اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
ليست القذائف وحدها من تقتل في غزة، بل إن الإهمال الطبي الناتج عن الانهيار التام للمنظومة الصحية بات بابًا جديدًا للموت، ومصدرًا لعذابات لا تنتهي. عشرات الآلاف من المصابين، بعضهم بجروح خطيرة، وآخرون بإصابات طفيفة، تدهورت حالاتهم بسبب غياب العلاج، لتتحوّل جروحهم إلى التهابات، وأوجاعهم إلى أمراض مزمنة قد تفقدهم حياتهم أو أطرافهم.
في المستشفى الأوروبي جنوب القطاع، يرقد الشاب محمود أبو جبر، 24 عامًا، وقد بُترت ساقه اليمنى قبل أسبوع. لم يكن ذلك بسبب إصابته المباشرة في الغارة، بل بسبب تعفن الجرح. يقول شقيقه: 'أصيب محمود بشظايا في بداية يوليو، وانتظرنا أسبوعًا كاملًا حتى يجد طبيبًا أو مضادًا حيويًا. لما لقينا الدواء، كان الالتهاب انتشر ووصل العظم'.
وهذه الحالة ليست استثناء. ففي تقرير حديث صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية، وُثق أكثر من 4,500 إصابة تحولت إلى مضاعفات بسبب تأخير العلاج، أو عدم توافر الأدوية الأساسية، أو استخدام أدوات طبية ملوّثة بسبب شح التعقيم. ومن بين هذه الحالات، أكثر من 600 طفل بدأت تظهر عليهم علامات تسمم دموي أو تآكل في الأنسجة.
المنظمة الدولية للصليب الأحمر أكدت في بيان لها أن 'الوضع الطبي في قطاع غزة يُعد من بين الأسوأ في العالم'، مشيرة إلى أن بعض المستشفيات تعمل دون كهرباء، وأجهزة التصوير الطبي معطلة، وغرف العمليات تفتقر إلى الأدوات الجراحية المعقمة.
تُضيف الطبيبة منى سليم، جرّاحة في أحد المراكز الطبية الميدانية: 'نتعامل مع حالات حرجة بإمكانيات معدومة. نحاول إنقاذ الأرواح، لكن أحيانًا نضطر لاتخاذ قرارات مؤلمة، كبتر أطراف أطفال حتى لا يموتوا من الالتهاب. والأصعب أن بعضهم لا نجد له حتى مسكنًا للألم'.
أما على صعيد الحالات المزمنة، فالمصابون بالسكري، والضغط، وأمراض الكلى، يعيشون تحت تهديد دائم بفقدان حياتهم بسبب انقطاع الأدوية، فيما مرضى السرطان باتوا في عداد النسيان. تقول السيدة أم سليم، والدة لطفل يعاني من الحروق: 'قالولي ما في كريم للحروق، وبعدين جابولي زيت زيتون من السوق... هيك بيصير العلاج؟!'
وتفاقم الأمر مع منع إدخال الإمدادات الطبية، وتدمير أكثر من نصف مرافق الرعاية الصحية في القطاع. فمستشفى الشفاء، الأكبر في غزة، خرج عن الخدمة جزئيًا، فيما تُستخدم مراكز الإيواء كعيادات طوارئ، لا تملك إلا الشاش والضمادات.
في ظل هذا الواقع المأساوي، أصبح الألم مشهدًا يوميًا، لا يُعالج، ولا يُخفف. شباب فقدوا أطرافهم، أطفال فقدوا حواسهم، وآباء يموتون ببطء لأن لا أحد يلتفت إليهم. وفي الوقت الذي يتفرج فيه العالم على معاناة غزة عبر الشاشات، هناك من ينزف في صمت، لا لأن الإصابة قاتلة، بل لأن 'الدواء غير موجود'.
ويبقى السؤال: كم من الضحايا كان يمكن إنقاذهم؟ وكم من المصابين سيموتون في الأيام القادمة لأن العالم اختار أن يُبقي غزة بلا دواء؟