اخبار سوريا
موقع كل يوم -بزنس2بزنس سورية
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب القاسية تقف سوريا أمام تحد عمراني غير مسبوق حيث تغطي ملايين الأطنان من الأنقاض مدناً وقرى تحولت أحياؤها السكنية إلى أكوام من الخرسانة المكسّرة والحديد الملتوي، ولكن هذه الكتل المهملة بدأت تتحول على أيدي سوريين مخلصين إلى فرصة حقيقية لدعم عملية البناء بطريقة مستدامة وفعالة عبر تدوير الأنقاض لتصبح أملاً جديداً لسوريا المنهكة.
تدوير الأنقاض: حل عبقري متعدد الأبعاد
تشير التقديرات إلى تدمير أكثر من 140 ألف مبنى في عموم البلاد، مما أنتج أكثر من 60 مليون طن من الأنقاض. هذا الرقم يبرز مفهوم 'تدوير الأنقاض' كحل عبقري داعم لإعادة الإعمار، تتبناه قيادة سوريا الجديدة لتجاوز نقص الموارد وتقليل تكاليف استيراد المواد الخام، هذه العملية لا توفر المال فحسب، بل تحمي البيئة، وتقلل الضغط على الموارد الطبيعية، وتسرّع وتيرة الإعمار في بلد يعاني شحاً حاداً في التمويل والمواد.
خطوات عملية على أرض الواقع
منذ الأيام الأولى لتحرير سوريا، لم تنشغل الحكومة السورية فقط بإعادة هيكلة الاقتصاد وترميم العلاقات الخارجية، بل بادرت إلى فتح الباب أمام الاستثمارات في مجال إعادة الإعمار بأساليب مبتكرة، وظهرت أولى النتائج في مدينة حلب، حيث أُنشئ مصنع متخصص لتدوير الأنقاض في حي الحيدرية بالتعاون مع شركة 'آركيش' التركية، باستخدام تقنيات حديثة قادرة على معالجة آلاف الأطنان يومياً وتحويلها إلى مواد بناء جاهزة لمشاريع الطرق والجسور والمباني السكنية.
توسع التجربة نحو المحافظات
نجاح تجربة حلب سيتردد صداه في مدينة حمص، التي نالت نصيباً كبيراً من الدمار، حيث ستبدأ قريباً أعمال الاستثمار في أنقاض أحيائها من الخالدية إلى جورة الشياح وبابا عمرو والقرابيص، أما دير الزور فقد استضافت مطلع الشهر الجاري مؤتمراً موسعاً برعاية وزارة الإدارة المحلية والبيئة، ناقش خطة إعمار تمتد حتى عام 2040، مع التركيز على تدوير الأنقاض كمحور أساسي.
من إزالة المخلفات إلى صناعة وطنية
ويأتي هذا التوجه ضمن جهود حكومية تشاركية مع القطاع الخاص، ظهرت ملامحها في معرض 'إعمار 2025' بدمشق، حيث أعلنت شركات محلية ودولية استعدادها لتقديم خدمات تدوير الأنقاض، ما يعكس تحولاً حقيقياً في النظرة إلى هذا القطاع من مجرد إزالة مخلفات إلى صناعة مربحة ومستدامة.
ورغم المبادرات الواعدة، تواجه عملية تدوير الأنقاض تحديات كبيرة، أبرزها وجود ذخائر غير منفجرة، وضعف البنية التحتية، وغياب التشريعات المنظمة. وكلنا أمل بأن يكون هذا الملف على رأس أولويات مجلس الشعب الجديد، الذي أُجريت انتخاباته مؤخراً، لوضع إطار قانوني واضح ينظم هذا القطاع ويضمن استدامته.
نحو مستقبل أكثر إشراقاً
في المحصلة، لم يعد تدوير الأنقاض خيارا تقنيا فحسب، بل مشروعاً وطنياً بامتياز، ولضمان نجاحه لا بد من إنشاء مصانع متخصصة وتأسيس مركز وطني للبحوث والتدريب وسن تشريعات تعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال وعندها نستطيع القول 'في سوريا الجديدة يتحول الألم إلى أمل والدمار إلى بناء مستدام يضمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة'.
◾بقلم الاستاذ عبيدة عبد الباقي




































































