اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
شكّلت صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها المقاومة في قطاع غزة مع الاحتلال الإسرائيلي، خطوة من أبرز المنعطفات السياسية والعسكرية منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على القطاع في السابع من أكتوبر 2023 والتي استمرت لعامين، وفق ما يرى مراقبون.
فالصفقة لم تكن مجرّد اتفاق لتبادل الأسرى، بل حدثاً سياسياً واستراتيجياً يعيد رسم توازن القوى في المنطقة، ويؤكد أن المقاومة خرجت من الحرب أكثر تماسكا رغم الكلفة الإنسانية الباهظة.
ومنذ انطلاق المفاوضات غير المباشرة التي أفضت إلى الصفقة، بدا واضحاً أن المعادلة الميدانية تغيّرت بالكامل. فبعد عامين من الحرب المدمّرة، فشلت (إسرائيل) في تحقيق أهدافها، واضطرت إلى القبول بشروط المقاومة التي ربطت أي تبادل للأسرى بضمانات واضحة لوقف الحرب، في إطار معادلة جديدة لخصتها حماس بشعار: 'لا أسرى دون تبادل، ولا تبادل دون وقف العدوان، ولا اتفاق دون تصور لليوم التالي'.
هذه القاعدة أعادت تعريف العلاقة بين القوة والمفاوضة، وأعطت المقاومة موقعاً تفاوضياً متقدماً لم تحظَ به منذ عقود، في ظل مشاركة ثماني دول عربية وإسلامية كضامنين للاتفاق.
الأخطر عمقاً
الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق وصف الصفقة بأنها 'الأخطر عمقاً'، مشيراً إلى أن قوة الصفقة تكمن في مضمونها السياسي والإقليمي لا في مظهرها الخارجي.
وقال القيق في حديث لـ 'فلسطين أون لاين'، إن انخراط تركيا كوسيط رسمي شكّل تحولاً كبيراً في طبيعة الوساطة، وعزّز من عزلة (إسرائيل) الدولية، مشيراً إلى أن الصفقة 'كسرت اللاءات السابقة التي فُرضت على حماس، ورسخت قواعد جديدة للتفاوض'.
ورأى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعيش أزمة داخلية غير مسبوقة بعد عامين من الحرب دون تحقيق أهدافه، قائلاً: 'سيُسأل قريباً ماذا فعل في هذين العامين؟ لم يضمّ الضفة، ولم يحقق نصراً عسكرياً، وغزة أنهت المعركة بشروطها'.
ويعتقد القيق أن الصفقة تمهد لتحوّل في ساحة المواجهة، إذ 'قد تنتقل المعركة إلى الضفة الغربية التي باتت تملك شرعية الفعل والمقاومة، بعد أن حملت غزة العبء الأكبر من الحرب والإبادة'.
وتابع أن الصفقة 'أعادت تثبيت شرعية المقاومة أمام الرأي العام الدولي، وأثبتت أن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لا يتم إلا عبر المقاومة، لا عبر الضغط العسكري أو السياسي'.
من جهته، يرى الخبير في الشؤون العسكرية نضال أبو زيد أن المقاومة لم تكتفِ بالإنجاز التفاوضي، بل استثمرت عملية تسليم الأسرى بشكل مدروس إعلامياً وعسكرياً لإيصال رسائل قوة داخلية وخارجية.
وقال أبو زيد لـ 'فلسطين أون لاين'، إن 'المقاومة لم تفوت فرصة الاستثمار الإعلامي لعملية تسليم الأسرى رغم الشرط القاسي الذي وضعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مبادرته بعدم الاستعراض العسكري أثناء التسليم'، موضحاً أن الحركة نجحت في إرسال إشارات رمزية قوية رغم القيود.
وأضاف 'اللباس العسكري الكامل الذي ظهر به المقاتلون، والسيارات رباعية الدفع، والسماح للأسرى بالاتصال بعائلاتهم — كلها إشارات أرادت المقاومة من خلالها أن تقول إنها لا تزال موجودة وقادرة على إدارة المشهد بكفاءة'.
وأكد أن هذه المشاهد عكست قدرة المقاومة على إعادة إنتاج نفسها عسكرياً وإدارياً في آن واحد، وإثبات قدرتها على إدارة عمليات ميدانية معقدة في ثلاث نقاط مختلفة من قطاع غزة رغم الدمار والضغط'.
وتابع أن تلك الرمزية 'كانت بحد ذاتها استعراض قوة ناعماً يؤكد حضور المقاومة وسيطرتها، دون أن تخالف الشروط المعلنة للصفقة'.
دلالات سياسية وأمنية
ويرى محللون أن توقيت الصفقة ودلالاتها لا يقلان أهمية عن مضمونها، إذ إنها أغلقت صفحة الحرب على غزة عملياً، لكنها في الوقت ذاته فتحت فصلاً جديداً من الصراع.
فـ(إسرائيل) – بحسب القيق – تراهن على ما يسميه 'الفوضى الخلّاقة' في اليوم التالي، بينما المقاومة تؤكد أنه 'لا يوم تالي إلا للبندقية'، في إشارة إلى استعدادها الدائم لأي مواجهة قادمة.
أما من الناحية الميدانية، فتُظهر الصفقة أن المقاومة باتت قادرة على العمل المنظم بعد حرب إبادة شاملة، وأنها استطاعت الحفاظ على هياكلها العسكرية والإدارية رغم الحصار والدمار، وهو ما يعزز قناعتها بأن ميزان الردع الجديد أصبح متبادلاً لأول مرة منذ عقود.
لم تعد الصفقة مجرد حدث تفاوضي، بل تحول استراتيجي يعيد تعريف المشهد الفلسطيني والعربي. فهي من جهةٍ تُكرّس أن أي حديث عن 'اليوم التالي لغزة' لا يمكن أن يتم دون حضور المقاومة، ومن جهة أخرى تُعيد إدماج القضية الفلسطينية في أجندة الإقليم بعد أن أصبحت ثماني دول ضامنة لمسار الاتفاق.
ويؤكد القيق أن ما تحقق اليوم 'هو انتقال المقاومة من مربع غزة إلى مربع الإقليم، ومن الدفاع عن الوجود إلى صناعة القرار'، بينما يراها أبو زيد 'رسالة مزدوجة: بأن المقاومة قادرة على القتال، وقادرة أيضاً على إدارة السياسة بحكمة وانضباط'.
لقد أكدت هذه الصفقة أن القضية الفلسطينية ما زالت حية وقادرة على فرض حضورها في المعادلة الدولية، وأن من يملك زمام الأرض والسلاح هو من يملك القدرة على صياغة السياسة.