اخبار سوريا
موقع كل يوم -الوكالة العربية السورية للأنباء
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
حماة-سانا
وسط الركام والتحديات، ينهض محصول الفستق الحلبي من جديد كرمز للهوية الزراعية في سوريا، لم يعد مجرد محصول بل تحوّل إلى سردية وطنية تختصر صمود الأرض والناس، وبينما تشهد بعض المناطق السورية محاولات جادة لإحياء هذه الزراعة، يبرز سؤال محوري: هل يمكن للفستق الحلبي أن يلعب دوراً إستراتيجياً في إنعاش الاقتصاد المحلي؟
جذور التاريخ.. الفستق الحلبي من الماضي إلى الحاضر
الفستق الحلبي ليس وليد السنوات الأخيرة، بل يعود تاريخه في سوريا إلى أكثر من 1500 عام، في مدن مثل مورك ومعرة النعمان وسراقب، كانت هذه الشجرة تشكل جزءاً أساسياً من هوية الأرض والمجتمع المحلي.
سوريا كانت ضمن أكبر أربع دول منتجة للفستق عالمياً قبل عام 2011.
يُصدّر الفستق السوري إلى أسواق الخليج وأوروبا وكان يُعرف بجودته الفائقة وطعمه المميز.
لكن هذا الإرث واجه منعطفاً مأساوياً مع اندلاع الحرب، إذ تعرضت آلاف الهكتارات للتدمير والنزوح والإهمال.
أثر الحرب.. الزراعة في عين العاصفة
لا يمكن الحديث عن الفستق الحلبي دون التطرق إلى الأثر الكارثي للحرب:
تفخيخ الأراضي الزراعية، ما جعل الوصول إليها أمراً محفوفاً بالمخاطر.
نزوح أعداد كبيرة من المزارعين، وفقدان الأيدي العاملة المتمرسة في الزراعة.
انهيار البنية التحتية الزراعية، وغياب الدعم الفني واللوجستي.
في ريف حماة على سبيل المثال، تم تسجيل دمار أكثر من 60% من الأشجار المثمرة بين 2012 و2017.
بصيص أمل.. خطوات نحو الإحياء
ورغم الصعوبات، بدأت مبادرات فردية وجماعية بمحاولات لإعادة زراعة الفستق:
في منطقة كفرزيتا، زرع مزارعون أكثر من 1200 شجرة فستق في عام واحد، بدعم من المغتربين السوريين.
ظهرت تعاونيات محلية تجمع المزارعين لتبادل الخبرات وتأمين المستلزمات الزراعية.
الجامعات السورية بدأت بإطلاق برامج تدريبية حول الزراعة الحديثة، لتأهيل جيل جديد من الفنيين.
ما يميز الفستق الحلبي أنه محصول يتحمل الجفاف نسبياً، ما يجعله مثالياً للأراضي السورية، خصوصاً مع شحّ المياه وتغيرات المناخ.
الاقتصاد المحلي.. أرقام تتحدث
يعد الفستق الحلبي أحد أكثر المحاصيل ربحية، إذ يتجاوز سعر الكيلو الواحد في بعض الأسواق العالمية 30 دولاراً، هذا يعني:
إمكانية كبيرة لرفد خزينة الدولة بموارد مالية جديدة عبر التصدير.
خلق فرص عمل في مجالات الزراعة، والتعبئة، والتسويق الداخلي والخارجي.
تحفيز الصناعات الغذائية المحلية مثل الحلويات والمكسرات والمعلبات.
لكن هذا لا يتحقق إلا في حال توفرت البيئة المناسبة للنمو والاستقرار.
العقبات.. بين الواقع الميداني والتحديات المؤسسية
من أبرز المعوقات التي تواجه قطاع الفستق الحلبي اليوم:
غياب الدعم الحكومي، واقتصار المساعدات على مبادرات ضيقة.
ضعف شبكات النقل والتوزيع، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج.
كما أن الإجراءات البيروقراطية وصعوبة الحصول على التراخيص الزراعية تشكّل حاجزاً أمام الشباب الذين يرغبون بدخول هذا المجال.
خارطة طريق للنهوض
لكي يُكتب النجاح لهذه المحاولات، يجب اعتماد خطة وطنية شاملة:
إعادة تأهيل الأراضي المتضررة عبر فرق مختصة بإزالة الألغام ودراسة التربة.
تأسيس بنك بذور خاص بالفستق الحلبي لضمان جودة الزراعة واستدامتها.
دعم المزارعين بقروض صغيرة وميسرة، وتوفير الإرشاد الزراعي والتقني.
كما يمكن إنشاء شراكات مع مغتربين سوريين يمتلكون الخبرات ورؤوس الأموال، ما يخلق حلقة وصل بين الداخل والخارج.
عودة الفستق الحلبي ليست مجرد حكاية زراعية، بل قصة وطن يسعى للنهوض من رماده، مستنداً إلى إرثه الطبيعي وعبقرية شعبه، وبينما تزرع أولى الأشجار في التربة التي شهدت صراعات دامية، تُزرع أيضًا بذور الأمل التي قد تتحول إلى أساس قوي لنهضة اقتصادية مستدامة.