعي كثير من أهل حلب – لم نكن نعرف تفاصيله، بل بالكاد التفتنا له قبل بدء أعمال التأهيل الأخيرة في الساحة. وهذا يطرح تساؤلاً مشروعًا: هل يمكن اعتبار التمثال “رمزًا” من رموز المدينة إذا لم يكن له هذا الحضور الرمزي أو الثقافي؟'.
وأضاف أن 'كل ساحات العالم تشهد إعادة تصميم وتطوير مستمر، وهذا أمر صحي وطبيعي. لكن ما يؤسف له هو طريقة الإزالة التي تمت بشكل غير مدروس، على الرغم من تصريحات سابقة ذكرت نية “الحفاظ” على التمثال'.
المحافظة توضّح موقفها
قال محافظ حلب المهندس 'عزام الغريب' عبر تصريح على منصة X: إنه 'تابع بأسف المشاهد التي أظهرت الخلل في نقل 'تمثال الشهداء' بساحة سعد الله الجابري'، مؤكدا أن 'ما جرى غير مقبول وسنحمّل المسؤولية للجهة المنفذة المخالفة للمعايير'، حيث أن 'نقل المجسم تم بموافقة رسمية ضمن خطة تأهيل الساحة وتحويلها لفضاء ثقافي، وبعض الأهالي طالبوا بإزالته لارتباطه بمرحلة مؤلمة من تاريخ المدينة'.
وشدّد على أن 'نقل التمثال كان قرارًا إداريًا لا يحمل أي خلفيات أيديولوجية'، متعهّدا بمساءلة فورية لمحاسبة المقصرين في تنفيذ عملية النقل، و'بترميم التمثال المتضرر تمهيدًا لحفظه في المتحف'.
كما لفت إلى أن المحافظة ستطلق مسابقة فنية لتصميم 'بديل يحمل رمزية تعبر عن ذاكرة حلب'، لافتا إلى أنها 'تولي أهمية لتاريخ المدينة وتحرص على تنفيذ مشاريعها باحترام وكفاءة'.
من جانبه قال ملهم عكيدي، معاون محافظ حلب، في منشور على صفحته بموقع فيس بوك، إن 'ما جرى في ساحة سعد الله الجابري من مشهد سقوط التمثال خلال محاولة نقله، لم يكن مجرد خطأ تقني فقط، بل كان مشهداً محرجاً، محزناً لا يليق بحلب وأهلها.. من المهم أن نوضح أن قرار نقل التمثال لم يكن بدافع عقائدي يراه صنماً تجب إزالته، ولا خضوعاً لحسابات تجارية تستهدف استرضاء مستثمر، بل استند إلى رؤية تهدف لإعادة ساحة سعد الله الجابري إلى دورها الطبيعي: ساحة عامة نابضة بالحياة، تقام فيها الفعاليات الثقافية والشعبية والمناسبات الوطنية'.
ولفت إلى أن 'الجهة المسؤولة عن النقل قدمت دراسة هندسية تؤكد إمكانية تنفيذ العملية دون التسبب بأي ضرر للتمثال، ولكن ما رأيناه يعاكس الشروط التي وضعت لتنفيذ عملية النقل وهي السلامة الفنية والانشائية واحترام الذاكرة الجمعية لأهل المدينة'، مضيفا أن 'هذا الخطأ يجب أن لا يمر دون مساءلة'.
وكانت 'محافظة حلب' قد أطلقت فعاليات مدنية وتطوعية ضمن حملة 'لعيونك يا حلب'، في 30 من حزيران الماضي، ضمن ساحة سعد الله الجابري ذات الرمزية المهمة بالمدينة.
وبيّنت مديرية الآثار والمتاحف في حلب، أنها لا تنوي تدمير التمثال، بل – على العكس من ذلك – تهدف إلى 'الحفاظ على قيمته الفنية'، وقالت في بيان نشرته معرفات محافظة حلب الرسمية، إنها نقلت 'تمثال الشهداء' إلى مكان آخر لهذه الغاية، ليصار بعد ذلك إلى ترميمه وصيانته من قبل مختصين فنيين.
وأضافت أن هذا الإجراء يهدف لأن تكون الساحة مهيئة ومناسبة لإقامة الفعاليات والنشاطات الشعبية خصوصا بعد حجب التمثال لجزء من الرؤية على الشاشة الرئيسية التي تم تركيبها في الساحة مؤخرا.
لكن ظهور صور للتمثال محطما أثارت الكثير من الأقاويل حول الموضوع، فيما طالب آخرون مجلس المدينة بفتح تحقيق شفاف بالحادثة ومعاقبة المسؤولين عنها، بعد إشاعات عن تدمير مقصود للنُصُب.
ولم يكن الجدل حول التمثال وليد اليوم، فقد أثار اقتراح إزالته ضجة على مواقع التواصل، منذ شهر آذار الماضي، حين قالت “الشركة السورية التركية القابضة – شركة إعمار سوريا” إنها تعمل على مشروع تجميل ساحة سعد الله الجابري، وتعد التصاميم بالتشاور مع كلية الهندسة المعمارية بجامعة “حلب”.
وأوضحت حينها وجود مقترحين تمّ تقديمهما إلى محافظة حلب، أحدهما يحفاظ على 'نصب الشهداء' والآخر يقترح إزالته، وكان من المفترض حينها أن يقرر ذلك محافظ حلب، وقد بدأت أعمال الإصلاح وتجميل الساحة في وقت سابق، لحين دراسة موضوع التمثال وإمكانية استبداله برمز يخص المدينة.