اخبار سوريا
موقع كل يوم -قناة حلب اليوم
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
تعاني الأسواق في المدن والقرى المدمرة شمال غربي سوريا حالة ركود واسعة تزيد عن نظيرتها في كافة أرجاء البلاد، إلا أن الدمار الواسع جراء الحملة العسكرية الأخيرة التي جرت على المنطقة واقتلاع سكانها منها وعودتهم مؤخرًا، أدت إلى حالة فريدة في الأسواق وحركتها.
وفيما تضررت معظم المهن وخسر الأغلبية الساحقة من التجار بضائعهم ورؤوس أموالهم، فقد باتت العودة إلى تلك المناطق في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي وريف حماة الشمالي والغربي وريف حلب الغربي؛ محفوفة بحالة من المخاطرة وعدم اليقين بالنسبة لأصحاب معظم المهن باستثناء تلك المتعلقة بقطاعي البناء والمعدات الزراعية.
ومع حالة النكبة الواسعة التي تعيشها تلك المناطق، يعمل السكان حاليًا على استصلاح أراضيهم الزراعية وصيانة آبارهم والمضخات من أجل تأمين مياه الري حتى يتمكنوا من زراعة مواسمهم في وقتها، وهذا ما يقتضي شراء معدات جديدة، وهو ما أدى إلى انتعاش سوقها في تلك المنطقة.
أيضًا بات استصلاح ما يمكن من المباني المهدمة شغل السكان الشاغل هناك، ما أدى إلى تحسن قطاع مواد البناء وما يتعلق بها وسط ارتفاع كبير في أسعار المواد وأجور العمال على حد سواء.
يقول خالد أبو أحمد لحلب اليوم، وهو من سكان ريف سراقب الشرقي، شرقي محافظة إدلب، إن ما تبقى بحوزته من أموال لا يكفي لإصلاح بيته ومزرعته، لذا فهو مضطر لاختيار أحدهما، وقد قدم خيار إصلاح المزرعة على المنزل أملًا منه في أن يحصل على موسم زراعي جيد يستطيع من خلاله فيما بعد إصلاح المنزل، وهو ما اقتضى منه شراء مضخة جديدة وشراء عُدد للري وعدد للفلاحة ورش المبيدات الزراعية وما إلى ذلك، الأمر الذي كلفه مبالغ كبيرة تقترب من 20,000 دولار أمريكي.
لقد خسر أبو أحمد مبلغًا كبيرًا جراء الجفاف الشديد الذي ضرب البلاد، حيث إنه جاء إلى أرضه مسرعًا عقب تحرير المنطقة حاله حال كثير من المزارعين ليقوم بزراعتها قبل أن ينقضي الموسم الشتوي، لكن ما تكلف به من بذار وسماد ومبيدات ذهب هباءً منثورًا لأن معدل هطول الأمطار كان قليلًا جدًا وهو الأخفض منذ نحو قرن، وفقًا لما يؤكده كثير من أبناء المنطقة، وبالتالي فقد خسر الكثير من الأموال فضلًا عما خسره في رحلة النزوح المريرة التي عاناها لنحو خمسة أعوام.
من جانبه، يقول أبو خالد، وهو صاحب محل خردوات في معرة النعمان جنوبي إدلب، إن الإقبال يتركز حاليًا على كل ما يتعلق بمواد البناء من الإسمنت إلى المواد الخاصة بالتمديدات الصحية والكهربائية والسيراميك ونحو ذلك، وهو ما أدى إلى ارتفاعها نسبيًا فضلًا عن ارتفاع أجور العمال بسبب زيادة الطلب على اليد العاملة، وهو ما كلف المهجرين مبالغ إضافية زادت من معاناتهم في رحلة محاولة العودة إلى ديارهم المدمرة.
يروي أبو خالد كيف تضررت تجارته بشكل كبير جدًا عقب موجة النزوح المريرة التي عاشها نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020 إبان الحملة العسكرية الروسية الإيرانية بالتعاون مع قوات النظام البائد على منطقة شمال غربي سوريا، حيث كان من الصعب جدًا عليه أن ينقل كافة بضائعه مع أغراض بيته وأن يؤمن سكن مناسبًا ومستودعات لتلك البضائع.
ويوضح الرجل كيف خسر قسمًا كبيرًا من بضائعه التي لم يستطع إخراجها بسبب التقدم السريع للقوات الغازية في ذلك الوقت، وحالة القصف الجنوني من قبل الطيران الروسي وضيق الأماكن التي نزح إليها ملايين السكان دفعة واحدة باتجاه الشمال.
وفضلًا عن خسائره الكبيرة في رحلة النزوح تلك؛ لم يكن يجد أبو خالد بدائل تناسبه للعمل في بلدة الدانا التي نزح إليها بريف إدلب الشمالي، حيث عانى من ارتفاع أسعار إيجار الدكاكين مع ضعف الإقبال على تلك المواد، حيث يبيع كل ما يتعلق بالإكساءات من أدوات صحية وكهربائية وما إلى ذلك. ومع تكدس نحو أربعة ملايين نسمة في مساحة ضيقة في فترة ما قبل التحرير، كان الإقبال على تلك المواد ضعيفًا، وبالتالي فقد كانت حركة البيع لديه أدنى من المستوى المطلوب.
ويروي كيف عاش خمس سنوات وهو في حالة تراجع مالي واقتصادي مستمرة، لكنه اليوم يرى تحسنًا ملحوظًا في عمليات البيع، ولديه أمل كبير في استعادة تجارته الانتعاش مع عودته لبلده ومنزله، ومع إقبال البلاد على فرص استثمارية كبيرة ومشاريع واعدة، معربًا عن أمله في استعادة جزء مما خسره بسبب النظام البائد.
يقول النجار حمزة أبو علي من ريف حلب الغربي إن مهنته كانت من أبرز المهن التي تضررت بسبب سياسات النظام البائد، حيث تراجع الإقبال على تفصيل الأبواب والشبابيك منذ بداية الحملات العسكرية على السوريين في عام 2011، وذلك بسبب حالة الدمار الكبيرة والنزوح والقصف المستمر الذي كان يؤدي إلى تدمير المنازل بشكل متتابع. وهو ما دفع بأغلب السكان إلى اللجوء لشراء المستعمل والبحث عن بدائل رخيصة، وبالتالي تناقص الإقبال على تفصيل الأبواب والشبابيك الخشبية ذات النوعية الجيدة، حيث لاحظ تراجعًا مستمرًا في عمله وإنتاجه وأرباحه منذ ذلك الحين.
وصلت خسائره ذروتها مع الحملة العسكرية الأخيرة وحالة التدمير الواسع التي شهدتها المنطقة، إلا أنه اليوم وبعد عودة السكان ومحاولتهم إصلاح منازلهم يرى بوادر تحسن نسبية، مؤكدًا أن الوضع لا يزال دون المأمول، ولا يزال السكان يبحثون عن البدائل الأقل تكلفة بسبب ضعف القدرة الشرائية لديهم.
ولم يتم اتخاذ أي خطوة نحو إعادة إعمار شاملة مدعومة من قبل المانحين أو عقد مؤتمر دولي حتى اليوم، فيما لا تزال تفاصيل تلك العملية غامضة، كما أن الأمم المتحدة لم تنشئ حتى الآن صندوقًا خاصًا بالتعافي المبكر. بينما تؤكد الحكومة السورية أنها تسعى لجذب الاستثمارات من أجل إعادة تدوير عجلة الإنتاج بدلًا من استجداء الدعم الخارجي والرضوخ لشروط الدول المانحة.
ويعني ذلك أن المواطنين السوريين سيعانون لفترة من الزمن ليست بالقصيرة، ريثما تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، فيما لا تزال أحوال البلاد متوقفة إلى الآن، والبنية التحتية شبه مدمرة في كثير من المناطق.