اخبار فلسطين
موقع كل يوم -راديو بيت لحم ٢٠٠٠
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
بيت لحم 2000 -هل لاحظت يومًا أن أفكارك بعد نومٍ عميق تكون أكثر وضوحًا؟ربما استيقظت وقد وجدت حلاً لمشكلة أرهقتك بالأمس. هذه ليست صدفة؛ فالنوم ليس مجرد راحة، بل هو الوقت الذي يعيد فيه دماغك ترتيب ذاته ليحافظ على ذاكرتك حيةً ونشطة.
وفقًا لتقرير نشره موقع Harvard Health Publishing ، فإن النوم الليلي الجيد هو أحد أقوى العوامل التيتدعم الذاكرةوالتعلّم، إذ يعمل على 'تنظيف' الروابط العصبية التي امتلأت بمعلومات اليوم، ويُعيد ضبط الدماغ لاستقبال معرفة جديدة في الصباح التالي.
الذاكرة تبدأ بالانتباه
الخطوة الأولى لأي ذكرى هي الانتباه، وهذا ما يتأثر مباشرة بالإرهاق. فعندما يقلّ نومك، تنخفض قدرتك على التركيز، مما يجعل تسجيل المعلومات أصعب بكثير. كل لحظة تعب تُربك التواصل بين الفص الجبهي – المسؤول عن التفكير المنطقي – وبين الحُصين، المنطقة الدماغية التي تحفظ الذكريات الجديدة. ولهذا يشعر من يسهر طويلًا بأن ذاكرته 'تخونه'، رغم أنه يظن أنه يراجع أو يتعلم أكثر.
لماذا نشعر بالتعب؟
الإجهاد العقليليس مجرد نقص في الطاقة؛ بل هو استجابة فيزيولوجية معقدة. فمع طول فترة الاستيقاظ يتراكم ما يُعرف بـ'ضغط النوم'، وهو حاجة بيولوجية تدفع الجسم إلى الراحة. كما أن الساعة الداخلية في الدماغ – أو الإيقاع اليومي – تفرض فترات محددة للنشاط والخمول، فإذا تجاهلتها وواصلت السهر، ستجد صعوبة في التركيز حتى لو تناولت القهوة أو مشروبات الطاقة.
الكافيين... دعم مؤقت فقط
الكافيين لا يمنحك طاقة حقيقية، بل يعطلإشارات التعبفي الدماغ لفترة قصيرة. ونتيجة لذلك، تشعر باليقظة مؤقتًا، ثم تنهار طاقتك فجأة مع انتهاء مفعوله. لذلك، يعتمد الباحثون في هارفارد على توصية واضحة: استخدم الكافيين باعتدال، ولا تجعله بديلًا للنوم الطبيعي، لأن الذاكرة تحتاج إلى فترات من 'السكينة العصبية' لتترسخ المعلومات داخل الحُصين.
أثناء النوم... تبدأ عملية البناء
عندما تغفو، يدخل الدماغ في سلسلة من المراحل المتعاقبة. خلالالنوم العميق، تُنقّى الاتصالات العصبية من الذكريات الزائدة أو غير الضرورية، وكأن الدماغ يفرز ملفاته القديمة ليُفسح المجال لجديدة. وفي الوقت نفسه، تُعاد تقوية المسارات العصبية التي تحتفظ بالمعلومات المفيدة، وهي العملية التي تُعرف علميًا باسم 'تثبيت الذاكرة'.
أما خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، وهي الأكثر نشاطًا من حيث الأحلام، فيقوم الدماغ بربط الذكريات الحديثة بخبرات أقدم، مما يُتيح تكوين رؤى جديدة أو حلول مبتكرة. ولهذا قد تستيقظ فجأة بفكرة لم تخطر لك قبل النوم.
النوم يخفف الألم العاطفي أيضًا
لا تقتصر فائدة النوم على تحسين الحفظ، بل تمتد إلى الجانب العاطفي. فخلال النوم، يُعادتنظيم المشاعرالمرتبطة بالذكريات المزعجة، بحيث تحتفظ بما حدث دون الإحساس ذاته بالضيق. إنها آلية طبيعية تساعد على التعافي النفسي وتجعل التعامل مع الضغوط اليومية أكثر سهولة.
أدوية النوم... بين الفائدة والمخاطرة
يحذر الخبراء من الاعتماد الدائم على المهدئات أو الحبوب المنومة، لأنها تُثبّط النشاط العصبي في مراكز الذاكرة. فبينما تُساعدك على النوم، فإنها تقلّل من جودة مراحل النوم العميق ومرحلة الحلم، وهما الأساس في بناء الذاكرة. لذلك، يُفضّل اللجوء إلى الحلول السلوكية مثل تثبيت موعد النوم، والابتعاد عن الشاشات قبل ساعة من الخلود للفراش، وممارسة الاسترخاء الذهني.
حين تنام، تتعلم مرتين
الدماغ لا يتوقف عن التعلم عند إغلاق عينيك، بل يبدأ جولة أخرى من المعالجة العصبية الدقيقة. هذا ما يفسر نتائج الدراسات التي وجدت أن الأشخاص الذين يراجعون مادةً دراسية ثم ينامون بعدها، يتذكرونها بدرجة أفضل من أولئك الذين يسهرون لمواصلة المذاكرة. فالنوم هنا يعمل كزر حفظ طبيعي لكل ما مرّ به الدماغ خلال النهار.
الطريق إلى ذاكرة أقوى يبدأ من الوسادة
إذا كنت تستعد لاجتماع عمل، أو لامتحان، أو حتى لحفظ تفاصيل لقاء قديم، فاجعل النوم جزءًا من استراتيجيتك. النوم العميق من سبع إلى تسع ساعات ليس رفاهية، بل ضرورة فسيولوجية لإبقاء الذاكرة حادة والذهن متّقدًا. إن أعظم ما تفعله لذاكرتك قد لا يكون جهدك في المذاكرة أو التركيز، بل تلك الساعات الصامتة التي تمنح فيها دماغك الفرصة ليعيد ترتيب عالمك الداخلي.

























































