اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
يؤكد مدير مركز القدس للدراسات السياسية، د. عريب الرنتاوي، أن عملية 'طوفان الأقصى' وصمود غزة أحدثا تحولات عميقة في المشهد الدولي تجاه القضية الفلسطينية، موضحًا أن (إسرائيل) فقدت سرديتها في الغرب، وسقطت عنها أقنعة 'الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط'.
ويقول الرنتاوي في مقابلة متلفزة تابعها 'فلسطين أون لاين': 'حلت الرواية الفلسطينية محل الرواية الإسرائيلية في الوعي العالمي، حتى داخل الولايات المتحدة، حيث بدأ التأييد للفلسطينيين يتسرب إلى جمهور الحزب الجمهوري وشباب الإنجيليين الداعمين التقليديين لـ(إسرائيل)'.
ويصف ذلك بأنه من بركات طوفان الأقصى، إذ كشف الوجه الحقيقي للاحتلال أمام المجتمع الدولي، وأحدث تحولًا في المزاج الغربي تجاه فلسطين. ويتوقع أن تتضح ملامح هذه التحولات بشكل أكبر مع صعود جيل جديد من القادة في الغرب، يتحرر من ابتزاز تهمة ما يسمى بـ'معاداة السامية' التي استُخدمت لعقود ضد كل من انتقد (إسرائيل).
ويتابع: 'نحن أمام صفحة دولية جديدة، لا ينقصها سوى أن تلتحق بها الشعوب العربية والإسلامية كما فعلت الجامعات الغربية التي انتفضت نصرة للحق الفلسطيني'.
ويشير إلى أن طوفان الأقصى ليس نهاية الصراع بل محطة مركزية فيه، مؤكدًا أن طريق الفلسطينيين نحو الحرية والاستقلال لا يزال طويلًا ومؤلمًا، لكنه أصبح أكثر وضوحًا بعد أن أثبتت غزة قدرتها على الصمود والمقاومة، رغم الحرب الشاملة التي تعرضت لها.
مخاطر وأفخاخ
وعن خطة الرئيس دونالد ترامب لوقف الحرب، يعتقد الرنتاوي أن المفاوضات غير المباشرة الجارية في شرم الشيخ تُمثل 'فرصة نادرة لم تتوفر خلال العامين الفائتين' لإطلاق مسار تفاوضي جاد (غير مباشر) بين المقاومة والاحتلال برعاية أميركية، لكنه في الوقت ذاته يرى أن هذه الفرصة 'محفوفة بالمخاطر والأفخاخ'، وأن الضامن الحقيقي لأي نجاح 'ليس سوى الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه'، الذي يسعى إلى تحقيق إنجاز سريع قبل الإعلان عن جائزة نوبل للسلام.
ويقول إن هناك 'تهافتاً غير مسبوق' من الرئيس الأميركي لإنجاز اتفاق ما، مشيراً إلى أن مبادرة ترامب 'حظيت بترحيب واسع من معظم دول العالم، حتى من خصوم واشنطن مثل روسيا والصين'، وهو ما يجعل من الصعب تصور فشل كامل للمسار التفاوضي. لكنه في المقابل يحذر من أن المبادرة التي طرحها ترامب 'ضبابية'، فهي لا تتجاوز 'إعلان مبادئ وخطوطاً عامة'، وكل بند منها 'يحتاج إلى جولات تفاوضية متعددة'.
ويشير إلى أن الخريطة التي نشرها ترامب على حسابه في 'تروث سوشيال' ناقصـة وتُخرج مدناً مهمة مثل بيت حانون ورفح من دائرة الانسحابات الأولية، مؤكداً أن حركة حماس 'لا يمكن أن تسلم ورقة أسرى الاحتلال على بياض، من دون ضمانات ومكتسبات ملموسة على الأرض'. كما يرى أن الجدول الزمني المقترح ضيق جداً، ولا يراعي واقع الحركة التي 'تتعرض للتدمير والقصف منذ أكثر من عامين'، وتحتاج إلى وقت أطول لتجميع الأسرى والتنسيق مع الفصائل الأخرى.
ويضيف أن 'ترامب بدأ يتراجع تدريجياً عن المواعيد والخرائط التي قدمها'، مرجحاً أن يكون ذلك نتيجة 'ضغوط عربية عقلنت الموقف الأميركي'، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن 'نتنياهو يضمر نوايا خبيثة' يحذر منها حتى مسؤولون إسرائيليون سابقون. وبرغم المشهد المعقد، يرى أن هناك 'إرادة دولية وضغطاً متزايداً لوقف حرب الإبادة في غزة'، ما يعزز فرص التقدم إذا أحسن استثمارها.
ويرى الرنتاوي أن سعي ترامب إلى تحقيق اختراق قبل الإعلان عن جائزة نوبل يمثل في الوقت ذاته 'ميزة وعبئاً'، فهو يمنح المفاوضات زخماً لكنه قد يتحول إلى مصدر ضغط على الطرف الفلسطيني إذا أخفقت الخطة. ويقول إن تجربة التفاوض السابقة تظهر أن واشنطن تميل عادة إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل، وهو ما يخشى تكراره هذه المرة.
ويؤكد أن ما يميز هذه المبادرة عن سابقاتها هو أنها 'صيغت بحضور ثمانية من قادة العالمين العربي والإسلامي'، الأمر الذي جعل (إسرائيل) تشعر بوجود منافس عربي على النفوذ لدى واشنطن، ويرى أن موقفاً عربياً وإسلامياً قوياً قد 'يوفر شبكة أمان للمفاوض الفلسطيني الذي يخوض مفاوضات تمس مستقبل غزة والمشروع الوطني الفلسطيني بأكمله'.
نتنياهو والمراوغة المفتوحة
وحول مدى جدية رئيس حكومة الاحتلال في إنجاح المفاوضات، يعتقد الرنتاوي أن 'نتنياهو ليس حريصاً على التوصل إلى صفقة'، مستشهداً بإرساله وفداً فنياً بدلاً من سياسيين كبار، ورفضه أوامر ترامب بوقف قتل المدنيين في غزة.
ويقول إن 'مفاتيح الحل ليست في جيب نتنياهو بل في جيب ترامب'، مضيفاً أن الرئيس الأميركي 'قادر على فرض إرادته' كما فعل حين أجبر (تل أبيب) سابقاً على وقف غاراتها ضد إيران. ويؤكد أن نجاح المسار مرهون بقدرة المفاوض الفلسطيني والوسيط العربي على 'تضييق الخناق على نتنياهو واستثمار حاجة ترامب لتحقيق إنجاز شخصي سريع'.
ورغم الزخم، يرى الرنتاوي أن 'الضمان الوحيد لأي نجاح هو رغبة ترامب نفسه'، محذراً من تقلب مزاج الرئيس الأميركي، خصوصاً إذا لم يفز بجائزة نوبل. ويقول: 'هذا رجل لا يمكن الرهان عليه، ولا يمكن السير إلى جانبه بضع أمتار دون الخشية من أن يرتد إلى الخلف'، مشيراً إلى مواقفه المتقلبة من الحرب في أوكرانيا كمثال. ويعتبر أن المفاوضات 'مجازفة'، لكنها في ظل الأوضاع الراهنة 'الخيار الأقل سوءاً'، إذ لا بد من الدخول فيها 'بحثاً عن ضمانات داخل العملية نفسها، لا قبلها'.
ويشدد على ضرورة أن يتعامل المفاوض الفلسطيني بـ'أقصى درجات الحذر'، وألا يسقط أوراق القوة من يده قبل التأكد من قبض الثمن. ويذكّر بتجارب سابقة 'دفعت فيها فلسطين ثمن وعود إسرائيلية وأميركية دون أن تتسلم شيئاً بالمقابل'.
ويحذر من 'الأفخاخ الثقيلة' في المبادرة، مثل مسألة ما يسمى 'نزع السلاح'، والجداول الزمنية، والانسحابات الجزئية، مؤكداً أن التنسيق الوثيق بين المفاوض الفلسطيني والوسيطين المصري والقطري 'أساسي لتجاوز هذه الألغام'. ويرى أن ما يجري اليوم 'لا يخص حماس وحدها، بل يحدد مصير الشعب الفلسطيني بأسره ومستقبل القضية الوطنية والأمن الإقليمي في المنطقة'.