اخبار سوريا
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
قبل 52 عاماً اندلعت حرب بين دول عربية وإسرائيل في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وقد تزامن اندلاعها مع يوم 'كيبور' أو 'عيد الغفران' في الديانة اليهودية، وهو يوم تتوقف فيه مظاهر الحياة اليومية في إسرائيل ويصوم فيه اليهود مكرسين وقتهم للصلوات والشعائر الدينية.
وكما كتب كيفين كونللي مراسل بي بي سي لشؤون الشرق الأوسط قبل عدة سنوات فإنه أكثر الأيام قداسة عند اليهود وأكثر الأيام التي تصبح فيها إسرائيل في أشد حالات الضعف.
وهو اليوم نفسه من عام 1973 الذي اختاره المصريون والسوريون لشن حرب خاطفة على إسرائيل قبل 52 عاما وهي الحرب التي لازلنا نعيش تداعياتها حتى الآن.
وكانت هذه الحرب محاولة من العرب للرد على الهزيمة التي ألحقتها بهم إسرائيل عام 1967 حين أعادت رسم خريطة المنطقة وضمت مساحات واسعة من الأراضي وهزمت جيوش 3 دول عربية هي مصر وسوريا والأردن.
الأكثر قراءة نهاية
واستولت إسرائيل في ذلك اليوم على شبه جزيرة سيناء المترامية الأطراف واحتلت هضبة الجولان كما انتزعت الضفة الغربية من الأردنيين وبعدها كان من الواضح أن كلا من المصريين والسوريين مصممون على استرجاع ما ضاع في تلك السنة.
رسالة بريجنيف
كانت الحرب الباردة في أوجها مطلع السبعينيات، إذ وقفت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل فيما دعم الاتحاد السوفيتي مصر وسوريا، فتحولت حرب أكتوبر إلى ساحة صراع غير مباشر بين القوتين العظميين. وقد زودت واشنطن إسرائيل بأحدث الأسلحة، ما مكّنها من وقف تقدم القوات المصرية والسورية سريعاً ثم الانتقال إلى الهجوم واستعادة معظم الأراضي التي خسرتها.
وفي خضم ذلك، تلقى الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون رسالة من الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف، حذّر فيها من احتمال تدخل عسكري سوفيتي إلى جانب مصر. وكان الإسرائيليون وقتها قد استعادوا زمام المبادرة بعد عبور الجنرال أرييل شارون، الذي سيصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، قناة السويس.
ماذا كان موقف الولايات المتحدة؟
كشفت وثائق بريطانية سرية أفرج عنها عام 2004 أن الحكومة البريطانية أبدت غضبها من عدم استشارتها أو إبلاغها بشكل وافٍ بشأن حالة التأهب النووي العالمي التي أعلنتها الولايات المتحدة خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وذكر بول رينولدز، مراسل الشؤون العالمية في بي بي سي حينها، أن مذكرة بريطانية حادة اللهجة نشرت بعد 30 عاماً من إبقائها طي الكتمان، أظهرت أن رئيس الوزراء إدوارد هيث اتهم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بمحاولة صرف الأنظار عن فضيحة ووترغيت.
وجاء في المذكرة أن 'الإجراء الأمريكي تسبب في ضرر جسيم، في بريطانيا وفي العالم بأسره'.
أضاف هيث: 'يجب ألا نقلل من تأثير ذلك على بقية أنحاء العالم'. وتابع قائلاً: 'يبدو أن رئيساً أمريكياً في مثل هذا الموقف (فضيحة ووترغيت) مستعد للذهاب إلى هذا الحد في أي لحظة، من دون استشارة حلفائه، ومن دون أي مبرر عسكري في ذلك الوقت'.
واعتبر هيث أن هذه الحادثة تمثل مثالاً واضحاً على السرعة التي يمكن أن ينشأ بها خلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها. وأشار إلى أنه علم بحالة التأهب النووي عبر وكالات الأنباء، مضيفاً: 'عندما سألت وزير الخارجية (السير أليك دوغلاس هوم) عن الأمر، كنت جالساً بجانبه على المنصة بينما كان على وشك الإدلاء ببيان، وكان في الموقف نفسه'.
وزادت المشكلة تعقيداً محاولة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنغر التقليل من أهمية حالة التأهب، إلى جانب ضعف قنوات الاتصال مع الجانب البريطاني.
ماذا تعني حالة ديفكون 3؟
جرى رفع حالة تأهب الجيش الأمريكي إلى ما يُعرف بـ 'ديفكون 3' أو حالة الدفاع الثالثة. وتُعدّ واحدة من خمس درجات للتأهب العسكري، وتشير إلى أن جميع القوات، بما فيها النووية، في حالة استعداد مرتفعة.
وبحسب تقييم لجنة المخابرات المشتركة، فقد أبلغ وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنغر السفير البريطاني في واشنطن، اللورد كرومر، بقرار رفع حالة التأهب، لكنه فعل ذلك بطريقة وصفت بأنها غامضة أو مربكة.
وأوضح كرومر أن ما نقل إليه كان مجرد إشارة إلى 'رفع مستوى التأهب العسكري مع إلغاء إجازات العاملين في البحرية والجيش في المناطق القريبة من منطقة الأعمال العدائية'.
استجابة بطيئة في لندن
كان هنري كيسنجر قد أبلغ اللورد كرومر بقرار رفع حالة التأهب عند الساعة 05:15 بتوقيت لندن. ودخل القرار حيّز التنفيذ قرابة الساعة 06:00، فاتصل كرومر بلندن في الساعة 06:20، لكن لم يُؤخذ الأمر على محمل الجد، ولم يتم إبلاغ رئيس الوزراء أو وزير الخارجية.
وفي الساعة 07:30 علم ضابط المخابرات المناوب في مكتب مجلس الوزراء بحالة التأهب من مركز المراقبة الإلكترونية للحكومة، بعد أن وصلته المعلومة من قنوات استخباراتية أمريكية. أما البحرية الأمريكية فلم ترسل إشعارات رسمية إلى دول الناتو إلا عند الساعة 08:00.
وقد تركز غضب الحلفاء في اجتماع الناتو اللاحق على السفير الأمريكي في بروكسل آنذاك، دونالد رامسفيلد، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للدفاع. وتشير الوثائق الأمريكية إلى أنه أبدى تعاطفاً كبيراً مع اعتراضاتهم.
مشكلة السفير
وكان هناك تفصيل آخر يوضح ضعف قنوات الاتصال.
فقد بدأ اجتماع الناتو، الذي جرى خلاله شرح حالة التأهب، عند الساعة 11:45 وانتهى في 13:30.
ومع ذلك، لم يرسل السفير البريطاني تقريره إلى لندن إلا عند الساعة 14:25، ما دفع رئيس الوزراء إدوارد هيث إلى التساؤل عن السبب. وقد برر السفير تأخره بأنه كان في الاجتماع بمفرده، ولم يكن لديه من ينقل الرسالة في وقت أبكر.
وقد خلصت لجنة من الاستخبارات البريطانية إلى أن حالة التأهب النووي لم تكن مبررة من الناحية العسكرية، معتبرة أن 'رد الولايات المتحدة كان مبالغاً فيه'.
أما هنري كيسنجر فقد دافع عن القرار قائلاً إنه كان ضرورياً لضمان عدم تحرك الاتحاد السوفيتي. وأظهرت مقابلات لاحقة مع مسؤولين سوفييت أن رسالة بريجنيف لم تكن سوى مناورة، إذ كان يأمل أن تدفع الولايات المتحدة إسرائيل إلى وقف القتال.
كيف كان الوضع في إسرائيل في يوم كيبور؟
في ذلك الوقت كان إيهود باراك، الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء إسرائيل، قد أنهى دراسته في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، لكنه كان قد خدم سابقاً في القوات الخاصة الإسرائيلية.
وما إن سمع بأخبار الحرب حتى جمع أغراضه وعاد إلى تل أبيب، حيث توجه مباشرة إلى مركز قيادة الجيش الإسرائيلي المعروف باسم 'الحفرة'.
ويقول باراك 'لقد كانت الوجوه شاحبة كأنما يعلوها الغبار فقد كانت هذه اللحظة هي الأشد قسوة خلال الحرب وبعد ذلك بدأت القوات الإسرائيلية في دخول المعارك والسيطرة على مساحات من الأراضي، لكن في ذلك اليوم ضاع أثر نصر 67 النفسي وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلي لا يُهزم'.
قررت دول الخليج الغنية بالنفط معاقبة الغرب على دعمه لإسرائيل باستخدام ما عُرف آنذاك بـ 'سلاح النفط'. ومع توقف الإمدادات العربية ارتفعت أسعار الوقود بسرعة في العواصم الغربية، وتهاوت البورصات، وتراجعت معدلات النمو، ما انعكس على الاقتصاد العالمي لسنوات عدة.
وفي تلك المرحلة بدأت الولايات المتحدة وأوروبا البحث عن بدائل للنفط وتنويع مصادر الطاقة، وكانت تلك اللحظة التي انطلقت فيها محاولات تطوير سيارات تعمل بالغاز.
ان من أبرز نتائج حرب أكتوبر أن مصر خرجت من دائرة النفوذ السوفيتي لتتجه نحو تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة. وبعد أعوام قليلة، وقّعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، لتضع حداً للقتال وتصبح معاهدة كامب ديفيد إحدى أهم الاتفاقيات في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من أن الحرب شهدت بعضاً من أعنف معارك الدبابات في التاريخ، فإنها أثبتت هشاشة الدبابات والمدرعات أمام الصواريخ، وأدركت إسرائيل أنها لن تستطيع بعد ذلك تحقيق انتصارات سريعة وسهلة كما في السابق.