اخبار سوريا
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ٥ أيار ٢٠٢٥
أثارت الدعوة الرسمية التي وجّهها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، لحضور قمة جامعة الدول العربية، المقررة في بغداد في 17 مايو/أيار الجاري، اهتماماً واسعاً على المستوى العربي، في ظل اعتراضات أبدتها بعض الشخصيات والكتل السياسية داخل العراق.
وكان السوداني قد التقى الشرع للمرة الأولى في العاصمة القطرية الدوحة، خلال فبراير/شباط الماضي، بوساطة من أمير قطر.
وتسلّم الشرع الدعوة رسمياً من وزير الثقافة أحمد فكاك البدراني الذي كان مبعوثاً خاصاً لرئيس الوزراء.
إلا أن الإعلان عن هذه الدعوة أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية العراقية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وسط تباين في المواقف بشأن مشاركة الشرع الذي لديه سجل قضائي في العراق.
ونشرت قنوات تلفزيونية ومنصات تواصل اجتماعية فيديوهات لمواطنين عراقيين يهددون الشرع بسبب ماضيه الجهادي في العراق.
الأكثر قراءة نهاية
مخاوف أمنية
لم تقتصر الاعتراضات على حضور الشرع في قمة بغداد على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت إلى تحذيرات أمنية جدية تتعلق بسلامة الحدث نفسه. فماضي الشرع الجهادي وعلاقاته السابقة بأطراف مسلحة في العراق يثيران مخاوف من تداعيات قد تتجاوز الدبلوماسية.
المؤرخ عمر محمد، وهو باحث أول في جامعة جورج واشنطن، وله كتابات عديدة عن تاريخ الشرق الأوسط والجماعات المتشددة، وخاصة تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، يقول لبي بي سي عربي: 'إن استضافة الشرع تنطوي على مخاطر سياسية تفوق التهديدات الأمنية المباشرة، وقد تترجم هذه المخاطر إلى عواقب أمنية وخيمة إذا لم تُتوقع بشكل صحيح وخاصة في دولة مجزأة ومُعسكرة كالعراق'.
ويضيف: 'ربما تُشجع هذه الانقسامات الفصائل المسلحة وخاصة الجماعات الموالية لإيران داخل قوات الحشد الشعبي، على التصرف بشكل منفرد ضد الشرع'.
ويوضح الباحث أن هذه الجماعات تفسر استضافة الشرع على أنها 'خيانة لتضحيات العراق في الحرب ضد الجهادية أو إضفاء شرعية على خصم سابق، وقد تحاول مواجهته فعلياً، أو ربما تعطل أعمال القمة من خلال الترهيب المسلح أو تنظيم الاحتجاجات أو تسريب معلومات استخباراتية إلى جهات إقليمية معارضة للشرع، ما يزيد من خطر العنف المستهدف'.
وعن رأيه حول التهديدات الأمنية ضد الشرع، يقول الباحث في الشؤون السياسية وتاريخ الجماعات الإرهابية، فاضل أبو رغيف لبي بي سي عربي: 'ستعمل الحكومة على تأمين الشرع من الناحيتين الأمنية والاستخباراتية بشكل كامل، وستتحمل مسؤولية توفير الحماية اللازمة له، تماما كما تفعل مع رؤساء الدول الآخرين الذين وُجّهت إليهم الدعوة لزيارة العراق'.
نهاية X مشاركة, 1
المحتوى غير متاح
لكن، رغم استعداد الحكومة لتوفير الحماية، 'فإن هذه المعارضة قد تُخيم بظلالها على مجريات الزيارة، وقد تعمق هوة الخلاف بين الكتل السياسية المناوئة للسوداني والكتل السياسية الأخرى التي لا ترغب في مجيئه، خصوصاً ونحن مقبلون على انتخابات نيابية، وقد يتسبب حضوره في إرباك المشهد السياسي الداخلي. أعتقد أن زيارته إلى العراق ستُستخدم كذريعة إلى حين حلول موعد الانتخابات في العراق' بحسب أبو رغيف.
ماذا كان يفعل الشرع في العراق؟
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي على واتساب.
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
بدأ الشرع، الذي كان يُعرف باسم أبو محمد الجولاني، مسيرته الجهادية في العراق، إذ ارتبط بتنظيم القاعدة هناك، الذي يُعد سلف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي انضم إليه لاحقاً.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، التحق الجولاني بصفوف المقاتلين الأجانب، واعتُقل في عام 2005 في معسكر بوكا، وهو أحد أبرز مراكز الاعتقال الأمريكية، حيث تعززت أفكاره الجهادية وتعرّف هناك على أبو بكر البغدادي، الذي أصبح لاحقاً زعيم ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية.
ويواجه الشرع اتهامات متعددة من قبل السلطات العراقية تتعلق بنشاطاته السابقة في العراق خلال فترة انخراطه في تنظيم القاعدة إبان الغزو الأمريكي.
ونشر موقع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لائحة اتهامات موجهة ضد الشرع منها 'ارتباطه بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام، وجماعات أخرى مرتبطة بالتنظيمين، وكذلك لمشاركته في تمويل وتخطيط وتسهيل وإعداد وارتكاب أعمال وأنشطة ودعم وتوريد أو بيع أو نقل الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية'.
ورغم الانفصال العلني عن تنظيم القاعدة وتغيير الاسم، استمرت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى في تصنيف هيئة تحرير الشام التي كان الشرع زعيمها، كمنظمة إرهابية، حيث اعتبرت القوى الغربية الانفصال مجرد واجهة.
هل تؤثر معارضة البرلمان على حضور الشرع؟
لم تهدأ الأوساط السياسية في العراق منذ إعلان الحكومة دعوتها للشرع لحضور القمة العربية حتى الآن، إذ طالب 58 نائباً عراقياً الحكومة بمنع مشاركته.
ونشر أحد النواب العراقيين يدعى سعود الساعدي على صفحته في منصة إكس، الشكوى التي قدمها إلى رئيس جهاز الإدعاء العام فيما يتعلق بجرائم مزعومة لأحمد الشرع، تطالب باتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
نهاية X مشاركة, 2
ويقول الباحث السياسي العراقي علاء مصطفى، لبي بي سي عربي: 'إن قضية حضور شخصيات مرتبطة بملفات إرهابية لا تندرج ضمن صلاحيات مجلس النواب بشكل مباشر، بل تقع ضمن مسؤولية الأجهزة التنفيذية المُلزَمة بتنفيذ أوامر القضاء. وبالتالي، فإن دخول أي شخص صادرة بحقه مذكرة قبض رسمية إلى العراق يُعد أمراً صعباً، بل إن وجود أمر قضائي كهذا قد يُعرض حتى الجهة الداعية، خصوصاً إذا كانت جهة رسمية، للمساءلة القانونية'.
وأشارت تقارير عراقية إلى أن الجولاني استخدم إسم 'أمجد مظفر حسين' خلال وجوده في العراق، منتحلاً صفة مواطن عراقي من مدينة الموصل.
ونشرت وكالة أنباء براثا، العراقية غير الرسمية، صورة لهوية باسم أحمد الشرع تتضمن معلومات مزعومة. ولم تتمكن بي بي سي من التحقق من صحة هذه الادعاءات.
ويقول أبو رغيف لبي بي سي عربي: 'قد تكون مذكرة القبض بحق الشرع مؤجلة أو غير موجهة باسمه الحقيقي، مما يعني أنه من غير المرجح تنفيذها على الرغم من وجودها. لذا، من غير المتوقع أن يتم تنفيذ أي مذكرة قانونية بحق الشرع حتى وإن كانت قد أُصدرت، في حال كانت تحمل التباسا في الإسم أو التفاصيل القانونية'.
ويرى الكاتب الصحفي السوري عبد الله الحمد، أن عدم حضور الشرع، القمة في بغداد ستعني فشلها قبل بدئها.
ويقول لبي بي سي عربي: 'إن حضور الرئيس السوري ضروري لكون سوريا لاعبا هاما في المنطقة العربية، بحكم موقعها الجيوسياسي وتاريخها السياسي والنضالي الطويل وارتباطها بعدة ملفات إقليمية'.
ويضيف: 'إن زيارة الشرع إلى العراق ومشاركته في القمة ستُسهم بالتأكيد في ردم الفجوة بين البلدين، تلك الفجوة التي تعود أسبابها إلى أولاً: محاولات النظام السابق استغلال الأوضاع لصالحه واعتماده على ميليشيات طائفية داخل العراق لقمع وقتل السوريين. ثانيا: يرتبط الأمر ببعض القوى السياسية النافذة في العراق، والتي تتماشى ضمناً مع الموقف الإيراني الرافض للتحول السياسي الذي شهدته سوريا'.
ويضيف الحمد 'يجب على هذه القوى العراقية أن تدرك أن سوريا اليوم دولة محورية، وأن القيادة الحالية تمثل الشعب السوري وقوى الثورة وتسعى لبناء دولة مدنية مستقلة تقوم على مبادئ حسن الجوار مع جميع الدول المجاورة'.
ويبقى الحضور المحتمل لأحمد الشرع في قمة بغداد مسألة شديدة الحساسية تعكس تعقيدات المشهدين العراقي والسوري وتسلّط الضوء على التحديات التي تواجه الجامعة العربية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة.
ومع اقتراب موعد القمة، يترقب كثيرون ما إذا كان أحمد الشرع سيشارك شخصياً أم سيعتذر ويُوفد وزير خارجيته نيابةً عنه.