اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ تموز ٢٠٢٥
قدماها لا تحملانها، وعيناها تبرقان بالأسى، بهذه الحالة تفترش رغد العرقان (13 عاما) الأرض، قرب خيمة أسرتها المتفحمة في مدرسة لإيواء النازحين قسرا بمدينة غزة، في حين يزداد تورم قدمها اليسرى إثر إصابتها باستهداف إسرائيلي غادر.
حين اشتعلت الخيمة التي تؤوي أسرتها أمس، سحبت جسدها بيديها الهزيلتين وركضت نحو الظلام، بينما كانت النساء يهرعن دون وعي للنجاة بأنفسهن وبأطفالهن.
'فجأة النار هبت بالخيمة وأنا نايمة.. سحبت حالي وطلعت، شفت رجلي دم، والناس حواليا مرمية'، تقول رغد لصحيفة 'فلسطين'، بصوت خافت تختلط فيه الطفولة بالخوف.
مراكز غير آمنة
من خلف هذا الاستهداف لمدرسة مصطفى حافظ غرب غزة، تبرز الأرقام المهولة التي تكشف اتساع الجريمة. إذ تشير تقارير منظمات دولية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة قصف ممنهج لمراكز الإيواء والمدارس، رغم معرفته المسبقة بأنها تؤوي نازحين قسرا معظمهم من الأطفال والنساء.
وبحسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة صدر في 30 يونيو/حزيران 2025، فقد استهدف الاحتلال منذ بدئه حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، نحو 256 مركزا للنزوح والإيواء في مختلف مناطق غزة، وهي مراكز كانت تضم أكثر من 700,000 نازح.
وخلال يونيو/حزيران 2025 وحده، قصف الاحتلال أكثر من 11 مركزا، معظمها مدارس تحولت إلى ملاجئ اضطرارية، كما جاء في البيان.
وما تؤكده هذه الإحصاءات الحكومية، تدعمه أيضا تقارير أممية. فقد أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، في تحديثه الإنساني الصادر بتاريخ 21 يونيو/حزيران 2025، أن استهداف مراكز الإيواء تواصل بوتيرة 'مقلقة'، ووقعت خسائر بشرية جسيمة في مدارس تؤوي نازحين، من بينها مدرسة شرقي غزة استشهد فيها 36 شخصا بعد اندلاع حريق بفعل قصف عنيف.
وفي السياق ذاته، ذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا، في تقاريرها لشهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2025، أن ما لا يقل عن 172 منشأة تابعة لها باتت تقع في مناطق مصنفة 'مناطق عمليات عسكرية' أو خاضعة لأوامر إخلاء إسرائيلية، وهو ما يعوق عمليات الإغاثة، ويضاعف الخطر على مئات آلاف النازحين.
أما موجات النزوح القسري المتكررة، فقد رصدتها الأمم المتحدة كذلك، إذ وثقت (OCHA) في تقاريرها أن أكثر من 632,000 فلسطيني نزحوا مجددا خلال الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2025 وحدها، كثير منهم للمرة الثانية أو الثالثة، نتيجة قصف إسرائيلي طال مناطق الإيواء ومخيمات اللجوء، وهو ما وصفه البيان الأممي بأنه 'نمط متكرر لانتهاك القانون الدولي الإنساني'.
وتشمل الإبادة الإسرائيلية المستمرة، للشهر الـ21 تواليا، قتلا وتجويعا وتدميرا وتشريدا قسريا، ما أسفر عن 190 ألف شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وجع 'يخرق' الشعور
لكن ما تكشفه الأرقام لا يقارن بما ترويه الأجساد المحترقة والقلوب المتفحمة.
في ظلمة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، هز الاستهداف الإسرائيلي حرم المدرسة وجدرانها، لا صوت قبله ولا إنذار. وفي ساحة خيم مهترئة داخلها، استحال صفان إلى كتلة لهب، وتحولت خيمة عائلة أشرف العرقان المجاورة لهما إلى لهيب يحاصر من فيها.
ووفق شهود عيان، كان الضحايا في الصفين المحترقين بفعل الاستهداف الإسرائيلي من عائلة حجيلة، ومعظمهم أطفال ونساء.
بصوت مبحوح تقول رغد، وقد انتفخت قدمها اليسرى: 'صحيت على صوت الضربة (الإسرائيلية)، ونار بتهب.. الخيمة كانت نازلة علينا رفعناها وطلعنا فورا من طرفها.. سحبت حالي وشردت، لقيت الناس مقطعين على الأرض، والنار مشتعلة على الآخر'.
بعد لحظات، اكتشفت الطفلة أن الدم يسيل من قدمها، والوجع يخرق شعورها، ويحبس أنفاسها.
أم محمد العرقان والدة رغد، تصف كيف احترقت خيمتها وهي بداخلها: 'فجأة النار ولعت فوقنا، مش عارفين نطلع. رفعنا طرف الخيمة وكانت طابقة علينا، ولما طلعنا كل واحد تفرق، حتى بشعورنا طلعنا، الناس اللي سترتنا. بنتي الحامل أصيبت، ورجلها محروقة وشظايا، وسلفها استشهد'.
تتوقف قليلا لتكبح دموعها، ثم تتابع لصحيفة 'فلسطين': 'النار كانت بتهب علينا، رجليا نار، مناظر فظيعة، مش قادرة أوصف.. أنا شفت ناس محروقة ومقطعة.. أغلبهم أطفال ونساء..'.
زوجها أشرف العرقان، رجل خمسيني نازح قسرا من حي الشجاعية ويتواجد مع أسرته في هذه المدرسة منذ شهر، أصيب بشظايا في رأسه ويضع على جبينه قطعة قماش بيضاء.
بصوت مثقل بالهموم يقول لصحيفة 'فلسطين': 'كنا نايمين، فجأة سمعت ضربة قوية.. الخيمة وقعت علينا أنا ومرتي وولادي، النار شعلت من الناحية الشرقية، شردنا غرب'.
ويتابع: 'كنت قاعد على الجوال وقت الضربة، تصاوبت، سبع غرز برأسي، وطلعت على المستشفى مع ابني'.
وبعد استهداف الخيمة، وجدت عائلة العرقان نفسها في فناء المدرسة بلا خيمة، وبلا غطاء، أو طعام، أو مأوى. يجلسون على الأرض، وأشباح النار لا تزال تسكن نظراتهم.
'شو ذنب الأطفال؟'
في المشهد، كانت مجموعة من النسوة من عائلة حجيلة يبكين ضحايا المجزرة الإسرائيلية.
حلا (13 عاما)، تبكي وهي تقول عن الضحايا: 'تعودنا نعيش سوا من أول الحرب'، وقد فارقوها في واحدة من أبشع جرائم الاحتلال.
أما أم نادر، فتصرخ بغضب من حجم الفاجعة: 'الأطفال يتقطعوا ولا ينحرقوا؟ ايش ذنبهم؟! حوالي 15 نفر من العائلة.. أمهات وأولادهن.. بنت حماتي وابنها شهيد، محمولين مقطعين.. ما ضلش اشي'.
هو غضب لا ينطفئ مع استمرار استهداف الأبرياء، في حرب إبادة حولت مراكز الإيواء إلى محارق جماعية وسط صمت العالم، أو تواطؤه.