اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٤ كانون الأول ٢٠٢٥
يكشف مشروع 'ملفات دمشق' كيف حوّل مسؤولون سوريون حياة البشر إلى مجرد أوراق. فشهادات الوفاة الموقّعة من أطباء مستشفيي حرستا وتشرين العسكريين سيئي الصيت، تُدرج سبب الوفاة بشكل شبه موحّد على أنه 'توقف قلبي تنفّسي'. الوثائق تكشف عن قتل ممنهج مارسه نظام الأسد بحق المعتقلين.
انضمّ صحافيون من أنحاء العالم لكشف تفاصيل مروّعة جديدة حول أحد أكثر أنظمة القتل وحشية في القرن الحادي والعشرين: نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
اعتماداً على مجموعة من وثائق وسجلات الاستخبارات السورية السرّية التي حصلت عليها هيئة الإذاعة الألمانية NDR وشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، تكشف تحقيقات 'ملفات دمشق' البنية الداخلية لأجهزة أمن الأسد وصلاتها بحكومات أجنبية ومنظمات دولية.
أمضى الـ ICIJ وNDR و126 صحافياً من 26 منصّة إعلامية شريكة في 20 دولة، أكثر من ثمانية أشهر في تنظيم هذه الوثائق وتحليلها، واستشارة الخبراء، وإجراء مقابلات مع عائلات سورية ما زالت تبحث عن أحبائها الذين اختفوا تحت حكم الأسد.
نحن أمام أكثر من 134 ألف وثيقة مكتوبة باللغة العربية، بحجم يبلغ نحو 243 غيغابايت من البيانات. وتمتد هذه الوثائق على مدى أكثر من ثلاثة عقود، من عام 1994 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2024، وتعود إلى المخابرات الجوية والمخابرات العامة. وقد خضعت هاتان الجهتان الاستخباريتان لعقوبات واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب ممارساتهما الوحشية، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي.
تتضمن المواد مذكرات داخلية وتقارير ومراسلات تكشف تفاصيل العمليات اليومية لشبكة المراقبة والاعتقال التابعة لنظام الأسد، إلى جانب تنسيق هذه الأفرع مع حلفاء أجانب مثل روسيا وإيران، واتصالاتها مع وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل داخل سوريا، كما تشمل مجموعة البيانات شديدة الحساسية أسماء أفراد سابقين في أجهزة الاستخبارات السورية.
بالإضافة إلى ذلك، حصلت NDR وشاركت مع ICIJ وشركائها أكثر من 33 ألف صورة عالية الدقة توثّق، بشكل مروّع، مقتل أكثر من 10,200 معتقل سوري خلال الفترة الممتدة أساساً بين عامي 2015 و2024.
آلة الإخفاء القسري
تكشف السجلات عن سياسة دولة قائمة على الاعتقال الجماعي والإعدام، فخلال حكم الأسد، اعتُقل ما لا يقل عن 150 ألف سوري وتم إخفاؤهم قسرياً، بينما كان النظام يسحق أي شكل من أشكال المعارضة خلال سنوات الحرب.
وبعد سقوط الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأ الأهالي يبحثون في السجون والمشارح عن أي أثر لأقاربهم المفقودين، يدقّقون في كتابات على جدران الزنازين، ويبحثون في المقابر الجماعية، ويقارنون بقايا الملابس، وغالباً ما كانوا يعودون بلا إجابات.
يكشف مشروع 'ملفات دمشق' كيف حوّل مسؤولون سوريون حياة البشر إلى مجرد أوراق. فشهادات الوفاة الموقّعة من أطباء مستشفيي حرستا وتشرين العسكريين سيئي الصيت، تُدرج سبب الوفاة بشكل شبه موحّد على أنه 'توقف قلبي تنفّسي'.
يمثّل كل ملف عائلة تُركت للحيرة، وحياة مُحيت، ونظاماً صُمّم لإخفاء جرائم القتل الجماعي خلف واجهة إدارية. وباستخدام هذه البيانات، تمكّن شركاء “ملفات دمشق” من تقديم أدلة لأهالٍ حول مصير ذويهم المتوفين داخل السجون.
يُعدّ مخزون الصور هذا أكبر مجموعة من صور معتقلين سوريين يحصل عليها صحافيون على الإطلاق. وقد التقطها مصوّرون عسكريون، وتُظهر محتجزين قضوا في مستشفيات النظام وسجونه، حيث تم ترقيم جثثهم وفهرستها بدقة بيروقراطية، ومن بين الصور الموجودة في الأرشيف صور للناشط البارز مازن الحمادة. ولم يكن للرأي العام السوري أي علم بوجود هذه الصور حتى الآن.
أجرى فريق من الصحافيين من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) وشبكة NDR وصحيفة زود دويتشه تسايتونغ، تحليلًا معمّقًا لعينة من مئات الصور. وأظهر التحليل أن الضحايا في غالبيتهم بدت عليهم علامات التجويع وآثار الأذى الجسدي، وكان كثيرون منهم عراة.
تكشف صور 'ملفات دمشق' أنه بعد وفاة كل معتقل، كانت الجثث تُنقل وتُصوَّر وتُفهرَس. وفي معظم الحالات، كان يُكتب رقم المعتقل على بطاقة بيضاء تُوضَع على الجسد، أو يُكتب بالأسود على الذراع أو الساق أو الجذع أو الجبين، أو يُضاف لاحقًا فوق الصورة.
وكان مصوّر عسكري، ينتعل حذاءً مطاطيًا أو أغطية جراحية بلاستيكية فوق حذائه، يلتقط صور الجثة من زوايا عدة، ثم يحفظ هذه الصور في مجلدات رقمية منظّمة بدقة.
أُرسلت هذه الصور بشكل مستقل إلى السلطات الألمانية، التي تتصدر الجهود الدولية لملاحقة أعضاء سابقين في نظام الأسد، كما باتت الصور بحوزة المركز السوري للدراسات والأبحاث الثانونية، وهو منظمة ألمانية توثّق الانتهاكات الحقوقية.
وحيثما ظهرت أسماء المعتقلين على جثامينهم، استخرجها كل من ICIJ و NDR، ثم شاركت NDR المعلومات مع ثلاث جهات لمساعدة العائلات في التعرف على أقاربهم المفقودين: 'الهيئة المستقلة للأمم المتحدة لشؤون المفقودين في سوريا' و'الشبكة السورية لحقوق الإنسان' و'تعافي'، وهي مبادرة تدعم ناجين من الاعتقال والتعذيب.
أموال الأمم المتحدة
تكشف وثائق 'ملفات دمشق' استفادة نظام الأسد من علاقاته مع وكالات تابعة للأمم المتحدة كان يفترض أن تقدّم المساعدات للمدنيين السوريين. فخلال سنوات الحرب، دفعت هذه الوكالات ما لا يقل عن 11 مليون دولار لشركة أمنية سورية خاصة كُلّفت بحماية مكاتب الأمم المتحدة، ليتبيّن الآن أن هذه الشركة مملوكة من أجهزة استخبارات الأسد وتخضع لسيطرتها.
على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها منظمات حقوقية عام 2022 بشأن ارتباط الشركة بالنظام، استمرّ التعاقد معها لعامين إضافيين، ما أدى إلى ضخّ ملايين الدولارات لصالح الجهات نفسها المتّهمة بتعذيب السوريين وقتلهم.
كما تكشف إحدى المذكرات التي عثر عليها فريق التحقيق والصادرة عن وزير الخارجية آنذاك فيصل المقداد، أن النظام كان يتوقع من موظفي شركات الأمن السورية التجسّس على موظفي الأمم المتحدة لصالح أجهزة الاستخبارات السورية.
استناداً إلى الوثائق والسجلات المرتبطة بها، أعدّ الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) وشركاؤه قائمة مفصّلة بأصول رجل الأعمال السوري وعضو عائلة الأسد رامي مخلوف داخل سوريا وخارجها.
سجلّ من الرعب
يكشف مشروع 'ملفات دمشق' البنية الكاملة لغرف التعذيب التابعة لنظام الأسد بتفاصيل مروّعة. ويوفّر أدلّة جديدة عن كيف عملت مؤسسات الأمن التابعة للأسد كـآلة قتل موحّدة، بالإضافة إلى مساهمة التجاهل الدولي ونظام المساعدات المعيب وتدفّق الأموال في إبقائها قائمة.
المؤسسات الحقوقية السورية التي يمكن لأهالي الضحايا التواصل معها هي:
'المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية'، وهو منظمة ألمانية توثّق الانتهاكات الحقوقية. أيضاً شاركت NDR المعلومات مع ثلاث جهات لمساعدة العائلات في التعرف على أقاربهم المفقودين: 'الهيئة المستقلة للأمم المتحدة لشؤون المفقودين في سوريا' و'الشبكة السورية لحقوق الإنسان' و'تعافي'، وهي مبادرة تدعم ناجين من الاعتقال والتعذيب.
Photo credits: NDR and ICIJ
Illustrations on cover: ICIJ – Molly Crabapple




































































