اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
مع انبلاج الفجر، يتسلل محمود الفيومي (25 عامًا) من منزله المدمر جزئيًا في حي الشجاعية، متجهًا إلى نقطة توزيع المواد الغذائية. لا يحمل سلاحًا، بل كيسًا فارغًا وعينين تفيضان بالخوف. يقول:
'لا أذهب بحثًا عن الحياة، بل لأنتزع لقمة العيش من فم الموت. إما أن أعود بكيس طحين، أو لا أعود أبدًا.'
هذا المشهد الرهيب بات يوميًا لمئات آلاف المواطنين في قطاع غزة، منذ بدء الحصار المشدد الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية بانتظام منذ مطلع مارس/ آذار 2025.
تفاقمت الأزمة الإنسانية حتى أصبحت المجاعة تهديدًا يوميًا، وفق تقارير صادرة عن وزارة الصحة ومنظمات دولية كبرنامج الغذاء العالمي ووكالة 'الأونروا'.
النقطة التي يقصدها الفيومي ورفاقه، تبدو في ظاهرها مركزًا لتوزيع مساعدات إغاثية مقدمة من مؤسسة 'GHF' الأمريكية، لكن الاحتلال حوّلها إلى مصائد موت، يستدرج إليها المواطنين الجائعين.
لم تعد الضربات الجوية وحدها تحصد الأرواح، بل الرصاص المباشر من جنود الاحتلال أيضًا. يقول الفيومي: 'أرى الموت بعيني، وفي كل مرة أنجو بأعجوبة. الاحتلال الذي أنشأ مراكز يدّعي أنها لتوزيع المساعدات الإنسانية، حولها إلى كمائن قتل.'
ويضيف: 'ليست لدي وسيلة أخرى لإطعام والدتي وأشقائي. الحرب دمرت حياتنا، وأفقدتنا كل مصادر الدخل التي كنا نعيش عليها.'
في يونيو/ حزيران الجاري، وثقت وزارة الصحة استشهاد وإصابة مئات الشبان، جراء إطلاق قوات الاحتلال النار مباشرة على حشود المواطنين عند نقاط توزيع المساعدات في مناطق متفرقة من القطاع.
مساعدات بالرصاص
أحمد الحناوي (31 عامًا)، والد لطفلين، أصيب بشظايا في ساقه خلال محاولته الحصول على حصة غذائية من نفس النقطة. يروي بصوت متقطع: 'كان هناك أطفال ونساء وشبان، وفجأة بدأت النيران تتساقط من كل اتجاه. لم نكن نسرق، كنا فقط نطلب الطعام.'
نُقل أحمد إلى المستشفى، لكنه لا يعلم إن كان سيتمكن من المشي مجددًا أم لا.
في منطقة الكرامة شمال غرب مدينة غزة، تقف أم محمد، أم لخمسة أبناء، أمام ما تبقى من منزلها المتصدع، وتقول والدموع تنهمر: 'استُشهد ولدي عادل الشهر الماضي أثناء ذهابه للحصول على كيس طحين. لم يكن يحمل سوى كيس فارغ، لكن رصاص جنود الاحتلال أرداه شهيدًا.'
وتتابع: 'كان عادل هو من يعيلنا بعد استشهاد والده في قصف سابق. اليوم لا نملك شيئًا. نأكل أوراق العنب المسلوقة، وكل بضعة أيام نحظى بكيلو طحين واحد لا يسد الرمق.'
حصار داخل الحصار
خالد أبو العطا (28 عامًا) يخرج كل يومين رغم إدراكه أنه قد لا يعود. يقول: 'نحن في حصار داخل الحصار. لا طحين، لا أرز، لا ماء نظيف. والدتي مريضة، وأخواتي الصغيرات لا يفهمن لماذا لا نجد الطعام. الموت في غزة لم يعد مفاجئًا، بل بات بطيئًا وعلى جرعات.'
بحسب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ارتقى أكثر من 430 شابًا منذ مطلع نيسان/ أبريل الماضي، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط المساعدات، معظمهم أصيبوا بأعيرة نارية مباشرة أو استُهدفوا في قصف متعمد.
ووصف المكتب الأممي، في بيان مقتضب، استخدام الغذاء كسلاح ضد المدنيين في غزة بأنه 'جريمة حرب'.
ورغم التحذيرات الدولية، يواصل الاحتلال منع إدخال المساعدات، ويفرض قيودًا مشددة على القوافل البحرية، ما تسبب في أوضاع إنسانية كارثية تركت آثارها العميقة على المواطنين، وخصوصًا النازحين الذين دمرت منازلهم.
اليوم، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة على حافة الجوع، يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، وسط معدلات غير مسبوقة لسوء التغذية، تعتبر الأطفال الفئة الأكثر تضررًا.
في غزة، تُنتزع لقمة العيش من بين أنياب الموت، وتُغمس بالدم، بينما يقف العالم متفرجًا على مجاعة تُنفّذ بقرار عسكري وبصمت دولي مريب.