اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٧ أب ٢٠٢٥
مع تخلخل الهوّية الوطنية السورية في فورة قتل الآخر، اقترحت بعض الأصوات الفكرية العودة إلى انتماء الطائفة! لا بل رفعت أعلام الطوائف في تناقض واضح مع طرحها العلماني، وفي زلّة انفعالية حاول البعض تبريرها فكرياً بأن دعم الأقلّيات هو السبيل الوحيد إلى مواجهة تطرّف 'الأكثرية'.
ظنّ سوريون كثر أن أحد فوائد اللجوء إلى أوروبا، هي الاختلاط مع المجتمع الأوربي المنفتح والمتنوّع، ومشاكلتهم لدولة القانون في هذه الدول، واختبارهم لاصطلاحات ثاروا من أجلها في بلادهم، كالحرّية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
وتفاءل البعض بعودة هذه الخبرات إلى سوريا بعد سقوط النظام والمشاركة في بناء سوريا المدنية والديموقراطية، لكن هل عادت شريحة واسعة من سوريي المهجر في أوروبا وأميركا بمفاهيم عن الانفتاح والتنوّع وقبول الآخر؟ بعبارة أخرى، هل بنى السوريون علاقة صحّية مع جهاز الدولة، أم أننا مازلنا ندور في فلك القبيلة، والعشيرة، والطائفة؟
طوائف وملل و مظلوميّات لا متناهية
بعد سقوط النظام، عاد بعض السوريين إلى سوريا في زيارة سريعة إلى الوطن، ومنهم من عاد ليكون فاعلاً على الأرض في 'سوريا الجديدة'، لكنّ العودة الكبيرة للسوريين لم تكن العودة الفعلية وحسب، بل عودتهم إلى الفضاء العامّ والشأن السوري اليومي عبر بوابات الواقع الافتراضي والسوشيال ميديا.
هناك حيث استفرغ كثيرون القيح الطائفي والسُعار العرقي، وبدلاً من أن يُظهر كثير من سوريي أوروبا وعياً ناضجاً بالمفاهيم المدنية وقبول التنوّع، أظهر بعضهم جهلاً وتشنّجاً طائفياً لا مثيل له، وعملت بعض صفحاتهم على السوشيال ميديا كمنصّات تحريض وتزكية نار الحرب الأهلية التي لم تخمد بعد.
طارحين بفعلهم هذا سؤالا مركباً: إلى مَن ينتمي السوريون المقيمون في أوروبا حقّاً؟ إلى الكيان السوري بشكله الحالي؟ أم إلى الطائفة والدين؟ أم إلى المواطنة السورية والوطن السوري على صيغة انتمائهم إلى بلدان اللجوء الأوروبي؟
عملت مجازر الساحل والسويداء عمل الكشّاف في الإجابة عن سؤال الانتماء السوري، ويمكن القول إنها كانت المحكّ الذي كشفت فيه الهوّيات عن نفسها، فبعد التحرير السريع والسقوط المتهاوي للنظام، ظهرت المظلوميّة الطائفية كأول ملمح على تمظهر الهوّية الضيّقة لدى سوريين كثر، وهي الكامنة أصلاً في وعي بعضهم، لذلك لم تكن عبارات مثل: 'أمّة السنّة، بني أميّة وغيرها'، إلا كلمات دالّة على استنهاض المظلوميّة السنّية، لا سيّما وأن الصراع في سوريا اتّخذ شكلاً طائفياً (سنّياً/ شيعياً) منذ دخول إيران وميليشاتها في مواجهة الميليشيات السنّية في سوريا.
ظهور المظلوميّة السنّية بعد السقوط كان متوقعاً، لكن ما لم يكن متوقعاً هو أن يتبنّى هذه المظلوميّة سوريون مقيمون في أوروبا، لا بل ويعملون على تزكيتها ونشرها، ولنا في الحسابات المحرّضة التي عملت بالطريقة نفسها في مجازر الساحل والسويداء، حيث نفي الأخبار وتبرير الموت وتشريع القتل، ورمي الآخر بسمات العمالة وخيانة الوطن والطائفية.
من جهة أخرى، وكردّ فعل شعبي على المجازر، وكمخرَج أخير للهوّية المأزومة، ولأن دماء كثيرة أُريقت على الهوّية الطائفية، ارتفعت أعلام علويين ودروز في العواصم الأوروبية، وعاد الكثير من أبناء الأقلّيات إلى الانتماء الطائفي. فالهوّية الوطنية السورية مشوّشة، ولا رأي جامع حولها بعد التفتّت، ومثلما ارتدّ السنّة إلى سنّتهم، سترتدّ باقي الطوائف بالتتالي.
لكن مرّة أخرى نعود إلى السؤال، كيف حصل هذا الارتداد الطائفي للسوريين المقيمين في أوروبا بعد عشر سنوات على الأقلّ من اللجوء و'الاندماج'؟ ألا يُفترض أنهم تأقلموا مع مفاهيم المواطنة واحترام الحرّيات الفردية والتنوّع والاختلاف؟ ألا يُفترض أنهم عاشوا لأكثر من عقد في بلاد تحرّم الإلغاء وخطاب الكراهية؟ بعبارة أخرى، ألم يندمج هؤلاء مع المجتمعات الأوروبية (نظرياً) وأخذوا شهادات في ذلك الاندماج تمكّنوا بعدها من التجنيس كألمان وهولنديين وفرنسيين؟