اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢٠ نيسان ٢٠٢٥
بينما ينشغل الأهل بتفاصيل الحياة اليومية، قد لا يدركون أن قطعة مكسرات صغيرة أو جزءاً من لعبة بلاستيكية قد تتحول في ثوانٍ إلى خطر قاتل يهدد حياة طفلهم.
هذا ما تؤكده الوقائع الطبية، التي تسجّل سنوياً آلاف الحالات من استنشاق الأجسام الغريبة لدى الأطفال، كثيرٌ منها ينتهي بمأساة.
ويُعد هذا النوع من الحوادث من أخطر أسباب الوفاة العرضية للأطفال دون سن الخامسة، بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، التي أشارت إلى تسجيل أكثر من 160 وفاة سنوياً في الولايات المتحدة وحدها، ناتجة عن اختناق الأطفال بأجسام مستنشقة أو مُبتلعة.
كما تشير بيانات منظمة الصحة العالمية لعام 2021 إلى أن أكثر من 100 ألف حالة وفاة تقع سنوياً حول العالم بسبب اختناق الجسم الغريب، ربعها لأطفال لم يبلغوا عامهم الخامس.
للحديث عن الموضوع التقى موقع تلفزيون سوريا، الدكتور عبد الحميد العلي، اختصاصي أمراض الأنف والأذن والحنجرة في مدينة الرقة، حيث ألقى الضوء على واحدة من أخطر الحالات الإسعافية التي تمر على الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم.
'الجسم الغريب لا يُرى لكن آثاره قاتلة'
أكد الدكتور العلي أن 'ذروة الحالات تحدث ما بين عمر عامين إلى أربعة أعوام، وغالباً ما تبدأ بنوبة سعال مفاجئة، وزرقة في الوجه، واختناق شديد دون أي علامات التهابية كارتفاع الحرارة أو الزكام'.
وذكر أن الطفل في هذه المرحلة العمرية يبدأ باستخدام يديه واستكشاف الأشياء بفمه، ما يجعله أكثر عرضة لاستنشاق أجسام لا يُفترض أن تكون في مجرى التنفس، مثل الحلوى الصلبة، أو المكسرات، أو القطع البلاستيكية الصغيرة.
وحذّر الدكتور العلي من محاولة الأهل إزالة الجسم المستنشق بالإصبع أو إدخال أدوات في فم الطفل، لأن هذه المحاولات العشوائية قد تدفع الجسم الغريب نحو القصبات وتفاقم الحالة.
وأشار إلى أن بعض الحالات تتطور خلال دقائق، وقد تؤدي إلى فقدان الوعي، وانخفاض نسبة الأكسجين في الدم، وفي حال عدم تدخل طبي فوري، قد تؤدي إلى الوفاة.
'البالونات والمكسرات أول القاتلين'
وأضاف العلي أن من بين أخطر الأجسام التي تُستنشَق لدى الأطفال هي البالونات غير المنفوخة والمكسرات الصغيرة، مشيراً إلى أن 'البالونات تأخذ شكل مجرى الهواء تماماً عند دخولها، ما يؤدي إلى انسداده الكامل، وغالباً ما تكون النتائج مأساوية'.
وبيّن أن حالات عديدة راجع فيها الأهالي الطوارئ بعد أن ظنّوا أن الطفل يعاني من 'نوبة زكام حادة'، لكن الفحص بالمنظار أظهر وجود جسم غريب استقر في إحدى القصبات.
وحذر من إهمال الأعراض المبكرة كالسعال المتكرر، أو التنفس بصوت صفير، أو تغيّر لون البشرة، والتي غالباً ما تكون مؤشرات على وجود انسداد جزئي في مجرى التنفس.
تشخيص دقيق.. وتدخل فوري
وأوضح الدكتور العلي أن 'التشخيص يبدأ بالفحص السريري، يليه التصوير الشعاعي، لكن الأداة الأهم في مثل هذه الحالات هي تنظير القصبات الهوائية'، مشيراً إلى أنه في كثير من الحالات لا تظهر الأجسام الغريبة في الأشعة، ويكون المنظار هو الوسيلة الحاسمة.
وأكد أن 'كل دقيقة تأخير في الحالات الحرجة تعني احتمالاً أعلى لحدوث تلف دماغي أو وفاة، لذا يجب التوجه فوراً إلى الطوارئ عند الشك'.
وأشار إلى أن معظم الأطفال الذين تُجرى لهم عملية استخراج الجسم الغريب عبر المنظار في الوقت المناسب يتعافون بشكل كامل دون مضاعفات.
نصائح عملية من الطبيب للأهالي
وقدم الدكتور عبد الحميد العلي مجموعة من النصائح الوقائية الأساسية لتقليل خطر الحوادث، مستنداً إلى الحالات التي عاينها بشكل مباشر:
واعتبر العلي أن هذه الإجراءات البسيطة كفيلة بحماية الأطفال من كارثة محتملة، مشيراً إلى أن 'الوقاية دائمًا هي الحل الأسلم، وأن وعي الأهل هو خط الدفاع الأول'.
جائزة علمية لبحثه في هذا المجال
وكان الدكتور عبد الحميد العلي قد حصل على جائزة العلوم الصحية السنوية عن بحثه المتخصص في استنشاق الأجسام الغريبة لدى الأطفال، محققاً المركز الثالث بين عشرات الأبحاث المشاركة، وذلك من قِبل وزارة الصحة السورية.
وفي تصريحه، أوضح العلي أن 'هدف البحث لم يكن فقط تحليل الحالات طبياً، بل تقديم حلول وقائية واضحة للأهالي، وتوصيات عملية لتقليل معدلات الاختناق'.
وشدد على أن بعض الحالات يمكن منعها بسهولة بمجرد تعديل بسيط في سلوكيات المنزل، وتوفير بيئة أكثر أماناً للأطفال، وخاصة في مراحلهم الأولى.
بين الوعي والإسعاف.. حياة تنقذ
واختتم الدكتور عبد الحميد العلي حديثه بالتأكيد على أن معظم حالات الاختناق يمكن إنقاذها لو جرى التعامل معها بطريقة صحيحة وفي الوقت المناسب.
وقال إن 'الهلع والتصرف الخاطئ، كإدخال الأصابع أو إعطاء الطفل ماء أو طعاماً، قد يزيدان الوضع سوءاً، بينما التصرف الهادئ وطلب الإسعاف بسرعة هما الحل'.
ويؤكد مختصون في الإسعاف والطوارئ أن الاستعداد المسبق وتعلّم الإسعافات الأولية يساعد الأهل على إنقاذ حياة أطفالهم في اللحظات الحرجة، ويقلل من الاعتماد الكلي على الوقت الذي قد تستغرقه فرق الطوارئ للوصول.