اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
حذّر مراقبون اقتصاديون من التداعيات الخطيرة لقرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي استئناف ما تسميه 'تسوية الحقوق العقارية وتسجيل الأراضي' في المنطقة 'ج' من الضفة الغربية المحتلة، عادّين أن الخطوة تُشكّل أداة جديدة لنزع السيطرة الفلسطينية عن الموارد الحيوية، وتعميق التبعية الاقتصادية، وإجهاض أي إمكانية لبناء اقتصاد وطني مستقل.
وتُعد المنطقة 'ج'، التي تشكّل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني، إذ تضم النسبة الأكبر من الأراضي الزراعية والمراعي، إلى جانب الموارد الطبيعية من مياه ومعادن ومحاجر.
وبالتالي، فإن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على هذه المساحات تساوي فعليًا تجريد الفلسطينيين من أهم أدوات الإنتاج المحلي.
الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس وصف الإجراء بأنه 'تجفيف استراتيجي ممنهج لموارد الاقتصاد الفلسطيني'، مؤكدًا أن ما يحدث يتجاوز حدود مصادرة الأراضي إلى ضرب البنية الاقتصادية من جذورها.
وقال لصحيفة 'فلسطين' إن القرار يهدف إلى 'إخراج الفلسطيني من المعادلة الاقتصادية بالكامل، وتحويله إلى مجرد عامل رخيص في اقتصاد الاحتلال، بدلًا من أن يكون فاعلًا منتجًا على أرضه'.
وأوضح أبو الروس أن الزراعة، التي كانت تاريخيًا ركيزة الاقتصاد الفلسطيني، هي المتضرر الأول من هذه السياسات، مشيرًا إلى أن المصادرات المتتالية للأراضي تؤدي إلى تهجير آلاف العائلات، وتحويل الأراضي الزراعية إلى مستوطنات ومناطق صناعية مغلقة، لا مكان فيها للفلسطينيين.
وأكد أن فقدان الأراضي الزراعية لا يعني فقط فقدان الإنتاج الغذائي، بل أيضًا فقدان الأمن الغذائي الوطني، وزيادة الاعتماد على الواردات من السوق الإسرائيلي، موضحًا أن نحو 70% من السلة الغذائية الفلسطينية تعتمد على الإنتاج الزراعي من أراضي المنطقة 'ج'، وأي انتكاسة في هذا القطاع تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتراجع الاكتفاء الذاتي، واتساع رقعة الفقر.
وأضاف أن هذه الإجراءات تأتي ضمن سياسة ممنهجة لإفراغ الريف الفلسطيني، وتحويل القرى الزراعية إلى تجمعات سكانية عاجزة عن التطور، ما يُضعف صمود الفلسطينيين في أراضيهم، ويُسهّل السيطرة الاستيطانية عليها.
أما الخبير الاقتصادي د. نائل موسى، فرأى في 'تسوية الحقوق العقارية' ذريعة واضحة لتوسيع رقعة الاستيطان الصناعي والتجاري.
وأوضح موسى لـ'فلسطين' أن الاحتلال الإسرائيلي يمنح المشاريع المقامة على أراضي المنطقة 'ج' إعفاءات ضريبية وحوافز استثمارية، في وقت يُحرم فيه الفلسطينيون من الحصول على أبسط التراخيص اللازمة للبناء أو الاستثمار.
وقال: إن النتيجة المباشرة هي 'خلق بيئة طاردة لرأس المال الفلسطيني، وهروب الاستثمارات نحو الخارج أو إلى مناطق مكتظة ومحدودة المساحة، ما يُفضي إلى اختناق اقتصادي شامل'.
وأشار موسى إلى أن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها المياه، تُعمّق الأزمة بشكل خطير، حيث يحصل المستوطنون على كميات مياه تفوق بكثير ما يُمنح للفلسطينيين، في حين تُفرض قيود صارمة على استخدام الآبار وتطوير شبكات الري.
وأكد أن التفاوت لا يضرب الزراعة فقط، بل يمتد أثره إلى قطاعات الصناعة، والغذاء، والخدمات، ويقوّض أي أمل في تحقيق تنمية مستدامة.
وشدّد على أن هذه السياسات تنعكس بشكل مباشر على سوق العمل، إذ ترتفع معدلات البطالة في صفوف الفلسطينيين، في الوقت الذي يُجبر فيه آلاف الشباب على العمل في المستوطنات بأجور متدنية، دون حماية قانونية أو ضمانات، ما يُكرّس منطق التبعية، ويُفرغ المجتمع من قدرته على الصمود والاكتفاء الذاتي.
ويجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي يعتبر الضفة الغربية أرضًا محتلة، ويُحرّم على قوة الاحتلال إجراء أي تغييرات ديموغرافية أو قانونية فيها.
ورغم ذلك، يمضي الاحتلال الإسرائيلي في فرض وقائع على الأرض تتجاوز القانون الدولي، وسط غياب للمحاسبة الدولية.