اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٣ تموز ٢٠٢٥
في وقت تتصاعد المطالب الدولية بمحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة، وتوثّق التقارير الحقوقية حجم الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، جاء قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على المقررة الأممية الخاصة فرانشيسكا ألبانيزي ليمثل رسالة واضحة: من يفضح جرائم الإبادة يُعاقَب، لا من يرتكبها.
وفي هذا السياق، تحذر أستاذة العلوم السياسية والقانون الدولي لحقوق الإنسان د. لينا طبال، من خطورة هذا الاستهداف الذي لا يطال ألبانيزي وحدها، بل يهدد مستقبل العدالة الدولية، ويُجهض كل محاولات إنصاف ضحايا غزة.
وأكدت طبال في حوار مع صحيفة 'فلسطين'، أن هذا الاستهداف يمثل سابقة قانونية خطيرة وتدخلا فاضحًا في استقلال منظومة حقوق الإنسان الدولية، مشيرة إلى أن المقررين الأمميين يتمتعون باستقلالية تامة، وأي محاولة لمعاقبتهم تقوض شرعية الآليات الأممية، وتحولهم إلى أهداف سياسية.
وفرضت الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، عقوبات على المقررة ألبانيزي، التي وثقت الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بقطاع غزة في عدة تقارير، وطالبت بملاحقة الجهات والشخصيات الضالعة فيها.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في منشور على موقع إكس، 'أفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيزي، لجهودها غير الشرعية والمخزية لحث المحكمة الجنائية الدولية على التحرك ضد مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أميركيين وإسرائيليين'.
وأضاف روبيو 'لا تسامح بعد الآن مع حملة ألبانيزي من حرب سياسية واقتصادية على الولايات المتحدة.
سابقة خطيرة
وأوضحت طبال أن ألبانيزي أصدرت، بموجب ولايتها الأممية، تقارير دقيقة وثّقت فيها الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها (إسرائيل) في غزة، مطالبة بمحاسبة جميع المتورطين، من مسؤولين حكوميين إلى شركات دولية تساهم في العدوان من خلال دعمها العسكري والتقني. وأضافت: 'العقوبات الأميركية بحق ألبانيزي ليست إلا عقوبة على من وثّق جرائم الإبادة، لا على شخصها فحسب'.
وحذرت من أن فرض العقوبات الأميركية على المقررة الخاصة يفتح الباب أمام سابقة خطيرة، حيث يُعاقب من يوثق الجرائم بدلاً من معاقبة من يرتكبها، في إشارة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والمسؤولين، مؤكدة أن هذه الخطوة تشكّل تقويضًا مباشرًا للثقة الدولية بمنظومة حقوق الإنسان والعدالة.
وأضافت: 'ما جرى لا يُمثل مجرد استهداف لفرد أو لجهة أممية، بل هو ضربة مباشرة لمنظومة العدالة الدولية، وهو تشجيع صريح للإفلات من العقاب تحت غطاء التحالفات السياسية. من يثق اليوم بمنظومة حقوق الإنسان؟ ومن يصدق بشرعة دولية أصبحت تُعاقِب من يكشف الجريمة لا من ارتكبها؟'.
ووصفت العقوبات بأنها 'انتقام سياسي صريح ضد مسؤول أممي كشف جرائم حرب محتملة'، قائلة: 'ما جرى ليس خلافًا في الرأي القانوني، بل عقوبة مباشرة ومدروسة تستهدف تقارير ألبانيزي ورسائلها القانونية، وتأثيرها داخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها'.
وتابعت: 'ما فعلته الولايات المتحدة هو رسالة ترهيب واضحة لكل من يجرؤ على تسمية الانتهاكات بمسمياتها، خاصة إذا كانت صادرة عن حلفاء واشنطن'، مشيرة إلى أن الموقف الأميركي بات يقوم على معاقبة كل من يشجع على ملاحقة إسرائيليين أو أميركيين، وليس مجرد الدفاع عن الاحتلال.
وقالت أستاذة القانون الدولي إن العقوبات لم تطل موظفًا حكوميًا، بل مقررة خاصة مستقلة ضمن منظومة الأمم المتحدة، ما يجعل من الخطوة الأميركية سابقة غير مألوفة في التعامل مع المقررين الأمميين، لافتة إلى أن 'واشنطن لم تكتف بتجاهل تقارير الأمم المتحدة، بل انتقلت إلى معاقبة من يكتبها'.
وذكرت أن الولايات المتحدة سبق أن فرضت عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها، وهي تعيد اليوم المشهد ذاته مع ألبانيزي، كجزء من نمط أوسع لضرب المؤسسات الدولية مثل مفوضية حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، وأضافت: 'الرسالة واضحة: كل من يطال أميركا أو أحد حلفائها بالعقاب، سيكون هو المُعاقَب'.
حقل ألغام سياسي
ورأت أن هذه السياسات تحول العمل الحقوقي إلى حقل ألغام سياسي، وتُفرغ أدوات الرقابة الدولية من معناها، بل وتُخيف الشهود والخبراء من التعاون مع المحاكم الدولية خشية الاستهداف السياسي، مشيرة إلى أن ما جرى مع ألبانيزي قد يثني خبراء آخرين عن تقديم إفاداتهم، ويقوض نزاهة العدالة الدولية.
وأوضحت أن ألبانيزي تعد من أبرز الأصوات القانونية التي وثقت الإبادة في غزة، وأسهمت في إعداد تقارير ومذكرات قانونية تُستخدم اليوم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن استهدافها يؤثر مباشرة على عمل المحكمة، ويُستغل سياسيًا للطعن في مصداقية التحقيقات الجارية حول جرائم الاحتلال.
وذكّرت طبال بأن الولايات المتحدة لم تتردد سابقًا في استهداف المحكمة الجنائية الدولية، فقد فرضت عقوبات على المدعية العامة السابقة فاتو بن سودة عندما قررت فتح ملفات جرائم ارتكبها جنود أميركيون في أفغانستان، كما استهدفت المدعي العام الحالي كريم خان بعد فتحه ملف نتنياهو، بل وصلت الأمور إلى رفع دعوى تحرش ضده من قبل سكرتيرته، في محاولة لثنيه عن استكمال التحقيقات.
وقالت: 'نحن أمام نمط متكرر في خنق العدالة الدولية حين تقترب من الخطوط الحمراء المتعلقة بـ(إسرائيل) وأميركا، وهذا يُضعف وظيفة المحكمة كمؤسسة ردع، ويحولها إلى أداة انتقائية تحاسب الضعفاء وتتجنب الأقوياء'.
وختمت أستاذة القانون الدولي بالقول: 'العقوبات الأميركية على ألبانيزي تمس جوهر العدالة الدولية، وتضرب مصداقية المحكمة الجنائية في جمع الأدلة، وضمان الشهادات، وتهيئة مناخ ثقة لسير التحقيقات'، عادة أن ما يجري هو جزء من معركة عالمية بين من يسعى لحماية القانون الدولي، ومن يعمل على تقويضه باستخدام القوائم التنفيذية والعقوبات السياسية الخارجة عن كل المبادئ التي وضعت لحماية الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد أصدرت ألبانيزي بحكم منصبها عدة تقارير وثقت فيها الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي أحدث تقاريرها الصادر هذا الشهر، اتهمت المقررة الأممية أكثر من 60 شركة عالمية، بينها شركات أسلحة وتكنولوجيا معروفة بدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.