اخبار سوريا
موقع كل يوم -سناك سوري
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
خلال تواجده في نيويورك ناقش الرئيس 'أحمد الشرع' مع أمين عام الأمم المتحدة 'أنتونيو غوتيريش' دور الأمم المتحدة في مسقبل سوريا، ولم يهتم كثيراً باسم المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا.
أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون استقالته من منصبه بعد خدمة استمرت قرابة 7 سنوات لعب فيها دوراً محورياً في مرحلتين مختلفتين تماماً. في الأولى حافظ على دور الهيئات التمثيلية للمعارضة السورية ودعم وجودها ومنع إقصائها.
وفي المرحلة الثانية بعد إسقاط النظام لعب دور المراقب للعملية الانتقالية والمذكِّر بالمبادئ الأساسية والضرورية للأمم المتحدة في بناء السلام وإدارة المراحل الانتقالية. فحافظ على قضايا ومنع تنحيتها من الشأن العام السوري أو نسيان أولويتها وفي مقدمتها العملية السياسية والمشاركة والإشراك، والمواطنة، دور الدولة ووظيفيتها، وحقوق الإنسان…إلخ.
استقالة 'بيدرسون' تطرح أسئلة حول مَن سيخلفه. هناك عدد محدود من المرشحين المحتملين، أحدهم سويدي الجنسية وهو غالباً مايكون مفضلاً نظراً لاعتبار السويد من الدول الحيادية في الملف السوري. وعادة في الملف السوري يُفضَّل المرشحون من هذه الدول لاعتبارات عديدة، أبرزها عدم قدرة حكومات بلاد المبعوثين أن تؤثر عليهم. لكن المخاوف هنا تكمن من إعادة تدوير مبعوثين عملوا بالمنطقة ولم يحققوا نجاحاً يذكر ولديهم شخصية ضعيفة في دولة تحتاج مبعوثاً سياسياً قويّ الشخصية.
وهناك مرشح مصري أيضاً للعب هذا الدور، وفكرة المبعوث العربي كانت مطروحة في عام 2024 ليكون مشرفاً على مبدأ الخطوة مقابل خطوة التي كان العرب يتبنوه في التعامل مع نظام الأسد آنذاك. لكن كانت المخاوف حينها من أن المبعوثين العرب ربما يتأثروا بدولهم وبدول المنطقة وأنه اذا اختير المبعوث بناءً على المشروع العربي فإنه ربما تغيب أولويات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمشاركة السياسية..إلخ. وهي مخاوف لا يبدو أنها زالت حالياً. لكن المبعوث العربي المطروح قريب من الملف السوري وهو سياسي قوي الشخصية.
وقائمة المرشحين فيها أيضاً 'نجاة رشدي' التي تشغل منصب 'نائبة المبعوث الحالي' واسمها مطروح لتولي منصب المبعوث، أو لعب دور آخر مع الأمم المتحدة في سوريا.
إلا أن دمشق في المحصلة، تفضل المبعوثين العرب. وأحد الدبلوماسيين السوريين وضعَ في الحديث مع الأمم المتحدة اسم مبعوث أردني لهذه المهمة. لكن دمشق فعلياً، مهتمة حالياً بالدور ومهمة المبعوث أكثر من اهتمامها باسمه.
لكن وبالرغم من تغيير الظروف في سوريا يبقى اختيار المبعوث الخاص للأمم المتحدة منوطاً بإجراءات دولية تستدعي موافقة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن أو عدم اعتراضها عليه.
وإن كان الملف السوري لا يبدو موضع خلافٍ دولي كبير حالياً كما في السابق ما يجعل مهمة الأمين العام للأمم المتحدة في اختيار المبعوث القادم أقل استقطاباً من جميع سابقيه. لكن يبقى هناك تحديات أمامه، وعادةً إذا أبدت أي من الدول دائمة العضوية أو الدول الإقليمية المؤثرة في الملف السوري تحفظاً على مرشح، يقوم الأمين العام بسحب اسمه مباشرة.
يدور الحوار بين السلطات السورية وممثلي الأمم المتحدة حول مهمة المبعوث الأممي ودوره في المرحلة الانتقالية، وهو ما كان محور النقاش بين الرئيس أحمد الشرع والأمين العام أنطونيو غوتيريش، وتتابعه وزارة الخارجية حاليًا.
تسعى الأمم المتحدة، ومعها المبعوثون المرشحون الذين تواصل الأمين العام معهم، إلى تثبيت دور سياسي مباشر في الإشراف على المرحلة الانتقالية ومجرياتها، استناداً إلى القرار 2254، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العميقة في المشهد السوري ما بعد إسقاط النظام.
بينما تفضّل السلطات السورية أن يقتصر دور الأمم المتحدة على الدعم الإنساني والتنموي، من دون أن يمتد إلى العملية السياسية والمتابعة أو الرقابة على إدارة المرحلة الانتقالية، الأمر الذي سيحدّ من فاعلية المبعوث الأممي ووظيفته في ضمان إطلاق عملية سياسية في البلاد وبناء سلام مستدام.
في المقابل، يتخذ الاتحاد الأوروبي والمانحون الرئيسيون موقفاً وسطاً بين الطرفين، يقوم على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة شريكاً إشرافياً وضامناً للمرحلة الانتقالية، بحيث تشارك في التخطيط والتنفيذ، وتضمن إشراك جميع القوى والمكونات السورية ومنع أي ممارسات إقصائية أو احتكارية قد تعيد إنتاج الاستبداد وتُقوّض أسس السلام المستدام.
داخلياً، تبدو الحاجة ماسة إلى منطق الأمم المتحدة في إدارة المراحل الانتقالية، لما يمثله من مرجعية قانونية وحقوقية وإنسانية، تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس المشاركة والشفافية والمساءلة.
فحتى الآن، أظهرت السلطات السورية الانتقالية مرونة ملحوظة في التعامل مع الخارج وشركاء المجتمع الدولي، لكنها لم تُقدّم المرونة ذاتها تجاه الداخل. فعلى سبيل المثال، خلال عملية تشكيل مجلس الشعب الانتقالي، لم يُتح للمجتمع المدني السوري مراقبة العملية، بينما فُتح المجال أمام سفراء الدول وبعض مكاتب الأمم المتحدة، ما يعكس الحاجة إلى إطار أكثر شمولًا للمشاركة المحلية.
وفي ظل هشاشة التوازنات الداخلية، تبرز الأمم المتحدة كفاعلٍ لا غنى عنه في حماية جوهر المرحلة الانتقالية، وضمان ألا تنحرف عن المطالب التي خرج السوريون من أجلها: الحرية، والعدالة، والديمقراطية، والمشاركة، والكرامة…إلخ.
ومن هنا تاتي الحاجة لمنطق الأمم المتحدة في المرحلة الانتقالية في سوريا، المنطق الذي يقوم على بناء دولة قائمة على الشرعية الشعبية، وسيادة القانون، والمساءلة، والمشاركة دون إقصاء، دولة تُدار بالمؤسسات لا بالأفراد، وتُؤسَّس على الحقوق والعدالة والمواطنة المتساوية كأساس للسلام الدائم.
وهذا المنطق يحتاج توازناً بين السياسي والإنساني والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي لا يمكن لمبعوث بعقلية undp أن يقود العملية، بل تحتاج مبعوث بعقلية سياسية يفهم الواقع السوري والمنطقة جيداً، ونائب بعقلية undp متطورة ليشكلا ثنائيةً تحتاجها سوريا. فتحول منظور الأمم المتحدة إلى خدمات وغذاء وتنمية فقط يعني فقدان تأثير السياسة والمشاركة السياسية على المرحلة الانتقالية ومستقبل سوريا.
على أن يكون استمرار الدور السياسي للأمم المتحدة لا يشكّل تدخلاً في السيادة، بل ضمانة لتكريسها على أسس جديدة قائمة على المشاركة والمساءلة، وبما يُعيد تعريف الدولة السورية كدولة مواطنين لا دولة أشخاص أو أجهزة.