اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٦ أيار ٢٠٢٥
انتقدت مجلة “إيكونوميست” الخطة الإسرائيلية الجديدة لاحتلال غزة بالكامل والسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية، باسم مكافحة “حماس”، بأنها خطة قاصرة.
وأشارت إلى أن الحكومة الإسرائيلية، في 5 أيار/مايو، غيّرت مسارها بشكل وطريقة دراماتيكية، وقررت “توسيع” العمليات العسكرية مرة أخرى في قطاع غزة ووضع خطة لتوزيع المساعدات إلى السكان.
ويرى اليمين المتطرف في الخطة طريقًا نحو احتلال دائم، ويرى الواقعيون بوزارة الدفاع الإسرائيلية أن الخطة تسمح بدفعة جديدة لسحق ما تبقى من “حماس”. أما نقادها فيرون فيها مزيدًا من المعاناة والموت للمدنيين الغزيين.
ويأتي القرار الإسرائيلي في مرحلة مهمة، حيث سيتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 13 أيار/مايو، إلى الخليج في أول رحلة خارجية له منذ دخوله البيت الأبيض في ولايته الثانية، وستكون غزة على الأجندة.
وفي داخل القطاع، وصل نقص المواد إلى نقطة حرجة، حيث تُتهم إسرائيل بتبني سياسة التجويع للسكان. ومنذ أكثر من شهرين تفرض إسرائيل حصارًا كاملًا على القطاع. وقد أدى الحصار إلى منع دخول الغذاء والأدوية، وقطع إمدادات الكهرباء، ما يعني أن محطات تحلية المياه والعديد من المضخات لم تعد قادرة على العمل. لقد قطعت إسرائيل المساعدات من قبل، لكن هذا هو الحصار الأطول منذ بدء الحرب بعد هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. أما من الناحية العسكرية فقد ظلت غزة عالقة في حالة من عدم اليقين منذ انهيار وقف إطلاق النار، في أواخر آذار/مارس، ولم تعد المعارك كثيفة كما في السابق حيث بلغ عدد القتلى أسبوعيًا نحو نصف ما كان عليه في السابق. وفي المجمل، بلغ عدد القتلى من سكان غزة حتى الآن 52,000 شخص.
وأدى قطع المساعدات إلى تحذير الفلسطينيين ومنظمات الإغاثة من الجوع وحتى المجاعة. وتأتي اتهامات التجويع مشحونة لأن المزاعم بالمجاعة المحتومة التي حذرت منها المنظمات الدولية في عام 2024، إلى جانب النوايا التي عبر عنها الساسة الإسرائيليون لحرمان غزة من الطعام، كانت عاملًا في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، في حينه يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب قضية مستمرة في محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهم الإبادة.
وتعلق المجلة أن تكهنات المجاعة لم تحدث، إلا أن استعداد إسرائيل لاستخدام الطعام كورقة ضغط صحيح.
وتزعم إسرائيل اليوم أن هناك ما يكفي من الإمدادات الغذائية والطبية الكافية لسكان القطاع منذ فرض الحصار عليه قبل أكثر من شهرين. وتتهم إسرائيل “حماس” بأنها تختلق المزاعم، حيث تدعي إسرائيل أن “حماس” هي التي تستولي على المساعدات وتتلاعب بالأسواق، كي تملأ خزينتها وتدفع رواتب مقاتليها وتسيطر على السكان. وتتهم إسرائيل المنظمات الإنسانية “الساذجة” بغض الطرف.
لكن على أرض الواقع ليس هناك شك في وجود المعاناة الشديدة، فقد أصبحت محلات البقالة فارغة وأغلقت المخابز أبوابها وأصبحت المطابخ الجماعية مليئة بالعائلات اليائسة التي قد لا تتلقى سوى وجبة ساخنة واحدة في اليوم على الأكثر.
وتقول أولغا تشيريفكو، المتحدثة باسم الأمم المتحدة: “المستودع الرئيسي الذي نستخدمه لتوزيع المواد الغذائية في مدينة غزة أصبح فارغًا الآن”.
وقال موظف مدني سابق: “نقوم بتدوير المياه عدة مرات”، ويعيش الناس في خيام محاطة بأكوام من النفايات.
ويقول الدكتور خالد دواس: “يعيش الناس كالحيوانات”. ويقول برنامج الغذاء العالمي أن أسعار بعض المواد الغذائية، زادت بنسبة 700% عما كانت عليه في الماضي. فكيس الطحين الذي كان يُباع بـ 50 شيكلًا، أي 14 دولارًا، بات يُباع بحوالي 1,200 شيكل، أي 330 دولارًا. ويقول أكرم، وهو مدرس نازح من شمال غزة إنه يرسل أبناءه للوقوف في طابور ومعهم وعاء.
في يوم ما حصلوا على الفاصوليا، وفي اليوم التالي حصلوا على الحساء. وتستكمل الأسرة المكونة من خمسة أفراد هذه الاحتياجات بالمعكرونة وعلب التونة التي تم تخزينها خلال وقف إطلاق النار. صحيح أنه لم يمر عليهم يوم كامل دون طعام، حسب مقياس الجوع “لكننا نذهب إلى النوم جائعين كل ليلة”. وسينفد مخزون أكرم خلال أسبوعين و”هناك فائض من زيت الطهي: لا يوجد وقود”.
وتقع الأراضي الزراعية جنوب القطاع تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد تعرض نحو 78% من الدفيئات للضرر أو الدمار، إلى جانب 72% من أسطول الصيد. ولم يتبقَ سوى 1% من دجاج غزة قبل الحرب. ويتزايد معدل سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال.
وتقول سلطة الصحة في غزة التي تشرف عليها حركة “حماس” إن 57 شخصًا ماتوا جوعًا منذ بداية الحرب. وتقول مصادر في وكالات دولية إن هذه الوفيات ربما تكون ناجمة عن ظروف صحية سابقة، لكن سوء التغذية ربما كان عاملًا مساهمًا.
حتى أن المسؤولين الإسرائيليين يعترفون بأن الغذاء المتاح لعامة السكان سوف ينفد خلال أسابيع.
قال رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الجديد، الفريق إيال زامير، الذي تم تعيينه بسبب صرامته، إن الجيش لن يستخدم التجويع كتكتيك عسكري. وحث الضباط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على استئناف الإمدادات. لكن الجيش الإسرائيلي يريد أيضًا تعطيل ما تبقى من الشبكات الاقتصادية لـ “حماس”. ومن بين الأفكار المطروحة سحب الورقة النقدية من فئة 200 شيكل من التداول، والتي يتم استخدامها في غزة، من أجل حشد احتياطيات “حماس”، كما يُزعم.
وفي الوقت الراهن يتركز الاهتمام على الخطة الجديدة. وبدعم من أمريكا، ستنشئ إسرائيل “مراكز توزيع” في غزة. سيتم السماح لممثل عن كل عائلة باستلام طرد من المواد الغذائية ومنتجات النظافة يكفي لمدة أسبوعين. وفي نهاية المطاف قد يكون هناك عشرة مراكز، ولكن في البداية سيتم إنشاء مركز أو مركزين فقط في الجنوب كمشروع تجريبي. وسوف يقوم الجيش الإسرائيلي بتأمين طرق القوافل إلى المراكز ومحيطها الخارجي. وسوف يقوم “المتعهدون” الأمنيون الأمريكيون، أي المرتزقة، بتوفير الأمن في داخل المراكز. وفي 4 أيار/مايو، قال منتدى لوكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أخرى إن الخطة: “خطيرة، إذ تدفع المدنيين إلى مناطق عسكرية للحصول على حصصهم الغذائية، مما يهدد حياتهم”.
وتقول المجلة إن الخطة فيها عيوب كثيرة، فهي تترك الفلسطينيين في حالة اعتماد على الحصص الغذائية لأجل غير مسمى. ولم يتضح بعد كيف سيتم توفير الإمدادات للمستشفيات وملاجئ اللاجئين. وتم إنشاء مؤسسة دولية غامضة لدفع رواتب المقاولين، ولكن لم يتم تقديم أي تفاصيل بشأن الجهات المانحة (حكومة الولايات المتحدة متورطة في هذا الأمر).
ويتوقع المسؤولون الإسرائيليون أن توافق منظمات الإغاثة في نهاية المطاف على تولي المهمة وتقوم بالمساعدة بمجرد إدراكها أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها وصول المساعدات إلى غزة دون سيطرة “حماس” الضمنية.
وتهدف خطة المساعدات إلى استكمال العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وفي 5 أيار/مايو وافق مجلس الوزراء أيضًا على “توسيع” العمليات البرية، على الرغم من أن التفاصيل لم تُحدد بعد. ويطالب بعض الوزراء إسرائيل باحتلال القطاع بأكمله، وحصر سكان غزة حول مراكز المساعدات. ويعارض الجنرال زامير هذا الأمر، محذرًا من أن ذلك من شأنه أن يعرض الأسرى في غزة للخطر، وأن الجيش الإسرائيلي قد لا يملك ما يكفي من القوات.
على أية حال، لا يُتوقع إجراء أي مناورات لمدة أسبوعين على الأقل حتى يتم استدعاء وحدات الاحتياط.
وفي النهاية فإن الشخص الوحيد الذي يملك النفوذ هو الرئيس ترامب، وهو من يستطيع الضغط على نتنياهو، حيث يخشى الأخير من حث الزعماء العرب الرئيس على الضغط على إسرائيل للعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأصلي.
ومن غير المرجح أن تمضي إسرائيل قدمًا في خططها إذا سحب الأمريكيون دعمهم لها. وقد أصبحت غزة بمثابة الحرب الأبدية لإسرائيل، والجحيم الأبدي لأهل غزة.