اخبار سوريا
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
ربما لم تعرف الشوارع السورية منذ سقوط حكم بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، احتفالات كتلك التي شهدتها يوم الثلاثاء.
مشاهد البهجة التي عمت مدنا سورية عدة جاءت عقب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من العاصمة السعودية الرياض رفع العقوبات التي تفرضها بلاده على دمشق، ما شكل تحولا قد يعيد رسم المسار الاقتصادي للبلاد التي أنهكتها الحرب.
ما هي العقوبات الأمريكية على سوريا؟
بدأت العقوبات الأمريكية على سوريا عام 1979، عندما أُدرجت دمشق على أول قائمة استحدثتها الولايات المتحدة لما وصفته بـ 'الدول الراعية للإرهاب'.
وقد ترتب على هذا التصنيف فرض قيود على المساعدات الأمريكية لسوريا، وحظر بيع أسلحة لها، وإخضاع معاملات البنوك الأمريكية مع الحكومة السورية والكيانات المملوكة لها لضوابط مشددة، فضلاً عن فرض عقوبات على عدد من المسؤولين والكيانات الحكومية السورية.
شهد عقد التسعينيات فتح صفحة جديدة من العلاقات الغربية مع سوريا، نظراً للتحولات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة آنذاك والموقف السوري منها.
الأكثر قراءة نهاية
رغم هذا، يؤكد رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في 'كلية سميث'، ستيفن هايدمان، أن التوتر بقي السمة الأبرز للعلاقة التي ربطت واشنطن بالرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، وابنه بشار من بعده.
وفي عام 2005، مرر الكونغرس الأمريكي 'قانون محاسبة سوريا'، بعد اتهامها بالسماح باستخدام أراضيها من قبل من وصفوا بالإرهابيين لتقويض استقرار العراق ولاحقا لبنان.
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي على واتساب.
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
تضمّن القانون فرض قيود على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى الولايات المتحدة، وتوسيع العقوبات بحق عدد من المسؤولين السوريين.
لكن استيراد السلع من سوريا، بما فيها المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، بقيتا خارج نطاق العقوبات التي أقرها القانون، وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الأمريكية في سوريا التي لم يطلها المنع.
وجاء التحول الحقيقي في العقوبات بعد اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، والقمع الحكومي لها. إذ تم فرض عقوبات أكثر شمولا وتشددا استهدفت قطاعات حيوية، مثل النفط والغاز والطيران، والقطاع المصرفي بما فيه المصرف المركزي، فضلاً عن فرض قيود على تصدير سلع أساسية وتكنولوجية إلى سوريا.
إلّا أن التغير الأكبر جاء مع نهاية عام 2019، عند إقرار الكونغرس الأمريكي قانون 'حماية المدنيين السوريين' الذي عرف بقانون قيصر، تيمناً بالاسم الحركي الذي اتخذه مصور عسكري سوري، انشق عن النظام وشارك صوراً تظهر جثث الآلاف ممن قضوا تحت التعذيب في سوريا.
ويرى هايدمان أن القانون مثل تحولاً كبيراً في العقوبات الأمريكية على سوريا، وطريقة تعاطي واشنطن مع هذا الملف، إذ تضمن توسيع إطار العقوبات لتشمل 'عقوبات ثانوية'، لا تعاقب الحكومة السورية فحسب بل تستهدف كذلك المتعاملين معها.
ما العقوبات التي سيتم رفعها ومتى؟
ليس من الواضح حتى الآن أي العقوبات التي سيتم رفعها، ووفق أي إطار زمني.
يقول الخبير الاقتصادي السوري الدكتور، كرم الشعار، إنه ما زال هناك كثير من الغموض حول الأمر. ويشير إلى استخدام ترامب لكلمة وقف أو تعليق العقوبات، وليس رفعها خلال خطابه في الرياض يوم الثلاثاء.
يرى الشعار أنه 'ما زال هناك حديث اليوم عن مطالب يتعين على سوريا تنفيذها'، وهذا يطرح سؤالا حول إعلان ترامب، فهل قدمت سوريا شيئا مقابل هذا الإعلان، وما هو هذا الشيء؟
خلال خطابه، أشار ترامب إلى أن قراره بخصوص العقوبات على سوريا جاء بعد حديثه إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وحث الأخير له على النظر في الأمر.
ويرى رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في 'كلية سميث' ستيفين هايدمان أن حديث ترامب عن رفع العقوبات، خلال وجوده في الرياض، كان بهدف إظهار تجاوبه مع ' المخاوف التي أثارها مستضيفوه معه بخصوص تخفيف العقوبات'، مشيرا إلى أن هذا أمر إيجابي 'لكن الأهم، هو ما يفعله ترامب عند عودته إلى واشنطن'.
وبكل الأحوال سيكون بإمكان ترامب رفع العقوبات، التي تم فرضها من قبل السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، بشكل فوري عبر إصدار 'أمر تنفيذي' .
لكن رفع العقوبات التي تم سنها كقوانين عبر الكونغرس الأمريكي قد يستغرق وقتا أطول، لأنه بحاجة لتصويت في الكونغرس.
يندرج قانون 'قيصر'، الذي يتضمن عقوبات ثانوية على المتعاملين مع سوريا، ضمن العقوبات الأمريكية المفروضة من قبل الكونغرس.
ويشير الدكتور، كرم الشعار، إلى أنه يمكن لإدارة ترامب تمديد الرخصة الخاصة التي أصدرتها إدارة جو بايدن نهاية العام الماضي، وتضمنت إعفاءات تسمح ببعض الأنشطة الاقتصادية الخاضعة للعقوبات، وتوسيع نطاقها ريثما يتم إقرار رفع العقوبات بشكل دائم.
ما الأثر الذي سيتركه رفع العقوبات على حياة السوريين؟
عقب ساعات فقط من إعلان ترامب عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، سجلت أسعار صرف الليرة السورية تحسنا ملحوظا، لتصل إلى نحو 6 آلاف ليرة للدولار الواحد، مقابل 11 ألف ليرة للدولار قبل إعلان ترامب.
ويرى الدكتور الشعار أن هذا التحسن يندرج ضمن إطار الأثر النفسي والسياسي لرفع العقوبات، فيما لن يكون من الممكن لمس الأثر الاقتصادي الحقيقي لرفع العقوبات قبل أشهر.
ويعتقد الشعار أن القطاع المصرفي سيكون الأكثر تأثرا برفع العقوبات، مشيرا إلى أن العقوبات الثانوية منعت 'حتى السوريين من المساهمة في إعادة بناء بلدهم' وهو ما سيتغير في حال رفعها.
أدت العقوبات إلى عزل سوريا عن النظام المالي العالمي، ما تسبب في خنق التجارة والاستثمار، بل وأعاق في بعض الأحيان عمل المساعدات الإنسانية الأساسية.
فالعقوبات الأمريكية شكلت 'العائق الأكبر أمام المشاركة الدولية في تعافي الاقتصاد السوري'، بحسب هايدمان.
ومن شأن رفع العقوبات أن يفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي، وإعادة سوريا إلى الخريطة الاقتصادية الإقليمية والدولية. كما يمنح رفع العقوبات داعمي سوريا في المنطقة، مثل السعودية وقطر، ضوءا أخضر لبدء ضخ الأموال وتقديم الدعم المالي لدمشق.
ماذا عن العقوبات الأخرى؟
إلى جانب العقوبات الأمريكية، تخضع سوريا لعقوبات أممية ترتبط بالتصنيف الإرهابي لهيئة تحرير الشام، التي كان يرأسها الشرع. ورغم أن الهيئة أعلنت حل نفسها مطلع العام الجاري، إلا أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان هذا التصنيف سيقف عائقا أمام الانخراط الدولي في سوريا.
هناك أيضا العقوبات الأوروبية، التي تم فرضها على سوريا بشكل متزايد بعد عام 2011.
وقد سبقت الدول الأوروبية الولايات المتحدة في البدء بتعليق عقوباتها على سوريا.
وتبنى الاتحاد الأوروبي نهجا يقضي بتعليق تدريجي ومشروط للعقوبات، مع إمكانية إعادة فرضها في أي وقت.
ففي فبراير/ شباط الماضي، أعلن الاتحاد تعليق العقوبات المفروضة على عدد من القطاعات الحيوية في سوريا، بما فيها قطاع الطاقة والنقل. كما قام الاتحاد برفع تجميد الأموال والأصول المفروضة على عدد من البنوك السورية، وبالسماح بتوفير الأموال للبنك المركزي السوري وتقديم بعض الإعفاءات بشأن حظر التعاملات المصرفية مع سوريا
واتخذت المملكة المتحدة خطوات مشابهة.
يعول السوريون كثيرا على الأثر الذي سيحدثه رفع العقوبات على اقتصاد بلادهم ومعيشتهم. فبينما سيستغرق التعافي التام للاقتصاد السوري المنهك شهورا طويلة، يمثل رفع العقوبات خطوة أولى في هذا الطريق.