اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ١١ كانون الثاني ٢٠٢٥
بعد سقوط نظام الأسد، أصبح قطاع التعليم الجامعي في سوريا واحداً من أكثر القطاعات تأثراً، حيث وجد آلاف الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات التي كانت تحت سيطرة النظام أنفسهم فجأة في مواجهة انقطاع مفاجئ للعملية التعليمية، توقفت الدراسة، وتأجلت مواعيد الامتحانات، وتعطلت فرص التسجيل للفصل الدراسي الجديد.
هذا التوقف وضع الطلاب في حالة من الضياع، وباتت تتردد عشرات الأسئلة والاستفسارات على ألسنتهم، خاصة أولئك الذين كانوا قريبين من التخرج، بالإضافة إلى الطلاب الذين اضطروا لترك مقاعد الدراسة نتيجة مشاركتهم في الثورة السورية.
في هذا التقرير نسلط الضوء على واقع التعليم الجامعي في سوريا، مع التركيز على تجربة عدد من الطلاب الذين تأثرت مسيرتهم التعليمية بعد انهيار النظام، بالإضافة إلى الخطوات التي باشرت الحكومة السورية الجديدة في اتخاذها بشأن إصلاح قطاع التعليم.
تجارب شخصية للطلاب
الطالب خالد، الذي كان يستعد لتقديم امتحانات السنة الثالثة في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، قال في حديث لموقع تلفزيون سوريا: 'نحن في حالة انتظار وترقب، ولا نعلم ما إذا كانت العلامات التي حصلنا عليها خلال السنوات الماضية ستبقى معتمدة، أو إن كانت ستعاد عملية التقييم بالكامل، وهذا ما يشغل بالنا حالياً'.
ومن بين القضايا الحساسة التي تشغل الطلاب أيضاً، مصير الاعتراف بالشهادات التي حصلوا عليها أو التي سيحصلون عليها من الجامعات في المرحلة الانتقالية. إذ يضيف خالد: 'بعد سنوات من التعب والدراسة، نأمل أن يتم الاعتراف بشهاداتنا دولياً دون عوائق، ونرجو أن يكون لدينا الحق في العمل داخل سوريا وخارجها'.
كما طالب خالد بإلغاء الامتحان الوطني الموحد، لأنه لا يقدم أي فائدة عملية، وأسئلته تعجيزية تهدف إلى عرقلة حصول الطلاب على شهاداتهم وممارسة مهنتهم، داعياً إلى استبدال هذا الامتحان بمعسكرات تدريبية بعد التخرج لتأهيل الطلاب للدخول إلى سوق العمل ومنحهم خبرة عملية.
أما الطالب محمد، فقد أشار إلى أن بعض الطلاب يعانون من عدم قدرتهم على الانتقال إلى الجامعات التي توجد في مناطقهم، وتساءل: 'لماذا لا يكون هناك تساهل أكبر في نقل الطلاب بين الجامعات؟ على سبيل المثال، طالب مقيم في دمشق وجامعته في اعزاز، ما الداعي لأن يسافر كل هذه المسافة بينما جامعة دمشق قريبة منه؟ وأيضاً أبناء مدينة حلب وريفها، لماذا يضطرون للسفر إلى اعزاز التي تبعد ساعات، بينما جامعة حلب على بعد أقل من نصف ساعة؟'.
وأضاف محمد: 'جامعات مثل اعزاز وحلب الشهباء في الدانا يجب أن تُغلق، وعلى الجامعات الكبرى أن تستوعبهم، فمن غير المعقول أن يضطر طلاب هذه الجامعات لدفع أقساط تصل في بعض الأفرع إلى 800 دولار، في حين أن الجامعات المحررة حديثاً مثل حلب ودمشق وحمص تقدم التعليم برسوم لا تتجاوز 10 دولارات'.
من جهتها، قالت الطالبة إيمان، التي تدرس هندسة المعلوماتية في الجامعة الافتراضية السورية: 'واجهت جامعتنا مشاكل عديدة بعد سقوط النظام، أبرزها سرقة أجهزة اللابتوب من مراكزها، ما أثر بشكل كبير على سير العملية الامتحانية، ولا يزال مصير اختباراتنا مجهولاً، خصوصاً بالنسبة للطلاب في المراحل الأخيرة من دراستهم'.
وأشارت إلى أن اختباراتهم العملية، التي تُقدم كمشاريع أو حلقات بحث، كان من المفترض أن تنتهي في 25 كانون الأول 2024، لكنه تم تمديده إلى 5 كانون الثاني 2025، ثم جرى تمديده مرة أخرى إلى 15 كانون الثاني. كما أن هروب بعض أعضاء الهيئة التدريسية بعد سقوط النظام، وعدم التزامهم بالدوام أو الرد على اتصالات الطلاب، زاد من تعقيد المشكلة وترك الطلاب في حالة من الضياع.
وعن وضعها الشخصي، ذكرت إيمان أنها التحقت بالجامعة الافتراضية بسبب عدم تمكنها من التسجيل في الجامعات الحكومية نظراً لقدم شهادتها، لكنها أعربت عن رغبتها في الانتقال إلى جامعة حكومية. وفي حال تعذر الانتقال، طالبت بالاعتراف الكامل بالجامعة الافتراضية السورية ومعاملتها أسوة بالجامعات الحكومية الأخرى، بما يضمن اعترافاً عالمياً بشهادتها.
وزير التعليم العالي يعلّق
قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية الجديدة، عبد المنعم عبد الحافظ، في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا: 'إن الوزارة تعمل على معالجة العديد من القضايا المهمة لإعادة تنظيم قطاع التعليم العالي بعد التغيرات الكبيرة التي شهدتها البلاد'.
وأولى هذه القضايا وفق الوزير هي أن 'وزارة التعليم العالي سوف تعترف بالوثائق والشهادات الصادرة عن الجامعات السابقة، وأنها ستبقى سارية المفعول، مع اتخاذ جميع التدابير القانونية لضمان الاعتراف بها رسمياً دون أي عوائق'.
وأضاف: 'جميع الجامعات الموجودة في المناطق المحرّرة مسبقاً ستكون موجودة في مجلس التعليم العالي، ولا يمكن النقل والتحويل بين الجامعات حالياً بسبب بداية العام الدراسي، ووجود فروقات في الخطط الدراسية ونظام الدوام. وستكون إمكانية التحويل والنقل ممكنة في العام القادم بعد إعادة صياغة القوانين'.
وفيما يتعلق بمصير الطلاب الذين انقطعوا عن دراستهم نتيجة مشاركتهم في الثورة السورية، أشار الوزير إلى أنه تم إطلاق روابط إلكترونية خاصة لاستقبال طلبات هؤلاء الطلاب، ويجري دراسة حالاتهم بشكل تفصيلي لمعرفة أسباب الانقطاع، لا سيما تلك المرتبطة بالظروف الأمنية أو الأحداث التي شهدتها البلاد.
وتابع الوزير: 'أصدر مجلس التعليم العالي قراراً موحداً يهدف إلى تخفيف الإجراءات الإدارية، بما في ذلك إعفاء الطلاب من رسوم الانقطاع لتشجيعهم على العودة إلى الدراسة واستكمال مسيرتهم التعليمية'.
كما شدد على أن الوزارة تضع مكافحة الفساد على رأس أولوياتها، وتشمل محاسبة كل من تورط في تعامل مع الأجهزة الأمنية السابقة عبر إحالتهم إلى القضاء، إلى جانب تنظيف القطاع من بقايا النظام البائد، وترميم الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التعليمية خلال السنوات الماضية.
وتعهد الوزير بالعمل على استعادة مكانة الجامعات السورية، مثل جامعات دمشق وحلب، على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى دعم الكوادر الأكاديمية من خلال توفير بيئة تعليمية مستقرة وفتح قنوات تواصل مع الخبراء داخل سوريا وخارجها لتبادل الأفكار ووضع خطط تطويرية شاملة.
تسهيلات عودة الطلاب المنقطعين
بدوره، قال الطالب بلال لموقع تلفزيون سوريا، إن سقوط النظام منحه فرصة لاستكمال دراسته في كلية الحقوق، التي اضطر لتركها عام 2012 بسبب انخراطه في الثورة السورية، إذ تخلى عن دراسته في جامعة حلب خشية الاعتقال والملاحقات الأمنية.
حكومة الإنقاذ: استئناف الدوام في جامعة حلب قريباً بعد التحضيرات المكثفة
وأضاف بلال: 'كنت في السنة الثالثة بكلية الحقوق عندما تركت الدراسة، وبعد تهجيرنا من حمص إلى الشمال السوري عام 2018، حاولت الحصول على كشف علامات من جامعة حلب للتسجيل في جامعة حلب الحرة في مدينة اعزاز، لكن التكلفة كانت باهظة، وطلب مني أحد السماسرة 900 دولار لإتمام الإجراءات، وهو مبلغ لم أكن أستطيع تحمّله'.
وتابع: 'خلال السنوات الماضية لم يُقدّر لي أن أكمل دراستي، لكن في الوقت الحالي وبعد صدور القرار الخاص بالطلاب المنقطعين، سأعود قريباً إلى جامعتي لاستكمال دراستي وتحقيق حلمي الذي لطالما بدا بعيد المنال'.
وأصدرت وزارة التعليم العالي في 1 كانون الثاني الجاري قراراً يسمح للطلاب المنقطعين عن الدراسة في الجامعات والمعاهد العامة والخاصة منذ عام 2011 بالتقدم بطلبات العودة إلى قيدهم السابق واستكمال دراستهم.
وبدأ استقبال الطلبات من 5 كانون الثاني 2025 ويستمر حتى 6 شباط 2025 وفق نموذج محدد. ويشمل القرار جميع المنقطعين لأسباب متعلقة بالثورة، ويشترط تقديم إثباتات رسمية، مع مراعاة فترة الانقطاع في تسوية الرسوم والمقررات الدراسية.
وحول الأوضاع في جامعة حمص (البعث سابقاً)، التي بدأت فيها امتحانات العملي للطلاب الأحد الماضي 6 كانون الثاني، قالت الطالبة مروة، التي تدرس الأدب الإنجليزي، لموقع تلفزيون سوريا: 'وفرت لنا قوات الأمن العام خلال اليوم الأول من الامتحانات باصات نقلتنا إلى الجامعة وأعادتنا مجاناً، لكن في اليوم التالي فُرضت أجرة بلغت 12 ألف ليرة للذهاب ومثلها للإياب، وهي أقل من الأجرة المعتادة'.
وأوضحت مروة أن الأمن العام نشر العديد من الحواجز على طريق الجامعة لحماية الطلاب، ما أعطانا شعوراً بالراحة النفسية والأمان. وعند بوابة الجامعة كان عناصر الأمن يسمحون لحاملي البطاقات الجامعية فقط بالدخول، أما الذين لا يحملونها، فكان يُطلب منهم ترك هوياتهم عند المدخل قبل الدخول.
وحول تقييمها للوضع العام خلال يومها الأول، أشارت إلى أن الأجواء داخل الجامعة 'شهدت تغييرات كبيرة للأفضل، حيث تحسنت مستويات النظافة والانضباط. كما تم إنشاء غرف مخصصة كمصلّى للشبان وأخرى للفتيات، وجرى استبدال عدد من الكوادر الإدارية العليا، بينما بقي بعض الموظفين القدامى في مواقعهم. كما أُغلقت البوابة الرئيسية لفترات طويلة، وصار يُبث القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت'.
وفيما يتعلق بالعملية التعليمية، أضافت مروة: 'قدّمت حلقة البحث كما هو مطلوب، ولكن حتى الآن لم تبدأ الامتحانات النظرية، التي من المقرر أن تنطلق في 2 شباط وتستمر حتى 6 آذار المقبل'.