تونس تطلق قافلة "الصمود" نحو غزة... مبادرة شعبية لكسر الحصار وإدخال المساعدات

تونس- معا- في تحرك ميداني جديد يعكس التزام المجتمع المدني التونسي بالقضية الفلسطينية، أعلنت تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، وبدعم من عدد واسع من المنظمات الوطنية التونسية، عن تنظيم 'قافلة الصمود'، وهي قافلة برية تضامنية ستنطلق من العاصمة التونسية يوم 14 يونيو/ حزيران المقبل في اتجاه قطاع غزة عبر الأراضي الليبية والمصرية.

القافلة التي وصفها منظموها بأنها 'تضامنية، إنسانية، شعبية'، لا تهدف فقط إلى إيصال المساعدات، بل إلى ممارسة ضغط فعلي من أجل كسر الحصار عن قطاع غزة والسماح بدخول آلاف الأطنان من المساعدات الإغاثية والطبية المتكدسة منذ سنتين في العريش ورفح دون إذن عبور إلى القطاع المحاصر.

وتأتي 'قافلة الصمود' في لحظة حرجة تعيشها غزة، التي تعاني من حصار خانق فُرض عليها منذ سنوات، وازداد قسوة منذ استئناف الجيش الإسرائيلي حربه على القطاع.

وتضم 'قافلة الصمود' التونسية عددا من أبرز الهيئات الوطنية في تونس، من بينها: الاتحاد العام التونسي للشغل، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعمادة الأطباء، وجمعية المحامين الشبان، والمنظمة التونسية للأطباء الشبان، بالإضافة إلى الشبكة التونسية لمناهضة التطبيع.

يصف وائل نوار، وهو أحد منسقي القافلة وعضو تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، 'قافلة الصمود' بأنها 'صرخة تونسية في وجه الحصار'، وقال في تصريحات لـ'سبوتنيك' إن 'هذه المبادرة لا تهدف فقط إلى التحرك الرمزي، بل إلى تحقيق فعل ميداني مؤثر يضع ملف الحصار أمام الرأي العام الدولي بشكل مباشر'.

وأضاف: 'القافلة ستنطلق من تونس يوم 14 يونيو المقبل في اتجاه غزة، مرورا بليبيا ومصر. ونعمل على تنسيق عابر للحدود مع منظمات من المجتمع المدني الليبي والمصري، بهدف الوصول إلى معبر رفح في تحرك جماعي موحد من عدة جهات'.

وأوضح نوار أن 'هذه القافلة لا تحمل شحنات جديدة من المواد الغذائية أو الطبية لأن الكارثة، حسب قوله، ليست في غياب المساعدات، بل في منع إدخالها'.

وتابع: 'لدينا مساعدات جاهزة ومتراكمة بالأطنان منذ عامين في العريش ورفح، منها ما أصبح غير صالح، ومنها ما يزال صالحا للاستخدام، لكن الحصار هو من يمنع دخولها.. القافلة هي تحرك سياسي وضاغط قبل أن يكون إغاثيا'.

وأكد نوار أن 'المبادرة تحظى بدعم شعبي ومدني، مع وجود تنسيق فعلي مع منظمات وهيئات من ليبيا ومصر وجهات دولية أخرى، من أجل توسيع نطاق المشاركة وتحقيق نوع من الضغط الجماعي على معبر رفح الحدودي، الذي يمثل بوابة غزة الرئيسية إلى العالم'.

وأشار وائل نوار إلى أن 'الشركاء الليبيين أبدوا استعدادا كاملا للمشاركة، وأن هناك مفاوضات لضمان عبور القافلة من معبر رأس الجدير الحدودي مع تونس، لتصل لاحقا إلى مصر'.

وأوضح: 'شركاؤنا في ليبيا ليسوا فقط في حالة تنسيق معنا، بل من المرجح أن يحملوا مساعدات ميدانية إلى القطاع، ضمن تحرك متكامل. في مصر كذلك، لدينا تنسيق مع منظمات محلية وشخصيات وطنية ستنضم إلينا فور دخولنا الأراضي المصرية'.

كما كشف نوار عن تحضيرات لبيان عالمي سيصدر قريبا، بمشاركة منظمات دولية تنشط في مجال الإغاثة والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، في إطار محاولة لتوحيد الجهود والوصول إلى غزة في وقت متزامن، ضمن حملة عالمية لكسر الحصار.

النقابات تدعم والمجتمع المدني يتحرك

ويحظى مشروع 'قافلة الصمود' بدعم واسع من كبرى النقابات المهنية والمنظمات الحقوقية في تونس، في مشهد يعكس وعيا جماعيا متزايدا بخطورة ما يعيشه الشعب الفلسطيني، وخاصة سكان قطاع غزة، بحسب الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سمير الشفي.

ويرى الشفي في تصريحات لـ'سبوتنيك'، أن 'هذا الدعم أحد أبرز عناصر قوة القافلة، التي تراهن على الزخم الشعبي والمؤسسي لتكريس فعل تضامني يتجاوز الشعارات إلى الفعل الميداني'.

وتابع: 'قافلة الصمود هي استمرار طبيعي لمسار نضالي طويل يخوضه الشعب التونسي ومكوناته المدنية نصرة للقضية الفلسطينية'، مشيرا إلى أن 'التنسيقية تقوم بعمل جبار من أجل كسر الحصار، وفضح جرائم الجيش الإسرائيلي'.

وأضاف: 'هذه القافلة تأتي لتُفعّل التضامن الحقيقي للشعب التونسي مع الشعب الفلسطيني على الأرض لا عبر الشعارات فقط، من خلال الالتحام الميداني مع نضال أبناء غزة وصمودهم الأسطوري'.

وتابع الشفي أن المبادرة تمثل 'صرخة نداء أخير' موجهة إلى كل من لا يزال يشعر بإنسانيته، قائلا: 'غزة تُباد أمام أعين العالم، الأطفال يُقتلون، والنساء تُشرّد، والبيوت تُقصف، في صمت دولي مطبق، لا يكفي أن نرفع شعارات التضامن من بعيد، يجب أن نتحرك على الأرض، ونواجه الحصار عمليا، ونُحرج من يبررون هذا الإجرام تحت ذرائع واهية'.

ويرى القيادي النقابي أن 'الحصار المفروض على غزة لا يمثل فقط انتهاكا إنسانيا، بل يندرج ضمن مشروع سياسي أكبر، تسعى من خلاله إسرائيل إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تشمل التهجير القسري، والسيطرة الديموغرافية، ومحاولة إخراج الفلسطينيين من أرضهم تحت غطاء أمريكي وبقيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب'.

وأضاف: 'هذه القافلة هي أيضا رسالة سياسية في وجه كل المشاريع التي تُحاك في الكواليس، هي صرخة ضد التواطؤ، وضد محاولة إدخال تونس إلى محور التطبيع مع الكيان الصهيوني'.

دعوة للانخراط الوطني الشامل

وفي الوقت الذي بادرت فيه منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية بإعلان دعمها الكامل لقافلة الصمود، ارتفعت أصوات تطالب الدولة التونسية بدعم رسمي واضح ومباشر لهذه المبادرة، لتتحول من مبادرة شعبية إلى مشروع وطني-عربي ضاغط.

وفي هذا السياق، عبّر صلاح المصري، عضو الشبكة التونسية للتصدي لمنظومة التطبيع، عن أمله في أن تتعامل السلطات التونسية مع القافلة بوصفها فرصة حقيقية لتأكيد موقف تونس الرسمي من القضية الفلسطينية، ورفضها لمسار التطبيع الذي يتسارع في المنطقة.

وقال في تصريحات لـ'سبوتنيك': 'اليوم الشعب التونسي قال كلمته، والمنظمات دعمت، والمجتمع المدني تحرك، لكن لا يمكن لهذه القافلة أن تحقق أهدافها كاملة دون دعم سياسي واضح من الدولة'.

وأوضح المصري أن القافلة تمثل أكثر من مجرد خطوة رمزية: 'هي تعبير وموقف واضح ضد حرب الإبادة ومشاريع التطبيع والتهجير والتجويع'، بحسب قوله.

كما أشار إلى أن 'هذه القافلة تعبّر أيضا عن استجابة جماعية لصرخة أطلقها الشعب الفلسطيني منذ سنوات، ونصرة لإخواننا في غزة الذين يعانون ويلات الحرب والمجاعة'.